يعكس الرفض الشعبي الواسع للوجود الروسي في الدوريات التي اتفق عليها الروس والأتراك على الطريق الدولي حلب – اللاذقية “ام 4″، الاستياء الكبير من نتائج الاتفاق المبرم بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان حول محافظة إدلب، خصوصاً لجهة فقدان الأمل بعودة أكثر من مليون نازح إلى مناطقهم التي أبقاها الاتفاق تحت سيطرة النظام. ومن الواضح أن هذا الطريق بات الفاصل بين مناطق نفوذ الجانب التركي شمالاً ومناطق النفوذ الروسي جنوباً.
ولم يملك المدنيون في محافظة إدلب خياراً لمقاومة هذا الاتفاق سوى الخروج بتظاهرات، والمشاركة في اعتصامات، مع دخول الثورة السورية عامها العاشر في ظل انسداد الآفاق أمام حل سياسي قريب يمكن أن يحقق جانباً من أهداف ومطالب الشارع السوري المعارض. وقطع متظاهرون الطريق على أوتوستراد اللاذقية – حلب الدولي المعروف بـ”ام 4″، بالإطارات المطاطية، وذلك لإعاقة سير الدورية الروسية – التركية المشتركة تطبيقاً لاتفاق بوتين وأردوغان في موسكو في الخامس من الشهر الحالي. وقال مراسل “العربي الجديد” إن مئات المدنيين توافدوا إلى الطريق الدولي قرب جسر أريحا، وأشعلوا إطارات بهدف منع مرور الدوريات المشتركة الروسية – التركية. وأوضح أن عشرات الأشخاص كانوا قد باتوا في خيام نُصبَت قبل ثلاثة أيام على الطريق. فيما ذكرت مصادر محلية أن طائرات مسيّرة مجهولة قصفت، أمس الأحد، محيط الاعتصام على طريق حلب ــ اللاذقية بالقرب من قرية النيرب في ريف إدلب الشرقي.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية في تغريدة، أمس الأحد، تسيير أول دورية برية مشتركة مع القوات الروسية على طريق “ام 4” في محافظة إدلب. وأوضحت أن “قوات برية من الطرفين شاركت في الدورية المشتركة، رافقتها طائرات”. وأكدت وزارة الدفاع، في بيان، أنه “تم اتخاذ التدابير اللازمة، عبر التنسيق بين مركزي التنسيق التركي والروسي، من أجل منع الاستفزازات المحتملة للدورية البرية، وتضرر السكان المدنيين في المنطقة”.
في موازاة ذلك، أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى اختصار مسار الدورية المشتركة الأولى مع القوات التركية على طريق “ام 4″ في منطقة إدلب، شمال غرب سورية، بسبب استفزازات من قبل ما وصفته بـ”تشكيلات إرهابية”. وأكدت الوزارة، في بيان أصدرته أمس، تسيير أول دورية مشتركة مع تركيا على جانب من طريق “ام 4” الدولي في منطقة إدلب لخفض التصعيد، لكنها ذكرت أن المسار “تم اختصاره بسبب استفزازات مخططة من قبل عصابات مسلحة متطرفة غير خاضعة لتركيا”. وزعمت الوزارة، في البيان، أن من وصفتهم بـ”الإرهابيين” حاولوا، من أجل تنفيذ استفزازاتهم، استخدام السكان المدنيين دروعاً بشرية، بما في ذلك النساء والأطفال. وأشارت إلى أنه “تم منح وقت إضافي للجانب التركي لاتخاذ إجراءات خاصة بتحييد التنظيمات الإرهابية، وضمان أمن الدوريات المشتركة على الطريق ام 4”.
وشاركت في الدورية العسكرية المشتركة من الجانب الروسي وحدات من الشرطة العسكرية في عدة عربات مدرعة، فيما جرى تنظيم العملية من قبل مركز التنسيق الروسي التركي المشترك، الذي تم إنشاؤه لمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار في إدلب. وكان الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين قد توصّلا، في الخامس من الشهر الحالي، في العاصمة الروسية موسكو، إلى اتفاق جديد مُلحق باتفاق سوتشي، حول “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب وما حولها)، على وقف لإطلاق النار، بدأ منتصف ليل الخميس – الجمعة، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب – اللاذقية “ام 4″، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أمّا البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول الطريق “ام 4″، فيشير إلى بدء تسيير دوريات مشتركة بين روسيا وتركيا على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس/ آذار الحالي.
من جهتها، زعمت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، أن “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، “عملت على تأليب الرأي العام في إدلب ضد اتفاق موسكو لمنع تطبيق بنوده، ولا سيما الخاصة بفتح الأوتوستراد الدولي من بلدة الترنبة، غرب سراقب، إلى تل الحور عند الحدود الإدارية لريف اللاذقية الشرقي وبطول 70 كيلومتراً، ولذلك حرّضت شباناً على التظاهر عند جسر أريحا على الأوتوستراد وحرق الإطارات المطاطية في بعض نقاطه”، وفق زعم الصحيفة. ونقلت عن مصادر محلية قولها إن “الشبان منعوا الجرافات التركية من إزالة السواتر الترابية في مقاطع من الطريق لتسيير الدوريات التركية إلى الشمال منه بعمق 6 كيلومترات، والروسية إلى الجنوب منه وبعمق 6 كيلومترات أيضاً”، وفق الصحيفة.
وفي السياق، أصدرت غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، أمس الأحد، بياناً، دعت فيه لرفض مخرجات المؤتمرات الدولية، واعتماد ما وصفته بـ”خيار المقاومة”. وتضم هذه الغرفة، التي أُنشئت في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، مجموعات متشددة، منها “تنظيم حراس الدين”، و”جبهة أنصار الدين”، و”أنصار التوحيد”، و”جماعة أنصار الإسلام”. وقالت هذه المجموعات، في بيان، إن مسار أستانة “لا يعدو كونه تكتيكاً، غايته إجهاض ثورة أهل الشام عبر رهن القرار وكسر إرادة القتال والاستفراد بالمناطق، وفرض حلول استسلامية من قبل المحتلين”. وأشارت، وفق البيان، إلى “أن الوعود التي أطلقت بخصوص المعتقلين والمساعدات الإنسانية والحل السياسي، لم تكن سوى سراب ووهم”. ويعد وجود المجموعات المتشددة في الشمال الغربي من سورية الذريعة الأكبر للروس والنظام لتجاوز كل الاتفاقات الموقعة مع الجانب التركي. ولطالما اتخذ الروس من هذه المجموعات سبباً للفتك بفصائل المعارضة والمدنيين في مختلف المناطق السورية.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت، السبت الماضي، أن المفاوضات العسكرية مع تركيا حول الوضع في إدلب بنّاءة، مشددة على أن نتائجها ستسمح بتطبيق كل الاتفاقات بين الطرفين الخاصة بمنطقة خفض التصعيد في إدلب، والتي تم التوصل إليها في 5 مارس/ آذار الحالي في موسكو.
وبقي الهدوء الحذر سيد الموقف في الشمال الغربي من سورية، أمس، في اليوم العاشر من وقف إطلاق النار الجديد، وسط ترقب لما ستؤول إليه الأوضاع في ظل رفض شعبي واسع النطاق لوجود روسي في الدوريات المشتركة، نابع من فقدان الأمل لدى أكثر من مليون نازح بعودة آمنة إلى منازلهم، ما يعني استمرار المأساة الإنسانية في الشمال السوري. وفي تصريحات صحافية، أكد مدير فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري محمد حلاج، أن الفريق لم يسجل عودة أي نازح من المخيمات المنتشرة في الشمال السوري إلى المناطق التي سيطر عليها النظام خلال الحملات العسكرية المتلاحقة منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي، في أرياف إدلب وحلب وحماة. ولفت حلاج إلى أن النازحين فضّلوا البقاء في المخيمات التي تعاني ظروفاً إنسانية قاسية على العودة إلى مناطقهم التي سيطرت عليها قوات النظام، موضحاً أن النازحين يخشون من عمليات الانتقام والاعتقال، كما جرى مع بعض المدنيين الذين بقوا في منازلهم، وقامت قوات النظام بقتلهم أو اعتقالهم في ريفي إدلب وحلب.
ودأبت قوات النظام ومليشيات تتبع لها على الفتك بالمدنيين في كل المناطق التي استعادت السيطرة عليها في جنوب سورية وريف دمشق وريف حمص الشمالي، وهو ما يجعل النازحين من أرياف حلب وإدلب وحماة يطلبون ضمانات كافية لعودتهم، يبدو أنها بعيدة المنال في الوقت الراهن. وكان هؤلاء النازحون يأملون باتفاق يعيد النظام إلى الحدود الجغرافية لاتفاق سوتشي المبرم في عام 2018، لكن اتفاق الخامس من الشهر الحالي خيّب آمالهم في عودة قريبة.
المصدر: العربي الجديد