إيران وأميركا؟!

رأي الملتقى

لم نكن بحاجة إلى مذكرات هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس أوباما لنعرف حقيقة تنظيم ما يسمى داعش وكيفية نشأته ولخدمة أية أهداف.
تقول المذكرات التي يجري حاليًا الكشف عنها تباعًا، أن داعش أنشئت باتفاق وتنسيق أميركي/إيراني. فمن الوقائع الميدانية ندرك أنها أنشئت لتؤدي أهدافًا محددة في المنطقة العربية ولاتخاذها ذريعة تبرر تدخلات إيران وميليشياتها في البلاد العربية كما لتبرير حرب تشنها الولايات المتحدة على البلاد العربية لتدميرها وسلبها مواردها. وتكون مدخلًا لسيادة ” إسرائيلية ” على المنطقة في سياق ” الحرب على الإرهاب “..
فحينما كانت الانتفاضة الشعبية في سورية على وشك الانتصار وإسقاط نظام الإجرام والتبعية والفساد بعد سنتين من مواجهات مشتعلة ضد النظام إياه، كان لجوء الولايات المتحدة إلى تأسيس داعش بالتنسيق مع إيران التي استقدمت ميليشياتها المسلحة إلى سورية بموافقة ورعاية أميركية بعد أن كانت سلمتها إدارة الدولة العراقية ومختلف شؤون البلاد وإمكانياتها. وكان التدخل الإيراني ثم التدخل الروسي بغطاء أميركي أيضًا لإنقاذ النظام ومنع القوى الشعبية من تحقيق أي انتصار عليه، ومن ثم لاتخاذها ذريعة لتبرير العدوان الأميركي واحتلال أجزاء من سورية وتغطية كل ما تقوم به أميركا في المنطقة على أساس إستراتيجيتها في محاربة الإرهاب الموصول بالأصولية الإسلامية. فكان التدخل الإيراني خطوة في ذات الإستراتيجية وكان لزامًا الحاجة إلى ميليشيا مسلحة إجرامية تكفيرية تتخذ الإسلام شعارًا لها وترتكب من الفظاعات الإجرامية بما ينسجم مع التوجهات الاستراتيجية حيال المنطقة العربية لكلا الطرفين الأميركي والإيراني.
إن نسف هوية المنطقة واستبدالها بهويات تقسيمية انفصالية تشكل مقدمة لنجاح مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة وسيادة الكيان الصهيوني عليها. وليس كمثل التدخل الإيراني من يقدر على تحقيق ذلك متخفيًا بالعصبية الدينية المذهبية وشعارات المقاومة المفرغة من أي مضمون إيجابي. أضيف إليها محاربة إرهاب داعش لمزيد من التغطية والتبرير وفعالية التدخل المؤدي للأهداف المطلوبة منه.
وقد استُخدمت داعش في كل من العراق وسورية ببراعة أدت وظائفها على أقذر وجه. فبحجة مواجهتها تم تدمير معظم المدن الأساسية في العراق وسورية وهي المدن ذات الكثافة السكانية التاريخية المتجانسة. بدءً من الموصل مرورًا بتكريت والفالوجة وانتهاء بالرقة وداريا والزبداني وحمص وحلب وسواها. ثم تهجير سكانها واستبدالهم بآخرين مستجلبين من خارج المنطقة بهوياتهم المختلفة وولاءاتهم الحاقدة على العروبة. وهذا ما لا يزال جاريًا بفعالية في أكبر وأقذر عملية تغيير ديمغرافي سكاني عرفتها المنطقة العربية في كل تاريخها.. “وما مسرحية تسليم حكومة نوري المالكي العراقية للموصل إلى قوات داعش بعد انسحاب مبرمج منها دون أي قتال وترك أسلحة ضخمة وأموال طائلة لتتصرف بها داعش وتكون الحجة والغطاء لتدمير المدينة العربية العريقة الأصيلة،  إلا مثالاً فضح تنسيق القوى الثلاثة في عدوانها على العراق والمنطقة..”
هذا التغيير السكاني هو جوهر المشروع الإيراني الذي يحتاجه العدوان الأميركي – الصهيوني على البلاد العربية وهو ما لا تستطيعه لا أميركا ولا ” إسرائيل ” بقواها الذاتية ولو احتلت كل الأرض العربية.
وبعد أن أعلنت أميركا القضاء على داعش في السنة الماضية ها هي تعود لتحريكها نظرًا للحاجة إليها وتغطية أهداف عدوانية جديدة لها.
وليس أقل دلالة على الحاجة الأميركية للتنسيق مع إيران فيما يخص المنطقة العربية بتأسيس داعش واستخدامها المتناغم المشترك، موضوع التعاطي الأميركي المائع المتذبذب مع الملف النووي الإيراني. أزيد من عشر سنوات والموقف الأميركي لم يكن يومًا من الجدية والصرامة بحيث يمنع إيران من استكمال أبحاثها النووية تمهيدًا لصنع وامتلاك قنبلتها النووية. على العكس من ذلك فإن المواربة التي يتصف بها الموقف الأميركي تشجع إيران على المضي في برنامجها النووي. وها هي الإدارة الجديدة والرئيس الجديد جو بايدن يعلنون جهارًا موقفًا دونيًا يغازل الموقف الإيراني للعودة إلى مفاوضات الملف النووي.
وكأن الولايات المتحدة هي في الموقف الضعيف وليس العكس. إننا لا نستدل على ميوعة الموقف الأميركي لنعطيه الحق في منع إيران أو غيرها من امتلاك قنبلة نووية؛ وإنما للدلالة على المخادعة الأميركية وتناغمها مع إيران في مشروع متشابه حيال بلادنا العربية.
وعلى العكس من ذلك أيضًا؛ بادر العدو الصهيوني إلى ضرب مفاعل تموز العراقي في صيف ١٩٨١ دون سابق إنذار أو حديث أو ضجيج. لم توجه إنذارات للعراق ولم يطالبه أحد بوقف الأبحاث النووية ولم يطلب منه الدخول في مفاوضات حول برنامجه النووي. أما في حالة إيران فالتعاطي مختلف تمامًا حيث التناغم وتكامل المصالح والأهداف الرامية إلى نسف الوجود القومي لأمتنا العربية وهويتها التاريخية الحضارية. فهذا هدف ثلاثي مشترك للأطراف الثلاثة: أميركا، العدو الإسرائيلي، وإيران.
إننا في ملتقى العروبيين إذ ندين كل عدوان أميركي على أي شعب من شعوب العالم ولا نعترف بأحقية الولايات المتحدة في عقاب هذا ومنح ذاك أو منعه؛ فهذا عمل إمبراطوري استعماري مرفوض. وفي الوقت ذاته ندين التدخلات التخريبية الشعوبية الحاقدة للنظام الإيراني الفارسي في أرضنا العربية تحت أية ذريعة كانت أو سوف تكون. ولعل عمليات التهجير والتغيير السكاني الديمغرافي لبلاد المشرق العربي التي تقوم بها إيران؛ تشكل تهديدًا جديًا وعدوانًا صارخًا على أمتنا وهويتنا العربية وربما كانت أشد خطرًا وإيلامًا من أي عدوان عسكري مباشر. وإذا كان الدور العسكري للميليشيات الإيرانية لم يعد مطلوبًا في سورية أو انتهت وظيفته؛ فيقوم طيران العدو باستهدافه لتحجيمه على الأرض العربية السورية – وليس للقضاء عليه -؛ فإن التغيير الديمغرافي يبقى الوجه الأخطر والذي ما يزال مطلوبًا وربما أمامه امتداد زمني واسع مرهون باستفاقة مراكز القوة العربية من سباتها لوضع حد لذلك المشروع التخريبي الجسور .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى