سعت روسيا خلال الأسابيع الأخيرة إلى تعزيز وجودها العسكري في محافظة دير الزور شرقي سورية، تحديداً في مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، وذلك بالتنسيق مع المليشيات الإيرانية المسيطرة في المنطقة، وفق تفاهمات جديدة بين الطرفين، على الرغم من حالة التنافس بينهما، نظراً لحاجة كل منهما للآخر في هذه المرحلة. وفي آخر التحركات الروسية في تلك المنطقة، انتشرت عناصر مدعومة من روسيا أول من أمس السبت، في نقاط تفتيش لمليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني، في البوكمال. وبحسب موقع “عين الفرات” المحلي، فإن القوات الروسية نشرت عناصر من “الفيلق الخامس” التابع لها في نقاط تفتيش في البوكمال الخاضعة لسيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية، ومنها نقطة الهري قرب المدينة، ليكون أول حاجز مشترك بين الروس والإيرانيين في البوكمال.
وجاء ذلك بعد الزيارة التي قام بها وفد من الشرطة العسكرية الروسية، يوم الأربعاء الماضي، إلى البوكمال وريفها، آتياً من مطار دير الزور العسكري الخاضع لسيطرة قوات النظام السوري. وهي الزيارة الثانية من نوعها خلال أسبوع، إذ اتجه أولاً إلى قرية الطواطحة، والتقى صالح الحرب الذي يتزعم إحدى مليشيات المنطقة، وبعض وجهاء القرية. ثم توجّه الوفد إلى مدينة البوكمال، والتقى رئيس فرع الأمن السياسي التابع للنظام، المدعو وجيه. وشهدت البوكمال اجتماعات بين ضباط روس وقادة مليشيات تابعة لإيران، من أجل تنسيق الانتشار الجديد في المنطقة لكلا الطرفين.
وكانت القوات الروسية قد افتتحت مقراً لها في الفندق السياحي بمدينة البوكمال قبل نحو عشرة أيام، وذلك بعد موافقة القوات الإيرانية التي كانت ترفض ذلك سابقاً، في ظل سعي موسكو لاستعادة نفوذها في البوكمال، بعد طرد مليشيا “لواء القدس” التابعة لها من المنطقة في وقت سابق العام الحالي. وتنتشر المليشيات الإيرانية في مناطق عدة جنوبي شرقي محافظة دير الزور، على مقربة من الحدود العراقية، تحديداً في البوكمال، حيث يقع المعبر البري الوحيد الذي تستقدم منه إيران الأسلحة والذخائر إلى سورية. وبحسب المصادر المحلية، فإن التحركات الروسية جاءت بموجب اتفاق مع إيران قضى بتسليم عدد من النقاط في بادية البوكمال للقوات الروسية، منها الهري ومحيط “قاعدة الإمام علي” في بادية البوكمال شرقي دير الزور، اللذين كانا يخضعان لسيطرة “كتائب حزب الله” العراقية وحركتي “النجباء” و”الأبدال”.
والنقاط التي يتضمنها الاتفاق الروسي ـ الإيراني في محيط قرية الهري بريف البوكمال تعتبر خط المواجهة الأول مع تنظيم “داعش” المنتشر في البادية، ما يوحي بأن التوافق بينهما هدفه التنسيق في مواجهة هجمات “داعش” المتصاعدة في المنطقة. لكن مراقبين يرون أن للروس أهدافاً أخرى أبعد من ذلك، تتعلق بالسيطرة على حقول النفط، فيما يسعى الإيرانيون إلى الاستظلال بالوجود الروسي، لحماية أنفسهم ومليشياتهم من الهجمات الجوية الإسرائيلية والأميركية.
وبشأن محاربة تنظيم “داعش”، أرسل كل من النظام السوري والمليشيات الموالية لإيران حملات عدة إلى البادية السورية، لكنها لم تحقق نجاحاً يذكر، على الرغم من الدعم الجوي الروسي لقوات النظام. ودفع تصاعد عمليات التنظيم أخيراً، روسيا وإيران، إلى التفكير في تنسيق جهودهما، لناحية تأمين روسيا الدعم الجوي للمليشيات المدعومة من إيران في الشرق السوري، بهدف مؤازرة قوات النظام التي تشنّ حملات تعقب مماثلة للتنظيم من جهة الغرب. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قتل منذ مطلع الشهر الحالي 64 عنصراً من قوات النظام والمليشيات الموالية لها في البادية السورية، فيما قتل 39 من عناصر تنظيم “داعش”.
غير أن الحديث عن محاربة تنظيم “داعش” ترافق في الجانب الروسي مع الإعلان عن عزم شركات روسية استئناف عمليات التنقيب عن النفط والغاز في سورية. ونقلت وكالة “تاس” الروسية عن رئيس مجلس إدارة شركة إنتاج النفط الروسية “تات نفت” رستم مينيخانوف، تأكيده أن شركته تبحث في استئناف عمليات التنقيب عن النفط والغاز في مواقع سوريّة. وكانت الشركة نفسها قد وقّعت عام 2005 اتفاقية حول التنقيب عن النفط والغاز في منطقة البوكمال في دير الزور، لكنها اضطرت إلى التوقف عن نشاطها مع اندلاع الثورة السورية (2011)، ويبدو أنها تحاول العودة إلى الساحة مستفيدة من نفوذها بلادها على القرار في سورية.
وفي الإطار نفسه، أكدت شبكة “عين الفرات” المحلية إطلاق عناصر الحراسة الروس في حقل التيم النفطي بدير الزور النار على مهندسين تابعين لجهات إيرانية، بعد مشادة كلامية حدثت بين الطرفين، إثر محاولة المهندسين الدخول إلى الحقل. وذكرت الشبكة أن الحراس منعوا المهندسين من الدخول على الرغم من إظهارهما بطاقاتهما الأمنية، فأطلق المهندس الإيراني النار في الهواء، وقوبل بردّ عناصر الحراسة الروس بإطلاق النار مباشرة عليه وعلى رفيقه، ما أدى إلى مقتلهما. وأوضحت “عين الفرات” أن المهندسين كانا ذاهبين إلى الحقل من أجل تسليم الروس عقداً يثبت أن النظام سلم حقول النفط في البوكمال إلى المليشيات الإيرانية، وأعطاها حق استثمارها لمدة عشرة سنوات، وذلك بهدف منع الروس من السيطرة على حقول النفط، خصوصاً بعد الخلافات الروسية الإيرانية الأخيرة على استثمار هذه الحقول، وإرسال الروس تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محيط المدينة والحقول النفطية القريبة.
وإضافة إلى ما سبق، فقد تكون للروس حسابات أمنية وسياسية تتعلق بشرق سورية، تتصل بمحاولة موسكو الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، خصوصاً في البوكمال التي تعد مدخل سورية إلى العراق، وهذه قضية تتوافق مع رغبات دول إقليمية ودولية.
المصدر: العربي الجديد