لا يتهاون التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في حماية قاعدةٍ عسكرية له في منطقة التنف في البادية السورية، والواقعة في منطقة المثلث الحدودي بين سورية والعراق والأردن، حيث يستهدف على الفور أي قوات للنظام أو المليشيات الإيرانية يمكن أن تقترب من حرم هذه القاعدة الذي حدّده التحالف بـ55 كيلومتراً في محيط قاعدة التنف، والتي تدعم عسكرياً فصائل عدة تابعة للمعارضة السورية، تنشط في المنطقة.
وتضاربت الأنباء حول حادث استهداف طيران التحالف الدولي يوم السبت الماضي، لآليات عسكرية تابعة لقوات النظام حاولت الاقتراب من محيط منطقة الـ55، لكن المتحدث الإعلامي باسم فصيل “جيش مغاوير الثورة” أحمد خضر المحيا، نفى في حديث لـ”العربي الجديد” هذه الأنباء، مبدياً استغرابه من تناقل وسائل الإعلام لها. وقال المحيا: “ننفي حدوث اشتباكات مع قوات النظام، أو أي قصف من قبلنا، في منطقة الـ55”.
وكان “جيش مغاوير الثورة” قد أجرى مساء الجمعة الماضي، مناورات عسكرية بالذخيرة الحيّة، وأظهر فيديو نشره عبر “تويتر”، إطلاق قنابل مضيئة وصواريخ، وانفجاراً نتيجة إصابة أحد الأهداف التدريبية. وأعلن المتحدث العسكري باسم التحالف الدولي، في عملية “العزم الصلب”، العقيد واين ماروتو، عن إجراء مناورات عسكرية ليلية في منطقة التنف بمشاركة فصيل “مغاوير الثورة”. وقال ماروتو في تغريدة: “قوات مغاوير الثورة الشريكة في سورية ساعدت التحالف الدولي على دخول العام الجديد بقذيفة هاون وصواريخ (من طراز) هيمارس. تدريب جيّد للاحتفال بالعام 2021. لا يزال التحالف ثابتاً في التزامه بدعم شركائنا في سورية لدحر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”. من جهته، أشار المحيا إلى أن المناورات “رسائل تدل على الجاهزية العالية وقدرة جيش مغاوير الثورة وحلفائه في التحالف الدولي على الرد وبقوة على كلّ من تسول له نفسه الاقتراب من حدود المنطقة”. وأكد أن لدى فصيله “سجلا حافلا في قتال داعش، ومنع إعادة انتشاره، خصوصاً في قسم كبير من الحماد السوري (قسم من البادية)، أو منطقة الـ55”. ولفت إلى أن “هذه المنطقة، والتي من ضمنها مخيم الركبان، تعد من أهم المناطق الخالية من التنظيم في سورية”.
وكانت قوات النظام حاولت خلال السنوات الماضية الاقتراب من منطقة الـ55، إلا أنها جوبهت بقسوة من التحالف الدولي الذي كان استهدف أواخر العام 2018 رتلاً عسكرياً تابعاً لـ”الفرقة الثالثة” التابعة لقوات النظام، بصواريخ راجمة من منظومة “هيمارس”، بعد دخوله “المنطقة المحرمة”.
وتقع قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، غرب الحدود العراقية بمسافة 22 كيلومتراً، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية – الأردنية، وهي تعد من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سورية. وتنشط فصائل عدة تابعة للمعارضة السورية في المنطقة، وتتلقى دعماً من التحالف الدولي، لعل أبرزها “جيش مغاوير الثورة”، والذي كان تأسس في العام 2015 تحت قيادة العقيد مهند الطلاع المنشق عن قوات النظام، في ذروة الحرب على “داعش”، وذلك من مقاتلين في “الجيش السوري الحر” يتحدرون من البادية أو من شرقي سورية، وخصوصاً من محافظة دير الزور. وحاول هذا الفصيل مهاجمة مدينة البوكمال على الحدود السورية – العراقية في العام 2017، إبان سيطرة “داعش” عليها، إلا أنه مني بخسائر كبيرة، ما دفعه إلى العودة إلى قواعده في البادية السورية، ولم يقم بعمل عسكري واسع النطاق منذ ذلك الحين. وتعتبر الولايات المتحدة هذا الفصيل، إضافة إلى فصيلي “أسود الشرقية” و”قوات أحمد العبدو”، بمثابة ذراع برّية لها لمحاربة “داعش” في البادية السورية، مثلما تعتمد على “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) للغاية نفسها في منطقة شرقي نهر الفرات.
وكان قائد القوات المركزية الأميركية، كينث ماكينزي، زار قاعدة التنف في ديسمبر/كانون الأول الماضي لتفقد قوات التحالف الدولي وفصائل المعارضة السورية في المنطقة، وهو ما يبرز أهمية هذه القاعدة لدى التحالف الدولي ضد الإرهاب، فضلاً عن كونها تشكل حاجزاً يحول دون تنفيذ الإيرانيين لمخطط فرض ممر برّي يبدأ من إيران وينتهي بلبنان مروراً بالعراق وسورية. ونتيجة لوجود القاعدة، غيّر الجانب الإيراني خططه في الشرق السوري، حيث وضع ثقله العسكري في ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات، والذي بات منطقة نفوذ بلا منازع للحرس الثوري الإيراني.
وحول أهمية قاعدة التنف ومنطقة الـ55 للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أشار المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “معبر التنف يعتبر من أهم المعابر مع العراق، فضلاً عن قربه من الأراضي الأردنية ويرتبط مباشرة مع العاصمة دمشق”. وأوضح الزعبي أن معبر التنف “كان المعبر الايراني الهام الذي كانت تدخل منه الأسلحة إلى سورية قبل أن يسيطر عليه تنظيم داعش”. ولفت إلى أن القاعدة “تقع في أراض صحراوية خالية من المدن، لذا يمكن مراقبتها جيداً بالطيران المسير”، مبيناً أن القاعدة والمعبر يعدان منطقة حراسة قريبة لمخيم الركبان الذي يضم نازحين على الحدود السورية الأردنية. وأوضح أن التحالف “حدّد منطقة حماية القاعدة بـ55 كيلومتراً، أي حتى منطقة العليانية، ومقهى الشحيمي، ومنطقة السبع بيار”.
وكان تنظيم “داعش” قد سيطر على مجمل البادية السورية، بما فيها معبر التنف الحدودي مع العراق خلال عامي 2014 و2015، قبل أن يخسر معظم المناطق التي سيطر عليها في سورية بدءاً من العام 2016، وانتهاء بمطلع العام 2019. ولم يسبق للتنظيم أن حاول الاقتراب من محيط قاعدة التنف، إذ يقتصر نشاطه على المناطق التي تخضع لسيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية، والممتدة من ريف حمص الشرقي وحتى ريف دير الزور الشرقي الذي تسيطر عليه فعلياً مليشيات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
المصدر: العربي الجديد