قطر والإخوان وإيران.. ملفات مؤجلة تهدد المصالحة الخليجية بمصير “إعلان الرياض”

حسين قايد

بعناق حار رغم فيروس كورونا، استقبل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، لدى وصوله مطار العلا، للمشاركة في قمة مجلس التعاون الخليجي، معلنا بدء مصالحة خليجية بين قطر ودول المقاطعة.
وعقب المشاركة في القمة، وقعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر اتفاق مصالحة مع قطر، كما تم الإعلان عن فتح الحدود البرية والملاحة الجوية بين السعودية وقطر، وزار وزير المالية القطري مصر، في أول زيارة لمسؤول قطري للقاهرة منذ سنوات.
ولكن يخشى المراقبون من تكرار سيناريو 2014، بعد اتفاق دول الخليج على المصالحة مع قطر فيما عرف بـ”إعلان الرياض” دون حل المشكلات الأساسية والتي أدت إلى الأزمة الخليجية في 2014، مما أدى إلى تكرار الأزمة بصورة أعمق في 2017.
وقال حسين إبيش، كبير الباحثين في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، إن هذه الاتفاقية ستنجح في إعادة توحيد مجلس التعاون الخليجي، لكنه أكد أن الخلافات الأساسية للنزاع لم يتم حلها.
وأضاف إبيش في تصريحات لموقع قناة “الحرة”: “أعتقد أن هناك احتمالا لوقوع مواجهة أخرى حول السياسات الخارجية لقطر وعلاقاتها بالمصالح الوطنية لجيرانها الخليجيين الأكبر، وخاصة السعودية والإمارات”، وتابع: “أعتقد أننا نشهد إعادة عرض لأزمة 2013- 2014 وحلها غير الناجح”.
ورغم إعلان مصالحة خليجية في العلا، إلا أنه لم يتم إعلان الاتفاق الذي تم بموجبه هذه المصالحة، أو ما الذي تم الاتفاق عليه بين هذه الدول، وخاصة فيما يتعلق بمصير جماعة الإخوان المسلمين في قطر والعلاقات القطرية التركية وعلاقات الدوحة مع إيران.
بينما قال الكاتب والمحلل السياسي السعودي، سليمان العقيلي، إن ما تم التوقيع عليه مبادئ عامة، تلزم بموجبها قطر بعدم التدخل في شؤون جيرانها وتحترم سيادتها، مشيرا إلى أنه تم تجزئة باقي المطالب، بحيث تتفاوض كل دولة على حدة مع قطر بشأن مطالبها.
وكانت الدول الأربع وضعت 13 شرطا للمصالحة مع قطر، منها إغلاق قناة الجزيرة، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية، وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، وخفض العلاقات مع إيران.
وبحسب معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فإنه لا شك أن قطر ستجري بعض التغييرات على سياساتها استجابةً لإنهاء المقاطعة، ولكن المؤكد أنها أبعد ما تكون عن تلبية المطالب الثلاثة عشر الأولية. ومن المحتمل ألا ترتقي إلى مستوى التوقعات التي تضمنتها خطة النقاط الست، والتي كانت في الأساس تكرار لاتفاقية 2014.
تكرار سيناريو 2014
وقال المعهد: “قد ينهار هذا الاتفاق أيضاً تحت وطأة الخلافات المستمرة بين قطر وجيرانها الأكبر، وقد تندلع مواجهة خليجية عربية أخرى قبل مرور وقت طويل”.
من جانبه، قال محمد العرابي، وزير الخارجية المصري الأسبق، إن التوقيع على المصالحة “أمر ممتاز”، لكن الفترة القادمة هي التي ستظهر النوايا الصادقة لمعالجة أسباب الأزمة.
وأضاف العرابي في تصريحات لموقع قناة “الحرة” إن تكرار سيناريو 2014 أمر وارد بسبب تشابك العلاقات القطرية مع بعض الدول الإقليمية والدولية والتي تحد من تحركاتها لمعالجة أسباب الأزمة، مشيراً إلى أن الدوحة ستحتاج وقت طويل للتخلص من هذه العلاقات والعودة للسرب الخليجي.
وأوضح إبيش: “قدمت قطر هذه التطمينات المماثلة السعودية، مرتين على الأقل في الماضي، ومن وجهة نظر السعودية، لم تلتزم بها”.
وذكر أندرياس كريغ، المستشار السابق للحكومة القطرية والأستاذ المساعد للدراسات الأمنية في كينغز كوليدج بلندن، لصحيفة وول ستريت جورنال: “إنهم يعالجون الأعراض، وهي الحصار، بينما يتجاهلون الأسباب الجذرية الأيديولوجية للأزمة”.
وخلال الساعات الماضية، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إن القضايا مثل استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة ستستغرق وقتًا مع بقاء الخلافات، بما في ذلك القضايا الجيوسياسية مثل تركيا والجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين.
وأضاف “بعض المشكلات أسهل في الإصلاح وبعضها الآخر يستغرق وقتًا أطول. لدينا بداية جيدة للغاية … ولكن لدينا مشاكل في إعادة بناء الثقة”.
الكويت أعلنت عن مصالحة سعودية قطرية على إثرها فتحت الحدود والأجواء بين البلدين بعد قطيعة امتدت لثلاث سنوات
جماعة الإخوان
ولعل السبب الأساسي للخلاف بين دول الخليج مع قطر، والذي فشلوا أكثر من مرة في إيجاد حل له هو دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين واحتضان قيادتها، وخاصة في أعقاب الإطاحة بحكم الإخوان في مصر ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في 2013.
وخصصت الدوحة عددا من المنابر الإعلامية التابعة لها لجماعة الإخوان، لمعارضة السيسي، حليف دول الخليج، وهو ما أثار خلافا شديد مع الإمارات ومصر، اللتان تصنفان الإخوان جماعة إرهابية.
وفي 2014، وعدت الدوحة بتخفيف دعمها لجماعة الإخوان، ولكن لم تف قطر بوعدها وهو ما كان أحد أسباب الأزمة الخليجية في 2017، وهو ما يهدد المصالحة الخليجية الحالية.
ويعتقد إبيش أن قطر ستستمر في دعم حركات الإخوان المسلمين، خاصة خارج منطقة الخليج، من خلال تحالفها مع تركيا، وقال: “لا أعتقد أن هناك أي شيء يجبرهم على التوقف عن ذلك، خاصة إذا كانوا أكثر حرصًا على انتقاد السعودية عبر الجزيرة ووسائل الإعلام الأخرى”.
بدوره قال العرابي، إن تركيا سترفض أن تخفف قطر دعمها لجماعة الإخوان، وأنها من تتحكم في هذا الملف بسبب وجودها العسكري في قطر.
العلاقات مع تركيا
منذ 2011 مع اندلاع ثورات الربيع العربي، توطدت العلاقات بين قطر وتركيا لاتفاقهما في المواقف السياسية والأيديولوجية ودعمها جماعات الإسلام السياسي، وهو ما عارضه باقي دول الخليج ومصر.
خلال الـ70 شهر الماضية، عقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان 28 قمة مع أمير قطر، كما تم توقيع 52 اتفاقية ثنائية، وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ملياري دولار.
وبلغت العلاقات بين البلدين ذروتها في 2014 بعد إنشاء “اللجنة الاستراتيجية العليا بين قطر وتركيا” وفتح قاعدة عسكرية تركية في مدينة الريان، والتي تعرف بقاعدة “خالد بن الوليد” والتي تتسع لـ3000 جندي، وهو ما رفضته دول الخليج، وكان أحد أسباب الأزمة الخليجية في مارس 2019.
ومع إعلان الدول الأربع مقاطعة قطر للمرة الثانية في عام 2017، لم تجد لها حليفا قويا يمكن الاعتماد عليه في المنطقة سوى أنقرة، وزادت العلاقات بين البلدين بشكل كبير مما زاد هذا الملف تعقيدا.
وقال إبيش إن هذا الاتفاق لن يؤثر سلبًا على علاقات قطر مع تركيا، شريكها الرئيسي في التحالف الإسلامي السني في الشرق الأوسط، وأشار إلى أن تردد الإمارات في الانضمام إلى اتفاق التصالح، بسبب عدم وجود أي شيء في الاتفاقية يجبر الدوحة على تخفيف علاقتها مع تركيا أو الجماعات الإخوانية.
وأكد أنه بمجرد أن أدركت الإمارات بحلول أوائل ديسمبر أنهم لا يستطيعون منع التقارب السعودي القطري، فضلت أن تكون جزءًا من تسوية بدلا من ألا تشارك في الاتفاق من الأساس، وقال “أعتقد أن محور الدوحة وأنقرة سيظل قوياً وأن التحالف سيستمر على الأرجح في التطور حتى في ظل اتفاقية مجلس التعاون الخليجي الجديدة”.
وذكر العرابي أن إغلاق القاعدة العسكرية ليس بالأمر السهل، لأن الأسباب التي على أساسها تم إقامتها لازالت موجودة، كما أنه توجد اتفاقية تحدد مدة بقاء القاعدة وتدريبها.
أما بالنسبة للقاعدة العسكرية التركية، يرى العقيلي أن وجودها كشرط في التصالح كان ورقة تكتيكية للضغط على قطر، مشيراً إلى أن وجودها لا يمثل أي ضرر لأمن الخليجي واستقراره.
بينما قال العقيلي في تصريحات لموقع قناة “الحرة” إن العلاقات التركية القطرية تعتبر مسألة سيادة وطنية تخص الدوحة وحدها، وأن الدول الأربع لا يمكن أن تتدخل في هذا الأمر.
من جانبه، أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة، بالانفراجة التي حققتها دول خليجية في حل خلافها مع قطر هذا الأسبوع، قائلا إن خطوة استعادة العلاقات ورفع القيود “مفيدة جدا” للمنطقة. وقال للصحفيين “إنهاء المقاطعة ملائم للغاية، خاصة بالنسبة للخليج. كانت تلك (خطوة) مفيدة جدا.
وخلال السنوات الماضية، شهدت العلاقات التركية مع الإمارات ومصر توترات كبيرة، بسبب موقف أنقرة من جماعة الإخوان ورفضها الاعتراف بالرئيس عبد الفتاح السيسي، واختلاف المواقف في الأزمة السورية وشرق المتوسط.
كما توترت العلاقات مع الرياض في أعقاب حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في واشنطن، وصلت إلى تدشين حملات لمقاطعة السعوديين للمنتجات التركية خلال الأسابيع الماضية.
إيران
لكن بالنسبة لدول الخليج وخاصة السعودية، يعتبر التقارب القطري الإيراني هو أحد أهم أسباب الخلاف مع الدوحة، ووضعت الدول الأربع تقليص العلاقات مع طهران شرطا أساسيا للمصالحة الخليجية.
على مدار السنوات الماضية، احتفظت قطر بعلاقات جيدة مع إيران، رغم الضغوطات الخليجية عليها لقطع العلاقات معها، وبعد الأزمة الخليجية في 2017 وإغلاق دول الخليج المعابر البرية ومنعت الطيران القطري من المرور في مجالها الجوي، لم تجد الدوحة منفذا لها سوى إيران لشراء السلع والبضائع، ومرور الطائرات.
كما وقعت البلدين عدد من الاتفاقات العسكرية، سمحت من خلالها لأفراد الحرس الثوري بالتواجد في طهران والتدرب على أراضها وحماية الحدود المشتركة بين البلدين، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي.
ويرى إبيش أنه من المحتمل أن تكون قطر أكثر بعدًا عن إيران من أجل الحفاظ على الاتفاقية، لأنها ستتمكن الآن من استخدام المجال الجوي السعودي للخطوط الجوية القطرية ولن تعود معتمدة على إيران للوصول إلى العالم الخارجي عن طريق الجو.
أما سليمان العقيلي فأكد أنه إذا تعذرت الثقة مرة ثانية بين قطر وجيرانها بسبب هذا الملف، فإن الدوحة ستخفف علاقتها مع طهران، من أجل حماية أمن واستقرار الخليج من التهديدات الإيرانية.
كانت قطر قد استجابت سابقاً للضغوط الخليجية وقامت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في يناير 2016 وقامت بسحب سفيرها لدى طهران على خلفية أحداث اقتحام السفارة السعودية في طهران
وقال إبيش “ومع ذلك، لا يمكن لقطر أن تقيم علاقات عمل مع إيران إلا بسبب حقل الغاز المشترك بين البلدين والذي يمثل مصدر الدخل القومي لقطر تقريبًا، وأضاف “لذلك أعتقد أنه سيكون هناك بعض الضرر لعلاقة إيران مع قطر وستكون هناك كتلة عربية أقوى وأكثر توحيدًا في الخليج ضد إيران”، وتابع “أعتقد أن إيران خاسرة كبيرة جدًا في هذا الترتيب”.
ويرى مراقبون أن أحد أسباب حرص إدارة الرئيس ترامب على إتمام المصالحة الخليجية، هو إنهاء تقارب الدوحة مع طهران، وتشديد الخناق على إيران، وخاصة أن الأموال التي كان تدفعها قطر، والتي تصل إلى 100 مليون دولار، لعبور طائراتها في الأجواء الإيرانية، والتعاون الاقتصادي، أحد الأسباب التي تنعش الاقتصادي الإيراني المتهالك بسبب العقوبات الأميركية.
وقال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في حديث إلى صحيفة “فاينانشيال تايمز” إن علاقات الدوحة بطهران لن تتأثر عقب إتمام المصالحة الخليجية مؤخرا.
وأشار الوزير القطري إلى أن علاقات بلاده مع تركيا وإيران لن يطرأ عليها أي تغيير في إشارة إلى أن قطر لم تقدم تنازلات كبيرة لعقد الصلح مع الدول الأربعة “السعودية ومصر والبحرين والإمارات”.
وأشار إلى أن العلاقات الثنائية بين الدول مرتبطة بالسيادة والمصالح الوطنية، مردفا: “لذلك لن تتأثر علاقتنا بإيران أو أي دولة أخرى”.
وقال العرابي إنه في الفترة الحالية تستطيع الدوحة إظهار حسن نوياها من خلال تغير سياسة قناة الجزيرة الإعلامية وتحويلها إلى مؤسسة إخبارية فقط، ولا تستضيف “المخربين” ولا تتدخل في شؤون الدول الخليجية.
المصدر: الحرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى