إدلب وعين عيسى… جبهات متباعدة ومصير مترابط

عماد كركص

ما تزال كل الاحتمالات واردة حول مصير بلدة عين عيسى في ريف الرقة شمال شرقي سورية، فـ”الجيش الوطني” التابع للمعارضة مع الجيش التركي لا يزالان ينفذان عمليات محدودة وخاطفة في محيطها يمكن وصفها بالمناوشات، في حين لم تفضِ المفاوضات الروسية مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) المسيطرة على البلدة لتفاهمات مُرضية للأخيرة، لجهة انسحابها نهائياً من عين عيسى ودخول قوات النظام إليها. وتصر أنقرة على انسحاب “قسد” بشكل كامل، وإلا فإنّ هجومها بالمشاركة مع المعارضة السورية سيكون وشيكاً للسيطرة على البلدة، بحسب الرسائل التركية غير الرسمية نحو جبهات القتال. وبعيداً عن جبهة عين عيسى، وبالقرب من معطياتها في آن، يمكن قراءة التحركات التركية في إدلب، شمال غربي سورية، بربطها بما يجري في عين عيسى، إذ عزز الجيش التركي من تواجده على جبهات الريف الجنوبي في المحافظة، فيما ردت فصائل المعارضة على خروقات قوات النظام وحلفائها لوقف إطلاق النار خلال الأيام الأخيرة، باستهداف مواقع لهذه القوات. كذلك أعلن مركز المصالحة الروسي في سورية، عن إصابة ثلاثة جنود روس بعد استهداف عربتهم العسكرية في إدلب، الأمر الذي يفتح الاحتمالات لتبدل خرائط السيطرة، في حال تعاظم المواجهات، في كل من عين عيسى وإدلب.
وفي اليومين الماضيين، تجددت الاشتباكات والقصف المتبادل بين “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا و”قوات سورية الديمقراطية” عند خطوط التماس بمحيط عين عيسى، وفي ريف الحسكة وريف حلب، تزامناً مع حركة نزوح من ناحية عين عيسى وجنوب ناحية رأس العين شمال محافظة الحسكة. وقالت مصادر مقربة من “قسد” لـ”العربي الجديد”، إنّ المعارك تجددت في محيط عين عيسى، وفي ناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي تزامناً مع قصف مدفعي وصاروخي متبادل بين الطرفين. وترافقت الاشتباكات، بحسب المصادر، مع حركة نزوح مدنيين من القرى المحيطة بمنطقة أبو راسين في ناحية تل تمر، نحو المناطق الأكثر هدوءاً ضمن سيطرة “قسد”. ونوه المصدر كذلك إلى أنّ القصف استهدف مقارّ عديدة لـ”قسد” ما أدى لتدميرها، وهناك مقار متوزعة ضمن الأحياء السكنية، تسبب قصفها واستهدافها بحالة من الذعر بين السكان والمدنيين.
وتجددت الاشتباكات في المنطقة عقب فشل جولات التفاوض بين روسيا و”قسد” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردي قوامها الرئيسي، حول تسليم عين عيسى لقوات النظام السوري، في سبيل إيقاف هجوم تركي محتمل على المدينة لطرد “قسد” منها. وبعدما سادت أنباء عن اتفاق على تسليم عين عيسى للنظام، نفت مصادر من “قسد” لـ”العربي الجديد” التوصل لأي اتفاق حول هذا الأمر، مشيرةً إلى أنّ ما جرى الاتفاق عليه هو فقط نشر نقاط مراقبة مشتركة بين النظام وروسيا و”قسد”، علماً أنّ ذلك لا يرضي تركيا التي تريد مغادرة “قسد” بشكل نهائي للمنطقة. كما أشارت مصادر من “الجيش الوطني”، لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ الأخير تصدى لمحاولات تسلل عدة من “قسد” إلى مواقعه شمال ناحية عين عيسى، والقصف كان رداً على تلك المحاولات التي تخللتها اشتباكات أسفرت عن وقوع خسائر بشرية في صفوف “قسد”، وفق المصادر.
وتزامن القصف والاشتباكات المتبادلة في عين عيسى وتل تمر مع تجدد القصف المتبادل في ناحية منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، خصوصاً على محور قريتي عرب حسن وتوخار شمال شرق مدينة منبج، مخلفاً أضراراً مادية. وكانت القوات الروسية قد دفعت أول من أمس الثلاثاء بتعزيزات إلى القاعدة العسكرية في قرية السعيدية غرب مدينة منبج، قوامها 20 آلية محملة بالمعدات والجنود.
وتفترض التكهنات حول الارتباط بين كل من جبهتي عين عيسى وإدلب، بأنّ فشل روسيا بإقناع “قسد” بالانسحاب من عين عيسى قد يفضي إلى تحرك تركي ضدّ قوات النظام في إدلب، أو دفع فصائل المعارضة هناك لتنفيذ عمليات ضد قوات الأسد وحلفائها.
وعزز الجيش التركي أمس الأربعاء قواته في إدلب، فيما تجددت الاشتباكات بين المعارضة والنظام السوري عقب خرق الأخير لوقف إطلاق النار في المنطقة. وأشارت مصادر ميدانية إلى أنّ رتلاً للجيش التركي يضم عشرات الآليات والدبابات وصل فجر أمس الأربعاء إلى منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، بعد يومين من إنشاء تركيا نقطة جديدة هناك. ويأتي ذلك في سياق تعزيز الجيش التركي للجدار الناري الذي أقامه في منطقة جبل الزاوية، مقابل مواقع لقوات النظام وحلفائها، بعد سحب جزء كبير من نقاط المراقبة التركية المحاصرة من قبل قوات النظام في “منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب ومحيطها).
كذلك، تجددت الاشتباكات بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري أول من أمس، على محور بلدة آفس قرب مدنية سراقب شرقي إدلب، أعقبها قصف مدفعي وصاروخي من النظام على مناطق متفرقة من ريف إدلب الجنوبي موقعاً خسائر مادية في ممتلكات المدنيين. وقالت مصادر من “الجبهة الوطنية للتحرير” المقربة من تركيا والمقاتلة في إدلب، لـ”العربي الجديد”، إنّ عناصر المعارضة دمروا آلية لقوات النظام خلال محاولتها التقدم على محور آفس بعد استهدافها بصاروخ موجه، ما أوقع خسائر بشرية في صفوف قوات النظام. وكانت الأخيرة قد حاولت التسلل على ذلك المحور بهدف إنشاء نقاط متقدمة. ويأتي هذا التصعيد على جبهات إدلب ومحيطها، بعد أيام من تجدد القصف الروسي الجوي لتلة الكبينة في جبل الأكراد شرق اللاذقية التابعة لـ”منطقة خفض التصعيد”.
ومساء الثلاثاء، قالت وزارة الدفاع الروسية إنّ ثلاثة من جنودها أصيبوا جنوب شرق إدلب بعد استهداف عربتهم بصاروخ موجه. ونقل موقع “روسيا اليوم” عن نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سورية، فياتشيسلاف سيتنيك، قوله إن ناقلة أفراد مدرعة تابعة للقوات الروسية تعرضت لصاروخ مضاد للدبابات تم إطلاقه من منطقة تخضع لسيطرة المعارضة، ما أسفر عن إصابة ثلاثة عسكريين بجروح طفيفة.
ويكمن الارتباط بين جبهات شمال شرق سورية من جهة، وشمال غربها من جهة أخرى، بتشابك المصالح الروسية والتركية في كل من المنطقتين، إذ ترخي التفاهمات أو الخلافات حول كل منطقة بتأثيراتها على الأرض وفي الميدان. وفي حين تصر أنقرة على السيطرة على عين عيسى لقطع خطوط الإمداد لـ”قسد” لا سيما بين مواقعها في الرقة وريف حلب، فإنّ عدم تمكنها من تحقيق هذه الغاية قد يحملها على التقدم في إدلب في إطار المساومات بينها وبين روسيا على خرائط السيطرة في الميدان.
إلى ذلك، يمكن النظر إلى التحركات العسكرية التركية في إدلب، ولا سيما بعد إنشاء حزام ناري مقابل قوات النظام وحلفائها على خطوط التماس جنوب المحافظة، على أنها دفاعية وهجومية في آن، إذ تعني أن لأنقرة نية بعدم السماح لقوات النظام وحلفائها من مليشيات مدعومة من روسيا وإيران، بالتقدم نحو مزيد من المساحات في إدلب، بل وربما تنفيذ هجوم بالمشاركة مع فصائل المعارضة لاسترداد بعض المواقع التي خسرتها الأخيرة خلال هجمات النظام الأخيرة قبل توقف المعارك باتفاق وقف إطلاق النار في الخامس من مارس/آذار الماضي، وذلك في حال تعرضها للضغط على جبهات ومواقع أخرى من البلاد.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى