مع أفول أيام عام 2020، الذي شهد انحساراً تدريجياً للمعارك والعمليات العسكرية الكبرى على الأرض السورية، تتوالى الصيحات الغاضبة من داخل إيران، منددة بانهيار مؤشرات التعاون الاقتصادي بين إيران والنظام السوري، دون أن تنسى هذه الصيحات التذكير الدائم والمستمر بفضل إيران وميليشياتها في حفظ وحماية حكم بشار أسد من الانهيار والسقوط على يد الشعب السوري.
وبالإضافة لخيبات الأمل الإيرانية الكبرى في السوق السورية، والانخفاض الملحوظ في معدلات التصدير والاستيراد بين البلدين خلال السنوات العشر الماضية؛ لا تخفي المواقع الإيرانية الموالية للنظام الإيراني امتعاضها الشديد من احتمالية خسارة إيران فرصتها للمشاركة في عملية إعادة الإعمار السورية.
وفي ظل الظروف الاقتصادية المزرية التي تعاني منها إيران بسبب العقوبات الأميركية المشددة، فإن استمرار الوضع الحالي في سوريا على ما هو عليه اليوم، يعني فرض معادلة خاسر – خاسر (خاسر إذا بقي وخاسر إذا غادر) على النظام الإيراني.
هذه الخسارة المضاعفة لن تقتصر على الجانب العسكري، حيث تتعرض ميليشيات إيران المنتشرة على جميع أنحاء الخريطة السورية لضربات جوية إسرائيلية مركزة تخطت الـ 24 ضربة خلال عام 2020، بل تمتد إلى الجانب الاقتصادي، لتظهر المفارقة الكبيرة التي أزعجت الإيرانيين بشدة، بسبب استحالة التوفيق ما بين نفوذهم العسكري الكبير ونفوذهم الاقتصادي الهزيل في سوريا، وبالتالي استحالة تعويض جزء بسيط جداً مما خسروه في سوريا خلال السنوات العشر الماضية.
الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران حبر على ورق
في الحقيقة، تعود جذور الامتعاض الإيراني من انعدام مشاركتهم الاقتصادية في السوق السورية لعام 2014 (قبل التدخل الروسي في سوريا)، عندما وعد رأس نظام أسد الإيرانيين بالاستثمار في إعادة إعمار أنقاض بيوت السوريين، التي دمرتها آلته الحربية، ولقي هذا الاقتراح ترحيباً من المسؤولين في إيران.
حينذاك، حرم لهيب الحرب السورية المشتعلة الإيرانيين من المشاركة في أي فرصة للاستثمار في سوريا، وذلك بالرغم من تشكيل لجنة مختصة في ذات العام مهمتها النظر في كيفية الاستثمار في سوريا، ودراسة الاحتياجات والقدرات اللازمة لتمكين القطاع الخاص الإيراني المهتم بالاستثمار في سوريا.
ومع انحسار المعارك على معظم رقعة الخريطة السورية لاحقاً، ورغم الزيارات الثنائية المتعددة، والتي تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران، لم يتم تفعيل أي من هذه الاتفاقيات الاقتصادية على أرض الواقع حتى الآن.
هذا الأمر أكده تقرير نشرته وكالة أنباء مهر الإيرانية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، حيث استهلت في معرض تقريرها، مراجعة سريعة لعدد من الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين، خاصة الاتفاقيات المتعلقة ببناء المساكن والمواصلات وبنيتها التحتية والجمارك والعلاقات المصرفية والتأمين وتطوير المناطق الحرة وإعادة إعمار المدن الصناعية السورية، لتؤكد في التقرير ذاته على أنه رغم كل هذه الاتفاقيات، لم تتخذ أي من بنود الاتفاقيات المهمة الموقعة بين المسؤولين السياسيين أي جانب اقتصادي حتى الآن.
أين وصل مشروع بناء 200 ألف وحدة سكنية في دمشق؟
بالرغم من مضي قرابة عامين كاملين على توقيع مذكرات تفاهم تنص على بناء إيران لـ 200 ألف وحدة سكنية في دمشق، يقول إيرج رهبر، رئيس جمعية البُناة في طهران، الذي رافق رئيس الوفد الإيراني، إسحاق جهانغير النائب الأول للرئيس الإيراني ومحمد اسلامي وزير النقل والتنمية الحضرية الإيراني، إلى سوريا في عام 2019: “بعد تلك الرحلة لم يحدث شيء، ولم يتم اتخاذ أي إجراء من قبل المنتجين في سوريا”.
وأضاف رهبر: “لا أعرف ما إذا كانت المؤسسات الأخرى قد فعلت شيئاً، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء من قبل جمعية البُناة لإعادة إعمار سوريا. نحن نلتقي باستمرار مع ممثلي الغرفة التجارية ونتابعها، لكن مسؤولي الجهاز الدبلوماسي لا يتابعون العمل”.
العقوبات والطرق أهم العوائق أمام مشاركة اقتصادية إيرانية فاعلة
في الوقت الراهن، لا يبدو أن إيران ستتمتع على المدى القريب أو المتوسط بأي نفوذ اقتصادي كبير في سوريا، وذلك خلافاً لهيمنتها العسكرية الواسعة في هذا البلد.
وفي الحقيقة، هناك عدة أسباب حقيقية تقف عائقاً أمام أي مشاركة اقتصادية إيرانية كبيرة في عملية إعادة الإعمار السورية.
أحد تلك العوائق هي العقوبات الاقتصادية المطبقة على الجانبين السوري والإيراني، (العقوبات الأميركية على إيران، وعقوبات قيصر على سوريا).
فمن ناحية حرمت العقوبات الأميركية المطبقة على إيران الشركات الإيرانية الكبرى من الحصول على التمويل اللازم للمشاركة في عملية إعادة الإعمار السورية، التي ستستغرق وقتاً طويلاً وأموالاً ضخمة (ما بين 250 حتى 400 مليار دولار، كما أشار تقرير نشره مركز مالكوم كير – كارينغي للشرق الأوسط في عام 2019.
ومن ناحية أخرى، أدى تطبيق العقوبات الأميركية والأوروبية منذ 2011 وصولاً إلى قانون قيصر، إلى ظهور آثار كارثية على الاقتصاد السوري، إذ تعطلت آليات عمل القطاعات الحيوية وأبرزها المصارف، بحسب تقرير لمركز “كارتر” للأبحاث، ما شكل عائقاً أمام استثمارات القطاع الخاص الإيراني في مجال المعاملات والتحويلات المالية.
العائق الآخر والأهم، هو عدم وجود طريق آمن ذي جدوى اقتصادية بين إيران وسوريا، وهذا ما أكده تقرير نشره تلفزيون سوريا في 28 ديسمبر /كانون الثاني 2020، حيث أشار التقرير إلى أن كل الطرق المتبعة لنقل البضائع الإيرانية المصدرة إلى سوريا، إما طويلة ومكلفة، أو أنها طرق غير آمنة، مما دفع معظم المنتجين والمصدرين الإيرانيين لغض النظر عن الاستثمار في السوق السورية.
وبالرغم من الترويج الإعلامي الإيراني الضخم لبناء خط سكة حديد (الشلامجة – البصرة – اللاذقية) في إطار تعزيز النفوذ الإقليمي لإيران إلى مياه المتوسط، لا يبدو أن هذا المشروع ينجح أو يحقق جزءا من التطلعات الإيرانية، ولا يساهم في رفع مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك في ظل تصدر البضائع التركية والصينية التي بلغت 8 أضعاف الصادرات الإيرانية إلى سوريا في عام 2020.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا