عندما تتحاور مع بعض النخب من المثقفين العرب، تجد القسم الكبير منهم ماتزال عقلية التآمر وأحجار على رقعة الشطرنج والماسونية العالمية والمصطلحات السياسية الغيبية التي تُلقي كل فشل وكل خسارة على الغيب السياسي وتخيم على عقله وتفكيره نظرية المؤامرة، ومهما امتلك من المعرفة تبقى هذه البوصلة تتوجه حيث التآمر وعندما يعلّق على قيام الثورات العربية فيعلّقها على المؤامرة وتعثر الثورات على المؤامرة والفشل على المؤامرة، وكأن الشعوب خُشبٌ مسندة لا تتألم لا تحس لا تشعر لا تطمح بواقع أفضل لا تحلم لا تحاول لا تنفجر من الضغط و الظلم و الجور الحاصل من دول جمهوريات الربيع العربي، وكأنه لا يرى أقبية السجون وهدر كرامة المواطن وفقره وسحقه تحت عناوين خادعة، وكأنّ هذه الشعوب لا تتأثر بالشعوب الأخرى ولا تتطلع لواقع أفضل ومؤسسات جماعية وليست شمولية لصالح العصبة التي تتحكم.
إذا كان المثقف بهذا المستوى من بساطة التفكير فيجب إعادة النظر بثقافته.!
فالنخب الثقافية هم الأخوة الراشدون الكبار للعامة الذين يأخذون بأيديهم للتقدم للازدهار لحرية المعرفة والفكر ويكونوا روّاد حركات التحرر.
من المؤكد أن التدافع بين البشر والمكر والتآمر حالة طبيعية موجودة بين البشر، لكن التآمر الأكبر والحقيقي ما نفعله بأنفسنا أن نبقى تحت سطوة القيد والاستبداد ولا نسعى للنهوض والصعود والأخذ بكل أسباب القوة من التجمع والتكامل والتضافر لنصرة الضعفاء وإنهاء حالة الظلم المستمر على الشعوب المظلومة، أو أنّ هذه النخب ذات إرادة عاطلة وذاكرة مستريحة ولسان حالها يردد ليس بالإمكان أكثر مما كان ولِندع الخوض في هذه المؤامرة الكونية ونجلس نحتسي القهوة ونحن نتفلسف على المعذّبين والمهجّرين والبسطاء الذين تتقاذفهم الكوارث من كل حدب وصوب .
حالة الانفجار المجتمعي من الظلم حالة غير منضبطة وليس بوسع أحد أن يوقفها بل واجب الحكماء والنخب والمؤسسات السياسية الوطنية الشعبية أن يوجهوها لتكون في الطريق الصحيح وتتحول إلى قوة دافعة وطاقة هادرة نافعة، وكف أيدي العابثين والمستفيدين من حالة الانفجار الذي يخلق الفوضى والفراغ الذي يحتاج للملء الصحيح، فتقوم النخب بحماية متطلبات الشعوب وحركتها وتوجيهها للمنحى الإيجابي وليس معاونة المجرمين لعودة الجموع لبيت الطاعة للاستبداد والديكتاتورية وهي لن تعود، وكذلك ليس لنقد هؤلاء البسطاء لماذا انفجروا من الظلم وتوجيه اللوم وتحميلهم المسؤولية فهؤلاء أرادوا حياة كالحياة فقط لكن المستفيدين من الاستبداد فقط من يمنعهم ذلك.
الثورة هي أصلاً انقلاب جذري على المؤامرة والتآمر على الشعوب لتبقى محل استهلاك وضعيفة وغير حرة وغير مستقلة ولمنع تثبيت حالة من الظلم والقمع والضعف والنهب.
والثورة حالة تاريخية معروفة في وجوه وطرق التغيير، والتغيير حتمية تاريخية يأتي بصورة حضارية سلمية أو بثورات أو انقلابات أو حركات تحرر أو بسبب الفقر الاقتصادي والعوز المادي فينفجر المجتمع بثورة جياع، فبريطانيا حصلت فيها ثورة 1688 والثورة الفرنسية المعروفة وأميركا وروسيا وثورة البلاشفة وكوبا وجنوب إفريقيا ضد التمييز العنصري كما أن هناك ثورات ضد المستعمرين ومقاومة ضدهم وسلوك بعض المستبدين أسوأ من سلوك المستعمرين وهو أحياناً صورة استعمار جديدة لأنه يحقق مصالح المستعمر القديم، عندما تنفجر الشعوب وتتشكل حركات التحرر وتجد أحياناً من يؤازرها من الشعوب والدول، وأحياناً يتآمروا عليها لأنها ثورة على التآمر أصلاً فهي ثورة على المستبد وأعوانه ممن يعينه ويثبت قدميه كحال الثورة السورية حيث يسعون لسحقها وماتزال تقاوم مع دخول عامها العاشر.
ولولا صراخ الضعفاء والمظلومين لنام مجرمي العالم بثقلهم وإجرامهم فوق أجساد المعذبين والمحرومين، ولما تطورت دول وازدهرت أخرى ولما تحققت العدالة وتداول السلطة وعدالة توزيع الثروة.
والعدالة غالباً تنتزع انتزاعاً ممن سلبها، ومن سلب منك الحرية والعدل لن يمنحك إياها إلا بالطلب والإصرار والنضال فهذا الطغيان المتأصل بتلك النفوس لا يمنح ما يستأثر به لنفسه، وهكذا حال الخليقة منذ خلقها الله، والناس في تدافع بين الحق والباطل. وعندما تمرض الأم فالمنطق أن نسعفها بالشكل الصحيح بشكل سريع وليس توجيه اللوم لتقصيرها بالذي سبب مرضها أو التفلسف عليها. والأيام دول وليس من قوي دائم كما أنه لا ضعيف مستدام.
كيف لنا أن ننهض ومن يتاجر بنا بيننا ومستمر في المشاركة بقتلنا أعتقد توجيه اللوم لمن كان سبب فشلنا في تحقيق أهداف الثورة واجب فالجسم المعافى أفضل بكثير من الجسم المشلول القدمين وتركيب أطراف صناعية له ليستطيع التحرك أفضل من بقائه قاعدا ويمكن عبر هذا أن يمتد المرض إلى باقي أنحاء الجسد