سورية: الصراع على الحبوب يتجدّد

وسام سليم وأمين العاصي

سيطرت “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، يوم الجمعة الماضي، على مراكز أعلاف تابعة للنظام السوري في محافظة الحسكة، شمال شرقي سورية. وقال الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية سليمان بارودو، لـ”العربي الجديد”، إن “قسد” طلبت من العاملين في 7 مراكز لتوزيع الأعلاف في كل من القحطانية وعامودا والقامشلي والحسكة الخروج منها، أو العمل تحت منظومة “الإدارة الذاتية”. وأضاف أنه يجري تفريغ الأعلاف الموجودة في المراكز الأربعة لتوزيعها على أصحاب الثروة الحيوانية في ظل موجة الجفاف التي تعاني منها مناطق شمال شرق سورية.

وكانت “الإدارة الذاتية” قد سيطرت، في 14 فبراير/ شباط الماضي، على 3 مطاحن تعود لحكومة النظام في مدينتي القامشلي والحسكة، بعد أيام قليلة من انتهاء التوتر بينهما في المحافظة التي يتقاسمان السيطرة عليها. وتعتبر محافظة الحسكة، شمال شرقي البلاد، المصدر الأهم لزراعة القمح والشعير والقطن والعدس في سورية، وتنتشر فيها المطاحن الرئيسية بشكل واسع. وحسب أرقام حكومية، كانت سورية قبل عام 2011 تنتج نحو أربعة ملايين طن سنوياً من القمح، وتستهلك نحو مليونين ونصف مليون طن فقط، أي أنها تصدر كميات فائضة، فيما توضح أرقام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، أن إنتاج سورية في عام 2018 انحدر إلى 1.2 مليون طن فقط.

وحول أسباب هذا الصراع الذي بات يتصاعد أخيرا بين الطرفين بشكل واضح، قال الباحث الاقتصادي يونس الكريم، لـ”العربي الجديد”، إن هذا التنافس يحمل أبعادا عددية، أهمها الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، وحاجة كل من حكومة النظام وقوات سورية الديمقراطية (قسد) إلى الطحين لتلبية احتياجات الأهالي وإظهار كل طرف لنفسه بأنه قادر على إدارة أزمة نقص وارتفاع أسعار الخبز.

وأضاف: ” في ظل عقوبات قيصر وفرض روسيا ضرائب على تصدير القمح إلى الخارج بسبب أزمة كورونا وخشية الدول من التعامل مع النظام خوفاً من أن تشملها العقوبات، لجأ النظام إلى مناطق سيطرة قسد لتأمين حاجاته من الحبوب، خاصة بعدما فشلت محاولاته أخيرا لشراء احتياجاته من القمح عبر مناقصات زج بها عبر رجال أعمال من القطاع الخاص تابعين للنظام”.

في الوقت ذاته، أوضح الكريم أن “قسد تسعى لتحقيق الاستقرار في مناطق سيطرتها وتأمين الطحين والأعلاف لتثبت أنها قادرة على إدارة الأمور والنأي بنفسها عن المجاعة التي تهدد مناطق سيطرة النظام”.

كما أشار الكريم إلى بعد سياسي لسيطرة “قسد” على المطاحن ومراكز الأعلاف، من خلال ما وصفه بسياسة “عض الأصابع”، موضحا أن “قسد تدرك أن النظام أحوج ما يكون لإمدادات القمح والشعير من مناطقها، وهي تريد استثمار ذلك للحصول على تنازلات حقيقية وسياسية والاعتراف بالإدارة الذاتية”.

من جانبه، أكد الصحافي السوري المختص بالشؤون الاقتصادية مصطفى السيد أن حكومة النظام سعت منذ عام 2011 لإجراء تفاهمات على الموارد مع “الإدارة الذاتية”، إلا أن سوء الأوضاع والضغط الاقتصادي أديا للتخلي عن بعضها.

كما ربط صراع القمح والشعير بين الجهتين بانتخابات الرئاسة القادمة التي ستجري في منتصف العام الجاري، مشيرا إلى أن للخطوة بعدا سياسيا يتعلق بمحاولة الإدارة الذاتية إظهار نفسها بموقع الاستقلالية.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في 13 فبراير/ شباط الماضي، أنّ 12.4 مليون شخص في سورية يكافحون للعثور على ما يكفيهم من الطعام، في زيادة كبيرة وصفها بأنها “مقلقة”.

وقال برنامج الأغذية العالمي إن 60 بالمئة من السكان السوريين يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي، بناءً على نتائج تقييم وطني أجري في أواخر عام 2020، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الوجبة الأساسية أصبحت الآن بعيدة عن متناول غالبية العائلات.

ومن جانب ثانٍ، ولّد انحباس المطر في المنطقة الشرقية من سورية قلقا كبيرا لدى الفلاحين، وخاصة أولئك الذين كانوا يأملون بموسم جيد من القمح الذي يصنف ضمن المحاصيل الاستراتيجية في البلاد. وأشار أحمد العلي، وهو من فلاحي الريف الشرقي لمحافظة الرقة، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنه “في حال لم يهطل المطر في شهر آذار/ مارس الجاري بشكل كاف سينخفض الإنتاج من مادة القمح إلى مستوى متدن”.

وأضاف: “سقينا القمح في شهر فبراير/ شباط، وهذا ما لم يحصل منذ سنوات”. وبيّن أن القمح الذي يعتمد على المطر أو ما يُعرف محليا بـ”العذي” (البعل) وضعه “ليس جيدا على الإطلاق”، قائلاً: “المؤشرات تفيد بأن هذه السنة من السنوات العجاف التي مرت على المنطقة الشرقية”. وفي كل موسم، يتجدد التنافس بين “الإدارة الذاتية” والنظام لشراء إنتاج القمح من الفلاحين، في ظل تذبذب كبير بالأسعار بسبب انهيار سعر الليرة السورية وعدم استقرار سعر الدولار في السوق المحلية. وفي الموسم الفائت، حددت حكومة النظام السوري سعر شراء الكيلوغرام الواحد من القمح بنحو 400 ليرة سورية (كان يعادل في حينه نحو دولارين)، في حين حددت الإدارة الذاتية سعرا يعادل سعر صرف الدولار في السوق المحلية أثناء عملية الشراء.

 

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى