لا يبدو أن رأس النظام السوري بشار الأسد، سيتلقى تطعيماً “روسياً” ضد “كورونا”، في فترة قريبة، بخلاف رغبته التي أبداها منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في حديثٍ مع وكالة أنباء روسية. فنظام الأسد فشل حتى الآن في عقد أي اتفاقية لتوريد لقاح ضد كورونا، بعد ستة أسابيع من المحاولات، وفق اعتراف مثير للجدل، وللسخرية في آن، أدلى به وزير الصحة بحكومة النظام، حسن الغباش، تحت قبة مجلس الشعب، يوم الخميس.
وبعيداً عن البعد الفكاهي في الربط الذي عقده “الغباش” بين الحصول على لقاح كورونا، و”السيادة السورية”، تخلل جلسة مجلس الشعب ذاتها، إجراء نيابي روتيني، يكشف عن مصدر رئيس للقاح يراهن عليه النظام، بعد فشل محاولته في استجداء اللقاح “مجاناً” من روسيا.
إذ أقر مجلس الشعب مشروع قانون بتصديق اتفاقية مع “غافي” – التحالف العالمي من أجل اللقاحات-، والذي يعمل ضمن برنامج “كوفاكس” الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية، بهدف توفير لقاح كورونا للبلدان الفقيرة. لكن يبدو أن اتفاقية حكومة النظام مع “غافي”، لا تتعلق بلقاح كورونا حتى الآن، بل تتعلق بلقاحات لأمراض أخرى، وذلك وفق تصريح وزير الصحة، الذي قال إن حكومته لم توقّع حتى الآن أي اتفاقية مع أي منظمة، لاستقدام لقاح كورونا، لأن هناك شروطاً لم تناسب حكومته.
لكن ما هي هذه الشروط؟ لم يفصح الوزير عن ذلك. وهو غموض آخر يُضاف إلى الغموض حول مصير مفاوضات النظام مع روسيا للحصول على لقاحها، “مجاناً”، أو بشروط مالية مُيسّرة. فبعد الكثير من التهليل بقرب وصول اللقاح الروسي إلى سوريا، بالتزامن مع زيارة وزير خارجية النظام، فيصل مقداد، إلى موسكو، في 21 كانون الأول/ديسمبر الفائت، غاب الحديث عن اللقاح الروسي تماماً عن الإعلام الموالي للنظام. وبناء على ما سبق، فإن الرهان على وصول اللقاح إلى سوريا خلال شهر نيسان/أبريل القادم، كما توقعت مصادر رسمية سورية سابقاً، لا يبدو واقعياً.
وهكذا، تدير دول حليفة ظهرها للنظام، مجدداً، وسط أزماته الاقتصادية المتفاقمة. فروسيا التي تدير عملية تسويق لقاحها، “سبوتنيك v”، بعقلية تجارية بحتة، عبر صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، مشغولة الآن في عقد الصفقات مع الدول التي تريد الدفع “كاش”، للحصول على لقاحها، المشكوك في فعاليته حتى الآن. وذلك ينطبق أيضاً، على الحليف الآخر لنظام الأسد، الصين. أما الحليف الأوثق، إيران، فهي عاجزة عن مساعدة النظام بهذا الخصوص، حتى الآن، إلا إن كان النظام يأمل في الحصول على لقاحها المحلي “كوفيران”، الذي لا تراهن عليه إيران ذاتها. فطهران عملت مؤخراً بشكل حثيث على استيراد لقاحات من مصادر خارجية.
وبهذا الصدد، لا يستطيع النظام الاختباء وراء ذريعته المفضلة، في تبرير فشله بإدارة أزمات البلاد، وهي العقوبات. فحليفته إيران حصلت على موافقة أمريكية تستثنيها من القيود على حركة حساباتها المالية، بغية شراء اللقاح المضاد لـ كورونا، منذ نهاية العام الفائت. وفي تفاصيل هذا الخبر تحديداً، تتضح المعضلة التي تواجه النظام. فإيران أعلنت أنها خصصت 200 مليون يورو لشراء دفعة من اللقاحات. فمن أين سيأتي النظام بمبلغ مماثل، إذا علمنا أن حسين عرنوس، رئيس وزراء النظام، تهرّب من إلغاء قرار إلزام السوريين بتصريف 100 دولار على الحدود، خلال تصريحات له قبل بضعة أيام، مشيراً إلى إمكانية إلغاء القرار، فقط حينما يتحسن الوضع الاقتصادي. علماً أن حصيلة ما دخل إلى خزينة النظام من هذا الإجراء منذ فرضه وحتى الآن، قياساً إلى ما تم تحصيله خلال شهر آب/أغسطس الفائت، بناء على أرقام رسمية، ربما لا تتجاوز الـ 10 ملايين دولار، في أحسن الأحوال. فالنظام العاجز عن الاستغناء عن 10 ملايين دولار، لإلغاء إجراء أثار استياء السوريين على نطاق واسع، كيف سيوفر مبالغ من قبيل 200 مليون يورو!
يحيلنا ذلك، مجدداً، إلى رهان النظام الأبرز، في ملف لقاح كورونا، وهو المعونة الدولية. فقد تم تحديد سوريا، بالفعل، من بين الدول الـ 92 التي ستتلقى اللقاح بمعونة اقتصادية من التحالف العالمي “كوفاكس”. لكن حديث النظام الغامض عن شروط لم يقبلها في الاتفاق مع المنظمات الدولية في هذا المجال، يطرح تساؤلات حول مصير التعاون المرتقب مع “كوفاكس”. ناهيك عن معضلة أخرى تتعلق بموعد الحصول على اللقاح، إذ تشير تصريحات حكومية في مصر مثلاً، أنها قد تتلقى جرعات لقاح كورونا ضمن إطار مبادرة “كوفاكس”، في حزيران/يونيو القادم. وهو ما يجعل الاستجابة لتفشي الوباء واحتوائه، متأخرة جداً.
أحد الأبواب الأخرى التي ربما يراهن عليها النظام، هي استنساخ النموذج اللبناني، وهو ما أوحى به أحد تصريحات وزير الصحة، يوم الخميس. إذ حذّر من تفشي كورونا على غرار ما حدث في لبنان. بل يبدو أن النظام، الذي يهمل الإجراءات الاحترازية على أرض الواقع، يأمل حصول السيناريو اللبناني بالفعل في سوريا، فذلك قد يتيح له الحصول على معونة دولية لشراء لقاحات كورونا، مثلما حصل لبنان على معونة بقيمة 34 مليون دولار، من البنك الدولي، لهذه الغاية.
أما متى سيصل اللقاح إلى سوريا؟ فالجواب نجده في تصريح سابق لمسؤول في وزارة الصحة، قال فيه إن التأخر في وصول اللقاح سيكون في “مصلحة المواطن”، لأنه حينما يزيد الإنتاج، سينخفض سعر اللقاح. وهو ما يكشف –بين السطور- عن نيّة النظام، ألا يدفع “دولاراً واحداً” لتطعيم السوريين ضد كورونا.
المصدر: المدن