تنتهي السنوات الواحدة تلو الأخرى وتمر ذكرى الثورة مرة بعد مرة ووضع السوريين من سيء إلى أسوأ، فما هو الذنب الذي ارتكبوه؟ وهل المطالبة بالحرية يعتبر من الذنوب؟ أم أن هذا العالم الصامت يعتبرهم لا يستحقونها، وهم الذين قدموا له أول أبجدية كما قدموا الكثير من الحضارة والثقافة. فلماذا يعاقبهم؟ إن لم يكن بشكل مباشر فعبر الصمت الذي يمارسه وبإدارة ظهره والتعامي عما يحصل لهم من ويلات وعلى كافة الأصعدة، فقد نال كل سوري نصيباً مما يحدث بغض النظر عن كونهم معارضة أو موالاة، وحتى الرماديين لم يسلموا، فمن لم يقتل جرح ومن لم يهاجر نزح ومن لم يجع لا يجد حاجاته ومن لم يسجن لا يشعر بالأمان واقع معاش يومياً لكل السوريين. ثم ماذا بعد؟ هل بقي شيء لم يعاني منه السوريين؟ وإلى متى تستمر هذه المعاناة؟ لن أعود إلى الخلف ولن أدخل في تقييمات وتحليلات لما يحدث ومن ثم ألقي اللوم هنا وهناك على النظام أو المعارضة على الأخوة أم اﻷصدقاء، على الدول الصديقة أو العدوة، بل سأتكلم عن المستقبل الذي يبدو الحل فيه بعيداً خصوصاً أن السوريين أصبحوا لا يملكون أي شيء من أمرهم بدءً ممن يسمي نفسه رئيساً للجمهورية إلى أصغر سوري بسيط في منطقة نائية ولا علاقة عملية له بماجري على الارض من قريب أو بعيد.
الذي يجري في سورية قد تحول من ثورة إلى صراع ليصل إلى صراع بين الآخرين على سورية وبأدوات سورية ومن أجل مصالح المتصارعين والضحية هي سورية وشعبها المسكين الذي أصبح ضحية هذا الصراع الدولي والذي يدفع السوريون ثمنه قتلاً وتدميراً وتشريداً، فقد أصبح حوالي ثلث السوريين مهجرين في الخارج، ولم يبق مكان على وجه الأرض إلا ووصلوه في أكبر مأساة لجوء تواجه العالم عبر التاريخ القديم والحديث.
كيف يجب أن ننظر إلى مستقبل سوريا؟ وما الذي يجب فعله؟ أسئلة يجب على الشعب السوري في الداخل والخارج الإجابة عليها رغم كل الصعوبات والمعوقات والضغوطات التي يعانون منها والتي تعترضهم في كل ثانية يعيشونها. لذلك عليهم التحلي بالمسؤولية والتمسك بالأمل والبحث عن النور آخر النفق، لأنه من دون هذا فإن سورية ستضيع إلى الأبد وسيذكر التاريخ أنه كان هناك مكان اسمه سورية في ظل هذا التمزق الداخلي للمجتمع وفقدان الهوية الجامعة وذلك عبر:
– البحث عن مشتركات مجتمعية للسوريين عابرة للأعراق واﻷديان والطوائف حتى تعاد صياغة المجتمع من جديد.
– العمل على استمرار الثورة في نفس كل مواطن وتقديم خطاب جديد يجعلها لكل السوريين وذلك بالتركيز على الرماديين والموالين لأن كثيراً منهم أصبحوا على يقين بأن النظام قد جر سوريا إلى الدمار ليس للدفاع عن أهلها بل للبقاء متسلطاً عليها وعليهم.
– التركيز على بناء الثقة بين أبناء سورية ومن كل الأطياف العرقية أو الدينية والعمل مع الجميع من أجل إرساء مفهوم العدالة اﻹنتقالية المبني على أرضية المصارحة والمصالحة.
قد يتساءل الكثيرون عن إمكانية الوصول إلى مثل هذا العمل في ظل التشظي الحاصل في النسيج المجتمعي لسورية.
وأنا أقول انه لا توجد عصاً سحرية ولا أحد يملك مصباح علاء الدين لأنه من الأساطير كما أنه لا يوجد جهاز تحكم وبكبسة زر يحدث الانسجام والانتظام مع أنها أشياء حديثة إلا أن البشر ليسوا آلات. لكن الواضح والمطلوب من كل الناس أنه لابد من عمل شيء ما وهذا العمل يتطلب جهود جميع السوريون بغض النظر عن خلافاتهم وأماكن تواجدهم فهم لم يعدموا وسائل التواصل للوصول إلى أقل المشتركات التي يجب البناء عليه وأهمها هو الحفاظ على سورية الوطن وإلا ستلعن اﻷجيال القادمة كل من فرط بها. فهل يبدأ العمل؟ والجميع يعلم أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة وعليهم جميعًا أن يخطوها لتقترب المسافات فيما بينهم فهل هم فاعلون.
لعلهم يواجهون الكثير من الصعوبات والعقبات في بداية عملهم وربما يتعرضون إلى النقد والسب والشتم والتخوين حتى من أقرب المقربين إليهم ولكن هذا يجب أن لا يثنيهم عن متابعة عملهم للوصول إلى الهدف المنشود وجميعهم يعلمون أن كل الحكماء والأنبياء والرسل كانوا منبوذين في مجتمعاتهم وتعرضوا للأذى والعذاب كما أن بعضهم خسر حياته من أجل رسالته التي يحملها ومع ذلك لم يتراجعوا ونجحوا في إيصالها، وخلدهم الناس ثم اعتذروا عن كل تلك الإساءات.
في هذه الأيام التي تمر فيها الذكرى العاشرة للثورة على الجميع أن يتذكروا ويضعوا هدفاً لهم وأن يكونوا مقتنعين به يمكن اختصاره بكلمتين هما سورية للجميع. ولا يمكن أن تكون لأحد دون آخر ولتذهب كل الشعارات الفردية والإيديولوجية إلى غير رجعة فلن تحكم سورية بعد الذي جرى إلا بالقانون الذي يقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين المتساوين أمامه في الحقوق والواجبات بعيداً عن أي خلفية. هذا هو حلم غالبية أبناء سورية. فهل هناك من سيعمل لتحقيقه منهم؟ الأيام وحدها هي التي ستجيب والتاريخ سيكتب أسماء من عملوا لتحقيقه.
المصدر: اشراق