أثبتت الرسالة الأخيرة التي بعث بها رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري، وابن خال رئيس النظام بشار الأسد، إلى الأخير، أنّ خطوط الاتصال مقطوعة بين الطرفين، في حين تتصاعد الأزمة بينهما بعدما كانت طفت إلى السطح منتصف العام الماضي. فقد أشار مخلوف، في منشور له على موقع “فيسبوك”، أول من أمس الأحد، إلى أنّ من وصفهم بـ”أثرياء الحرب” لجأوا إلى بيع ممتلكاته وممتلكات عائلته بعقود مزورة، مخاطباً بشار الأسد، بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى والسلطة التنفيذية والعسكرية والأمنية، بإعادة حقوقه كاملة، وإنزال العقوبة بمن أقدموا على ذلك. ومنذ تصاعد الخلاف بين الطرفين، يتوقع مراقبون أن يتحوّل إلى مواجهة مباشرة بينها، في حال لم يخضع مخلوف للضغوط، واستمرار الأسد في محاصرته وملاحقته.
ونشر مخلوف، عبر “فيسبوك”، نصّ رسالة قال إنه أرسلها للأسد، موضحاً أنه نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، لضمان وصولها إلى وجهتها. وأشار مخلوف في الرسالة إلى أن توجيهها جاء بعد منعه من المثول أمام القضاء، وعدم الإجابة على أي من الكتب التي أرسلها سابقاً إلى جهات مختلفة، واصفاً إياها بـ”العصابات”، ومعتبراً نفسه من ضحاياها، من خلال الاستيلاء على أملاكه. ولفت مخلوف إلى أن تلك العصابات التي تتمتع بسلطات واسعة، من أهمها السلطة الأمنية، عمدت إلى أسلوب جديد من خلال تزوير عقود ووكالات بيع، والإقدام على بيع ممتلكاته وعائلته، كاشفاً عن اقتحام عناصر أمنية مكاتب شركاته، ليل السادس من الشهر الحالي، بهدف الاستحواذ على وثائق هامة، للتمكن من تزويرها.
واتهم مخلوف بشار الأسد، بلهجة عتاب، بعدم الاكتراث حيال كل ما حصل له، مطالباً إياه بـ”تطبيق أحكام ومواد الدستور التي كفلت وصانت الملكية الخاصة، وذلك من خلال إعادة كامل حقوقنا إلينا، ومعاقبة المرتكبين بأشد العقوبات ليكونوا عبرة لمن يعتبر”.
وكانت مصادر إعلامية أشارت إلى أنّ أفراد يتبعون لمليشيا يقودها خضر الطاهر، المعروف بأبو علي خضور، أقدموا في الأيام القليلة الماضية على اقتحام عدد من العقارات التي يمتلكها مخلوف في دمشق ومحيطها، وتفريغها من محتوياتها والسيطرة عليها، لا سيما قصر مخلوف في بلدة يعفور قرب دمشق. وخضر الطاهر، هو أحد الواجهات الاقتصادية الجديدة للنظام، إذ بات أحد الذين أوكلت إليهم إدارة العلاقات الاقتصادية لعائلة الأسد عوضاً عن مخلوف. ويعتبر كذلك أحد أمراء الحرب، إذ أسس العديد من المليشيات التي دعمت النظام خلال سنوات الأزمة، ما دفع الإدارة الأميركية إلى إدراجه على لوائح عقوبات قانون “قيصر”.
ومنذ ظهور مشكلة مخلوف – الأسد إلى العلن، ينظر البعض إلى هذا الخلاف على أنه قد يتحول إلى صراع داخل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الطرفان، ولكل منهما قاعدته وأتباعه داخلها. إلا أنّ المعارض العلوي عيسى إبراهيم، رئيس “حركة الشغل المدني في سورية”، أشار إلى أنه “ليس الأسد الابن أو رامي مخلوف زعامات طائفية داخل الطائفة العلوية ويتنازعان زعامتها، فالعلويون ليسوا كتلة واحدة وليس لهم مرجعية دينية أو سياسية، ففيهم الموالي وفيهم المعارض، وعلى جانبي ذلك فيهم كل تنوعات الأحزاب من البعث والقومي السوري والشيوعي والمستقلين والليبراليين إلخ… وبالتالي لا يمكن الحديث عن تداعيات للخلاف المُفترض بين الأسد ومخلوف داخل الطائفة، إلا من ضمن تداعياته على عموم السوريين، في حال كانت له تداعيات كخلاف مُفترض. فقد كان رامي مخلوف – ولَم يزل بزعمي- أحد الواجهات الاقتصادية للأسد الابن، كما حسام القاطرجي وسامر الفوز وغيرهما من الواجهات الاقتصادية التي تُدير وتستثمر المال السوري المنهوب منذ عقود، في سورية وكذلك في دول العالم”.
وأكد إبراهيم، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “رامي مخلوف كما الأسد الابن، كما غيرهما من السوريين في المعارضة والموالاة، يستخدمان العصبيات وغيرها من الأدوات في سبيل تحقيق مصالح اقتصادية والإبقاء على السلطة والنفوذ، كما جرى في الخطب الدينية والوطنية التي ألقاها الأسد الابن أمام المؤسسة الدينية السنية في دمشق، وكذلك منشور رامي مخلوف الخليط من دين واقتصاد وسياسة وخرافة على صفحته”.
وعن احتمالية تطور الخلاف، أشار إبراهيم إلى أنه “حتى الآن يتم الحديث بدون أي أدلة عن خلاف بين الطرفين، ومن ضمن ذلك مصادرة ممتلكات وحبس موظفين لدى رامي مخلوف. نعم، هناك خلاف في بعض التفاصيل بينهما حول إدارة تقاسم الثروة والأدوار وليس في التوجه العام، خصوصاً مع بلوغ أبناء الأسد الابن وأبناء رامي سن الشباب، وقيام كل منهم بفتح مشاريعه الخاصة، ورغبة كل طرف في الحصة الأكبر، كونه صاحب الحق في الثروة، وفق منظوره. وكذلك مع بحث رامي مخلوف عن دور سياسي اقتصادي له ولأسرته الصغيرة، وليس لكل عائلة مخلوف المتنوعة بالرأي السياسي وبالموقف من النظام في سورية، في حال ذهاب الأسد الابن، وهو يستخدم السبل كلها لتحقيق ذلك. كما أنّ بشار الأسد يستخدم السبل كافة للبقاء في السلطة التي تدر عليه الثروة. لذلك ترى كل منهما يتحدث بالدين والوطن واللغة والعادات والتقاليد ولا يتحدث بما هو مسؤول عنه من سلطة أو ثروة أو صلاحيات، وكيفية وضع كل ذلك بإدارة القانون والدولة والنظام السياسي الناتج عن حياة سياسية طبيعة، وليس عن اعتبار أنفسهم مصدرا ومعيارا لكل ما تقدم”. وأشار إلى أنّ “ما عدا ذلك، من قبيل مصادرة مزعومة هنا وهناك من قبل فلان، هو إغراق للسوريين في التفاصيل، لتعمية المشهد السوري العام، الذي يشترك فيه السوريون جميعاً بمعزل عن موقفهم السياسي، حيث الفقر والموت وسرقة الثروات العامة وتدمير البنية التحتية، وسرقة وجود السوريين، وبشكل رئيس من قبل مافيا حاكمة، ولاحقاً من قبل زعامات مافيوية معارضة مرتزقة. فنحن جميعاً كسوريين بمواجهة مجرمين يستثمرون بِنَا عبر الدين أو الوطن أو أي عصبية قد تكون مفيدة لهم في سبيل الإبقاء على حالة الاستثمار بنا”.
المصدر: العربي الجديد