هو من مؤشرات الأمل ان ينفتح نقاش داخلي سوري، معارض، حول المستقبل وما إذا كان يفترض ان يشهد مرحلة انتقالية عسكرية، أو ما إذا كان يجب أن يلتزم بالانتقال السياسي التدريجي المنصوص عليه في القرارات الدولية. العيب الوحيد في هذا النقاش هو أنه مجرد صدى لحملة إنتخابات الرئاسة السورية، المقررة بعد أربعة أشهر، والتي تديرها موسكو وتمولها طهران، وتغيب عنها واشنطن، وستؤدي في النهاية الى تمديد ولاية الرئيس بشار الاسد لسبع سنوات أخرى.
تداول الافكار والاراء مفيد بلا شك، حتى ولو كان يبدو أنه ينطلق من فرضية لم يثبتها أحد، هي أن موسكو ضاقت ذرعاً بالنظام السوري، وتعبت من محاولة الحفاظ عليه، وباتت جاهزة لتغييره. كما يستند الى نظرية مفادها أن واشنطن التي لا تزال تنزع الشرعية عن ذلك النظام وتجرده من الأهلية، راغبة فعلا في المضي قدماً في ذلك التغيير. وهو يعتمد على فكرة خيالية مفادها أن طهران يمكن أن تمتنع عن مقاومة هذا التغيير وتعطيله، لتسلم في النهاية بأنها مطالبة بالخروج من سوريا، أو بالبقاء كشريك صغير.
صحيح أن التدخل الروسي في سوريا بلغ ذروته التي لا يمكن أن يتخطاها، لكنه لم ينته من عملية جني المكاسب والمغانم المتاحة، في ظل القيود التي وضعتها تركيا على توسع روسيا في الشمال السوري، وفي ظل الضوابط التي فرضتها إسرائيل على حركتها بإتجاه الحدود السورية الجنوبية، وفي ظل الموانع التي أقامتها إيران على الحدود الشرقية السورية، التي تتيح للايرانيين إدعاء نفوذ يوازي أو ربما يفوق النفوذ الروسي في دمشق.
التعبير عن الأمنيات والرغبات السورية المعارضة دليل صحة وعافية، لأنه في المقام الأول ينقض المسار السياسي العقيم الذي فرضته موسكو طوال السنوات الأربع الماضية، والذي باتت هي نفسها تنكر جدواه. لكن البحث عن بدائل، كان ولا يزال يحتاج الى مخيلة سياسية واسعة، من جانب المعارضين السوريين على إختلافهم، والى كفاءة عالية في مساعي الاستفادة من المواجهات الحادة التي تدور بين الدول والجيوش الاربعة التي تقاتل وتتقاتل على الاراضي السورية.
التوجه الى موسكو بفكرة المجلس العسكري، القديمة والمطروحة منذ العام 2013، دليل على سؤ تقدير وقلة معرفة بما يجري في سوريا وحولها. ليس فقط لأن الروس يرفضون أي بحث في بدائل بشار، قبل قبض الثمن المجزي سلفاً، بل لأن الدور الروسي يتضاءل بالفعل هذه الايام، ويكاد يتحول ربما الى شاهد على صراع يدور بين الاميركيين والايرانيين، قد لا تكون سوريا من عناوينه الرئيسية، لكنها بالتأكيد عنوان مهم جدا.
كما أن المجلس العسكري المنشود، لا يُطرح كفكرة، ولا يُطلب من الروس او سواهم أن يساهموا بتشكيله، بل يفترض ان تسبقه إتصالات وتفاهمات سياسية، بين كبار الضباط المرشحين لعضويته، تتوج بالاعلان عن تشكيلته الكاملة، وعن برنامج عمله الواضح، وعن الجدول الزمني المحدد لقيامه بإدارة المرحلة الانتقالية السورية، لفترة سبع سنوات أو أقل، تجرى خلالها إنتخابات نيابية ورئاسية حرة ونزيهة وخاضعة للاشراف الدولي..حتى لا تسقط الفكرة بسرعة، بوصفها تنافساً مثيراً للهزء بين الشقيقين مناف وفراس طلاس، على وراثة بشار، يشبه التنافس المثير للسخرية بين سعد وبهاء الحريري على وراثة والدهما الشهيد رفيق الحريري.
لسؤ الحظ، لا مستقبل للحل السياسي في سوريا من دون المرور بهذا الخيار العسكري، الذي فكر به الروس والاميركيون يوماً، لكن وضع جانباً، عندما إنقطعت الاتصالات بينهما، وسلمت أميركا بالحجة الروسية في سوريا، وباتت تتحدث مع الروس حول جميع عناوين الصراع والخلاف في العالم، عدا سوريا، وقعت موسكو في فخ العجز عن إستثمار دورها ونفوذها السوري في أي مفاوضات مع الاميركيين.. وتولى الاتراك والاسرائيليون والايرانيون مهمة تحجيم ذلك الدور وحصره في مناطق الساحل السوري.
الحل السوري ليس على جدول اعمال الادارة الاميركية الجديدة، ولا من أولوياتها. يمكن ان يكون هامشاً أو ملحقاً من ملاحق التفاوض والتفاهم مع ايران، وليس روسيا، على الرغم مما طرح مؤخرا من افكار أميركية حول تخفيف العقوبات على بشار مقابل الاصلاحات، هدفها الوحيد هو استعادة مقعد أميركا الفارغ منذ سنوات حول طاولة البحث في مستقبل سوريا.
مع ذلك فإن فكرة المرحلة الانتقالية العسكرية في سوريا، جديرة بالمتابعة، علّها تسد فراغاً سياسياً شديداً، لا يبدو أن هيئات المعارضة المستسلمة للقدر الروسي، قادرة على الخروج منه.. وتحفز ربما على إثارة الجدل حول سبل الخروج من المأزق السوري، بغير الأدوات والآليات السياسية الحالية التي لا تعد إلا بتمديد المأساة لسبع سنوات أخرى.
المصدر: المدن