على عكس أحداث مر بها سوريون في الخارج خلال السنوات الماضية لم يعلّق عليها النظام السوري، ظهر لافتًا خلال الأشهر القليلة الماضية تدخله بثلاثة حوداث للاجئين سوريين في لبنان.
ويطرح ذلك تساؤلات حول هدف النظام من هذه التدخلات، خاصة أنها تأتي قُبيل وبالتزامن مع مؤتمر “عودة اللاجئين” الذي نظمته روسيا في دمشق، في تشرين الثاني 2020، وقبل أشهر من الانتخابات الرئاسية السورية التي تدعو أطراف لمشاركة السوريين في الخارج بها.
إدانة ولا إدانة
في نيسان 2020، التزمت حكومة النظام السوري الصمت تجاه حرق سوري نفسه بقضاء زحلة اللبناني، بسبب الأوضاع المادية والاقتصادية التي عانى منها منذ قدومه مع عائلته لاجئين إلى لبنان.
كما غابت تصريحات الحكومة وإداناتها لقرار المجلس الأعلى للدفاع، التابع لرئاسة الجمهورية اللبنانية، في تموز 2019، هدم خيم أسمنتية في مخيمات عرسال للاجئين السوريين، بحجة مخالفتها القانون وتشكيلها خطرًا أمنيًا.
لكن وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قالت، في 31 من كانون الأول 2020، إن السفارة السورية في لبنان قدمت مساعدات مالية للاجئين السوريين المتضررين من حريق مخيم “بحنين” بقضاء المنية شمالي لبنان.
وأشعل شبان لبنانيون النار في مخيم للاجئين السوريين، في 27 من كانون الأول 2020، ما أدى إلى إحراقه بالكامل، على خلفية شجار حصل بين شخص من عائلة لبنانية وبعض العمال السوريين في المخيم.
ونقلت الوكالة عن القنصل السوري في لبنان، عدنان طرابلسي، قوله، إن “أبواب السفارة مفتوحة للمتضررين وهم من المرحب بهم في أي وقت”، وإن قضية اللاجئين تُتابع مع جميع المعنيين ولا سيما الأمن العام اللبناني.
تقديم المساعدات المالية جاء بعد إدانة مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين السورية الحريق الذي تعرض له المخيم، وطلبه من القضاء اللبناني والأجهزة اللبنانية تحمل المسؤولية تجاه الحادث، وتأمين الحماية للسوريين في لبنان، ودعوة اللاجئين للعودة إلى سوريا.
كما جاء بعد استنكار “حزب الله” اللبناني، حليف النظام السوري، في بيان له، حادث إحراق المخيم، واعتبار ما حصل “جريمة بحق مواطنين سوريين أبرياء”.
تعليق النظام السوري على الحادث الأخير الذي تعرض له سوريون في لبنان، ودعوته لهم للعودة إلى بلادهم، لم يكن الأول خلال الأشهر الماضية، إذ قدمت وزارة الخارجية السورية تعازيها لعائلة مواطن لبناني في بلدة بشري اللبنانية قُتل على يد شاب سوري بالبلدة، في تشرين الثاني 2020، ما أجبر نحو 270 عائلة سورية على مغادة البلدة خوفًا من أعمال انتقامية تجاههم.
ودعت الوزارة القضاء اللبناني المختص إلى متابعة القضية والحد من التحريض ضد السوريين، وطالبت السلطات اللبنانية بمنع استغلال الحادثة للإساءة للاجئين وحمايتهم.
كما تابعت السفارة السورية في لبنان حادث اغتصاب جماعي لطفل سوري من أم لبنانية، عمره 13 عامًا، في بلدة سحمر البقاعية بلبنان، التي كشفت عنها السلطات اللبنانية في تموز 2020.
واعتبر السفير السوري، علي عبد الكريم، حينها، أن قضية اغتصاب الطفل “مُثارة لمآرب”، وأنها “بشعة ومستفزة لمشاعر كل السوريين والمتابعين”، والسفارة تابعتها عبر محامٍ، مشيرًا إلى أن القضاء اللبناني كان متعاونًا واعتقل بعض الأشخاص.
استمالة اللاجئين بالاتكاء على روسيا
عُقد مؤتمر “اللاجئين” في دمشق بدعوة ورعاية روسية على مدار يومين في تشرين الثاني 2020، وغابت عنه دول مستقبلة للاجئين باستثناء لبنان والعراق، إلى جانب غياب الدول الفاعلة بالملف السوري.
وأكد النظام السوري من خلال المؤتمر مواصلة الجهود لتأمين عودة اللاجئين وتوفير “ظروف معيشية كريمة” لهم، الأمر الذي كانت روسيا وضعته ضمن مقترحات المؤتمر التي قدمتها للولايات المتحدة في 2018، حول تنظيم العمل لعودة اللاجئين السوريين، وتشكيل مجموعة مشتركة لتمويل إعادة إعمار البنية التحتية السورية.
وتزامن انعقاد المؤتمر مع الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، والتحضيرات لها، والتي يجب أن تجرى وفقًا لقانون الانتخابات بين 16 من نيسان و16 من أيار المقبلين.
روسيا وصفت مؤتمر “اللاجئين” بـ”الناجح”، لكن المؤتمر باء بالفشل كما كان متوقعًا، بحسب المحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، إذ لا أحد في المجتمع الدولي، وخاصة الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، يمكن أن يقتنع بأي دور جدّي لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين في ظل وجود النظام السوري، الذي لا يزال يتهرب من أي مفاوضات جدية تُفضي إلى انتقال سياسي، كما جاء في قرارات الأمم المتحدة.
مؤتمر “اللاجئين” عُقد وسط مقاطعة غربية، خاصة من أمريكا والاتحاد الأوروبي، وقال الاتحاد في بيان له، إن المؤتمر سابق لأوانه، مركزًا على أن الأولوية في الوقت الحاضر هي اتخاذ إجراءات حقيقية لتهيئة الظروف الملائمة لعودة آمنة وطوعية وكريمة ومستدامة للاجئين والنازحين داخليًا إلى مناطقهم الأصلية.
وذكر الاتحاد أنه في حين أن قرار العودة يجب أن يكون دائمًا قرارًا فرديًا، لا تصلح الظروف في سوريا، في الوقت الحالي، لتشجيع العودة الطوعية على نطاق واسع، في ظروف آمنة وكرامة تتماشى مع القانون الدولي.
وأضاف أن عمليات العودة المحدودة التي حدثت، توضح العديد من العقبات والتهديدات التي لا تزال تواجه عودة النازحين واللاجئين، ولا سيما التجنيد الإجباري، والاحتجاز العشوائي والاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجسدي والجنسي، والتمييز في الحصول على السكن والأرض والممتلكات، بالإضافة إلى ضعف الخدمات الأساسية أو عدم وجودها.
وقال المحلل السياسي أحمد مظهر سعدو لعنب بلدي، إن النظام السوري اتكأ على الدعم الروسي ظنًا منه أن ذلك ينجيه من نتائج قانون “قيصر”، وهو مستمر في اعتقال اللاجئين السوريين العائدين من لبنان أحيانًا، ومن الأردن بشكل أقل.
لكن الموافقة الروسية والدعم الروسي لإعادة تأهيل النظام ورأسه في الأشهر المقبلة مع الاستحقاق الرئاسي المفترض، تدفع النظام إلى المضي بكل ما يستطيع لمحاولة بناء بعض أواصر الثقة مع اللاجئين السوريين في لبنان، ضمن الهيمنة الموجودة هناك لأنصاره وحلفائه من “حزب الله” و”التيار الحر”.
ومن ثم فإنه يمكن القول، بحسب سعدو، إن إعلان النظام عن التعاطف مع ما جرى للاجئين السوريين في الشمال اللبناني بعد حرق المخيم قد يأتي في هذا السياق، وضمن منعرجاته وكذلك “ألاعيب” النظام السوري لكسب بعض الناس، وصولًا إلى الانتخابات التي صارت أمرًا واقعًا مع الموافقة الروسية والصمت الدولي عن كل جرائمه.
لكن الشعب السوري، واللاجئين منه على وجه الخصوص، يدركون أنه لا يمكن الوثوق بالنظام السوري، بحسب رأي سعدو، وأن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون بالضرورة وحسب المؤشرات نسخة مكررة عن سابقاتها.
ويرى المحلل السياسي أن السعي لاستمالة اللاجئين لن تؤتي أكلها مطلقًا، وكل محاولات النظام لن تجد لها أي مكان فعلي في الواقع الشعبي السوري.
كما يرى أن الإعلام السوري “الكاذب”، بحسب وصفه، لن يستطيع عبر تصريحات الخارجية السورية والترويج لها، تغيير أي رأي عام سوري بعد “المقتلة” الكبيرة، وقرابة مليون قتيل، وأكثر من 500 ألف معتقل، وخاصة أن الاعتقال ما زال مستمرًا حتى اليوم، وهو ما تشهده حواجز النظام السوري حتى اللحظة.
وعاد أكثر من ألف لاجئ إلى سوريا، في 26 من كانون الأول 2020، ضمن الخطة المشتركة مع النظام السوري لإعادة اللاجئين، بحسب ما أعلنت عنه المديرية العامة للأمن العام اللبناني.
وتحدثت “الوكالة الوطنية للإعلام” اللبنانية عن عودة 1131 لاجئًا سوريًا، قالت إن الأمن العام اللبناني أمّن لهم “العودة الطوعية” عبر مراكز “المصنع” و”القاع” و”العبودية” الحدودية بين البلدين، بالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، وعبر حافلات أمّنها النظام السوري لنقل اللاجئين من نقاط تجمع محددة في بيروت والمصنع وطرابلس والعبودية والنبطية وبرج حمود وحاصبيا وصيدا والقاع.
لكن هذه الأرقام لا تعبر عن حجم الدعاية لعودة اللاجئين، إذ تمثل نسبة قليلة من اللاجئين الذين يصل عددهم إلى ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري، بحسب أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.