تعمدت وزارة خارجية النظام، تجاهل تأكيد ألمانيا بأن رئيس منظمة الدفاع المدني الخوذ البيضاء رائد الصالح لم يلجأ اليها، وتأكيد الصالح أيضا بأنه ما يزال على رأس قيادة المنظمة التي تقوم بدورها منذ تأسيسها حتى الآن في إنقاذ ومساعدة المدنيين بسبب استمرار النظام وروسيا باستهداف المناطق المحررة، واتخذت خارجية النظام من موضوع الخوذ البيضاء مدخلا لشن هجوم عنيف على ألمانيا من خلال بيان أصدرته واتهمتها فيه برعاية الإرهاب وضلوعها بما سمّته العدوان على سوريا وبإطلاق ممثليها في المنظمات الدولية ومن بينها مجلس الأمن مواقف ضدها، وأصرت على أن الصالح لجأ إلى ألمانيا.
بيان وزارة خارجية النظام جاء بعد أحد عشر يوما على تأكيد ألمانيا أن رائد الصالح لم يلجأ إليها، وبعد ساعات على إعلان المدعي العام الألماني تمديد توقيف الطبيب علاء موسى الذي عمل في معتقلات النظام ولجأ إلى ألمانيا قبل نحو عامين، واعتقل في حزيران الماضي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واستمرار محاكمة ضابط مخابرات النظام السابق أنور رسلان بنفس التهمة، وأيضا جاء بعد يومين من مشادة كلامية في مجلس الأمن بين مندوب روسيا وبين المندوب الألماني الذي أكد أن موسكو لا تدعم نظام بشار الأسد فحسب، بل أسهمت في “معاناة وموت” الشعب السوري، وقال : ” إن مجلس الأمن الدولي “أسقط وخذل” الشعب السوري “.
لماذا يكثف النظام وروسيا الهجوم على ألمانيا
وبنت وزارة خارجية النظام بيانها على اسم المتطوع في الدفاع المدني خالد الصالح الموجود في ألمانيا وأظهرته بأنه رئيس منظمة الدفاع المدني ” الخوذ البيضاء ” بهدف تمرير مواقف سياسية للضغط على ألمانيا التي تبدو في مقدمة الدول الداعمة للقضية السورية ولا سيما أنها فتحت الباب على المستوى الأوروبي لمحاكمة ضباط وموظفي النظام ممن مارسوا قتل وتعذيب سوريين في المعتقلات، وأيضا أجبرت ألمانيا بشار الأسد قبل عامين على تعديل المرسوم رقم 10 الذي وصفته بأنه قانون الغدر ” لأنه يستهدف اللاجئين، واقترحت هي وتركيا على الأمم المتحدة باسم أربعين دولة الضغط على النظام لتعديل المرسوم، ما أدى إلى إذعان الأسد حينذاك ومدد إثبات اللاجئ ملكيته العقار في سوريا من شهر إلى عام، وأجاز توكيل قريب بمتابعة إجراءات إثبات الملكية
وتعد ألمانيا ذات الوزن الكبير في السياسة الأوروبية الدولة الوحيدة التي أعلنت استقبال عدد غير محدود من اللاجئين السوريين بقرار من رئاسة مجلس وزرائها، بحيث يعيش فيها حاليا نحو مليون سوري، ما يجعلها ذات نفوذ أكثر من غيرها في الملف السوري خاصة أنها ما تزال الداعم الأكبر لسياسة تركيا في سوريا وغيرها من الملفات ومتمسكة بموقفها بأن سوريا غير آمنة بسبب استمرار نظام الأسد في الحكم، وهذه من بين الأسباب التي تجعل النظام يكثف هجومه على ألمانيا كما يقول المحلل السياسي غسان مفلح لموقع تلفزيون سوريا.
ويضيف المفلح دوافع أخرى لموقف النظام وهي محاكمات كوبلنز ” محاكمة أنور رسلان ” بغض النظر عن تفاصيلها إلا أنها مطروحة في ألمانيا بوصفها محاكمة للنظام. وكذلك محاكمة الطبيب علاء موسى وفتح هذا الملف مع أطباء آخرين. ما يجعل النظام يتحسب من قضية إبقاء ملفه الحقوقي مفتوحا في الإعلام الألماني.
الدفاع المدني يرد على بيان خارجية النظام
ووصف رئيس منظمة الدفاع المدني رائد الصالح بيان وزارة خارجية النظام بأنه محاولة لتشويه الحقائق وصورة الدفاع المدني الذي يحظى بقبول على المستوى الإنساني، وقال الصالح لموقع تلفزيون سوريا: ” اعتدنا منذ سنوات على الدعاية السياسية التي يمارسها النظام وحليفه الروسي وبيان خارجية النظام يندرج في هذا الإطار
ودان الصالح هجوم النظام على الحكومة الألمانية التي قال إنها ناصرت القضية السورية بشكل كبير بالمحافل الدولية، مشيرا بهذا الخصوص إلى المشادة الكلامية في مجلس الأمن بين مندوبي ألمانيا وروسيا.
وعدَّ الصالح إصدار النظام بيانا ضد ألمانيا ومنظمة الدفاع المدني بمثابة إثبات الولاء الأعمى لحلفائه الروس وقال: إن التصريحات الألمانية في مجلس الأمن أثارت حفيظة نظام الأسد ووجد في إعادة توطين ألمانيا مؤخرا لمتطوع في الخوذ البيضاء فرصة للهجوم عليها، مشيرا بهذا الصدد إلى المتطوع السابق ومدير المنظمة في القنيطرة خالد الصالح الموجود حاليا في ألمانيا.
لماذا يستهدف النظام وروسيا منظمة إنسانية تعمل على إنقاذ المدنيين؟
ولم يتوقف النظام وروسيا على مدى السنوات الماضية من الهجوم على الخوذ البيضاء واتهامها بأنها منظمة إرهابية، في حين أن دورها في إنقاذ حياة السوريين الذين يتعرضون لحرب إبادة من طيران وصواريخ روسيا والنظام، تدعمه الدول الغربية ومن أبرزها ألمانيا التي استقبلت عددا من متطوعيها الذين لاحقتهم قوات النظام وروسيا بعيد السيطرة على مناطق درعا والقنيطرة قبل نحو عامين. وقال هايكو ماس حينئذ: إن منظمة الخوذ البيضاء أنقذت حياة أكثر من 100 ألف شخص منذ بداية النزاع السوري” وإن العديد من أعضاء هذه المنظمة دفعوا حياتهم أو صحتهم ثمنًا لإنقاذ المدنيين مشيرا إلى أن الجهد الذي قامت به المنظمة يستحق الإعجاب وكل التقدير.
وإضافة إلى دور الدفاع المدني في مساعدة الأهالي وإنقاذ حياتهم بسبب الغارات التي تشنها روسيا والنظام، فقد أبدى استعداد متطوعيه للمشاركة في إنقاذ المدنيين وإطفاء الحرائق التي شهدتها مناطق ريف حماة الغربي الخاضعة لسيطرة النظام السوري في أيلول الماضي.
وتتعمد روسيا والنظام استهداف الدفاع المدني نظرا لدوره الرئيس في فضح الحرب التي تشنها روسيا والنظام ضد السوريين، بحيث وثق الدفاع المدني منذ تدخل روسيا العسكري في سوريا في أيلول عام 2015 حتى أيلول من العام الحالي مقتل 3966 مدنيًا في سوريا بينهم نساء وأطفال، في حين ذكر أن فرقه أنقذت 8121 مدنيًا أُصيبوا من جراء الغارات الجوية والقصف الروسي في حين ارتكبت روسيا 182 مجزرة وتعمدت بشكل متواصل استهداف المنازل و الأسواق والأماكن المكتظة بالمدنيين والمدارس المساجد والأفران.
ويسعى النظام ومن ورائه روسيا من خلال انتقاد ألمانيا إلى ثنيها عن مواقفها الداعمة للسوريين، بينما يأتي بيان وزارة خارجية النظام بعد المشادة الحادة بين مندوبها والمندوب الألماني في مجلس الأمن، وفي ظل توتر العلاقات بين الجانبين على خلفية اتهام روسيا بتسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، والذي عولج بشكل ناجح في برلين بعد نقله إليها قبل بضعة أشهر، ما يؤشر إلى أن بيان خارجية النظام والذي جاء متأخرا عن البيان الألماني بأحد عشر يوما كان بطلب من روسيا.
المصدر :موقع تلفزيون سوريا