إن الذين يدمرون سورية ويهجرون قسريًا أكثر من ٦ مليون من شعبها هم بشار الأسد وحلفاؤه، وبالمناسبة فإن حلفاء بشار نوعان: نوع علني مرئي و هم إيران و حزب الله و روسيا، و نوع آخر ضمني وهم أمريكا و أوروبا و السعودية و الإمارات، هؤلاء جميعًا يشتركون معًا بالقواعد العسكرية و القوات و السلاح و الأموال في احتلال سورية و تدميرها و تشريد شعبها، و إحداث تغيير ديموغرافي كبير بها، كلٍ حسب الدور المنوط به، صرح بذلك بشار الأسد بوضوح عندما قال: “سوريا لمن يدافع عنها”، و هو يقصد سوريا لمن يدافع عن بقائه و نظامه في الحكم، يعيثون فيها فسادًا و طغيانًا، لقد أصبح طريق طهران-بغداد-دمشق مفتوحًا و ممهدًا تمامًا لهذا الاستعمار الجماعي، الذي بدأ بعد أن احتلت إيران بغداد بواسطة أمريكا.
دخلت تركيا على خط المشكلة السورية دفاعًا عن أمنها القومي، الذي أصبح مهددًا بشكل دولي و من جانب الأكراد و عصابات بشار، و حاولت أن تدخل في شراكة سياسية مع إيران و روسيا حمايةً لأمنها و أمن المنطقة، و لكن الأطماع السياسية للدولتين (إيران و روسيا) في المنطقة بما فيها سوريا كانت عندهما أهم بكثير من المحافظة على الأمن التركي و على أمن الشعب العربي السوري، تتحرك إيران عسكريًا و سياسيًا و طائفيًا، و تتحرك روسيا سياسيًا و عسكريًا، و يتحرك الجميع تحت لافتة الإسلاموفوبيا بحرية مطلقة في كل مدن و قرى سوريا، و يقتلون و يدمرون و يهجرون بدعم متبادل.
لم يثبت على تركيا أنها دمرت مدينة أو قرية سورية، أكثر من ذلك أنها فتحت أبوابها الحدودية للشعب السوري الفار من جحيم حلفاء القتل و الحرق و التدمير، لم تفي أوروبا عامدة متعمدة بالتزاماتها التي أعلنتها لتركيا اتجاه المهجرين السوريين، و أعلنت في الأيام الأخيرة أن الاتحاد الأوروبي وافق على قبول ١٥٠٠ طفل سوري كمهاجرين لأسباب إنسانية، ما معني هذا الكلام من أوروبا الرأسمالية و العنصرية؟ عمومًا، تضخمت المشكلة السورية بالنسبة لتركيا اقتصاديا و سياسيا و عسكريا، علمًا بأن توسيع رقعة الصراع و تسخينه ليس في مصلحة الدولتين السورية و التركية بل و الأمة العربية كلها بسبب ظروفها السياسية الراهنة، خاصةً في خضم هذا العداء الأوروبي و الأمريكي و الإقليمي للأمتين العربية و التركية، أو بمعني أكثر تحديدًا، للشعبين العربي و التركي، إن المؤامرة المحاكة ليست مؤامرة على سوريا وحدها، فسوريا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، و تصفية سوريا تشبيه بتصفية فلسطين، و ما يحدث الآن في سوريا و المنطقة امتداد لصفقة القرن، و تفتيت و تجزئة للدول العربية بعلم من الرؤساء و الملوك العرب، كل بقدره المحدد له، و نستحضر هنا الاستراتيجية الصهيونية الصادرة عن المخابرات الصهيونية ١٩٨٢ و وثيقة الأمن القومي الأمريكي ٢٠٠٣ الذين تحدثا بوضوح عن تجزئة الدول العربية.
إن ذهاب الرئيس التركي مؤخرًا لروسيا لم يكن أبدًا بهدف تثبيت أطماع تركيا في سوريا، إنما الهدف كان كما أعلن أردوغان قبل مغادرته تركيا هو “وقف إطلاق النار وقفًا شاملًا” حماية لتركيا وسوريا، أو بمعني أكثر شمولًا، حماية العرب والأتراك من هذا “الهيجان الدولي” ضد العروبة والإسلام.
لقد أستطاع أردوغان أن يكبح جماح نفسه ضد الاستكبار و السخافات من الرئيس بوتين ضابط المخابرات، إنها ليست قضية شخصية بل قضية شعبين: العربي و التركي، و ليست مجرد نكاية حكام، و أثبت أردوغان أن قضيته ليست في منطقة آمنة بعمق ٦٠ كم و لا حتى ٦ كم داخل الأراضي السورية، إنما القضية الأكبر و الجوهرية هي وقف إطلاق النار تمامًا حماية للشعبين و مساعدة المهاجرين الذين يعيشون في ظروف غير إنسانية على الإطلاق، لقد برأت تركيا نفسها من أي إتهام من أن لها أطماع في سوريا، و في نفس الوقت احتفظت لنفسها بحق الرد على أي اختراق لوقف اطلاق النار.
أخيرًا، كلمة أوجهها للشباب العربي بكل توجهاته وتياراته: إن مستقبلكم و مستقبل أمتكم يتمثل في الحفاظ علي وجودنا القومي. أمن و سلامة وجودنا القومي له حصن واحد، هو: الدولة القومية العربية على كامل التراب القومي العربي بديلًا لدول التجزئة، “ما حك جلدك مثل ظفرك” ، الأمن و السلامة و الدولة القومية و المستقبل لن تتحقق إلا بإرادتكم و قوتكم أنتم، لا بإرادة و قوة تركيا أو إيران أو أمريكا أو روسيا، إرادتكم على المحك، طهروها تمامًا من التبعية و من رجس الإقليمية التي وصلت إلى نهاية طريقها المسدود، أيها الشباب، نحن المشكلة و نحن الحل، و بداية الطريق هي: الجبهة القومية للتحرر العربي من الاستعمار و الصهيونية و التجزئة، تكون أبوابها مفتوحة لكل المؤمنين بأن مستقبل العرب -كل العرب، بكل تياراتهم الفكرية و السياسية و معتقداتهم بدون تمييز، مرهون بوحدتهم، و وحدتهم رهن قيام دولتهم القومية علي كل الأرض العربية بما فيها القدس.. أيها الشباب، ليكن انتماءكم السياسي لأمتكم فقط، جسدوا وحدة أمتكم في ذواتكم، في أخلاقكم، في معاملاتكم، في علاقتكم ببعضكم، عودوا عربًا تتمكنوا.. طريق التجزئة (الإقليمية) طريق صهيوني، فهل نحن صهاينة؟ حاشى لله أن نكون كذلك، فقط علينا أن نصحح مدركاتنا.