بعد نحو تسع سنوات من الثورة السورية، خسر نظام الأسد معظم معابره الحدودية مع الدول المجاورة، ما سبّب له خسائر كبيرة خاصةً أن المعابر هي الرئة الاقتصادية لأي دولة.
وعقب معارك عنيفة، تمكن النظام من استعادة نصفها تقريباً، بينما تتقاسم فصائل المعارضة و”قوات سوريا الديمقراطية” السيطرة على باقي المعابر.
ومع اقتراب نهاية عام 2020، تزداد أهمية تسليط الضوء على توزّع خطوط السيطرة على المعابر الحدودية في سوريا، والى أي حد يستفيد النظام من المعابر التي يسيطر عليها.
يوجد في سوريا 22 معبراً حدودياً رسمياً مع الدول المجاورة، 3 مع العراق، 12 مع تركيا، 5 مع لبنان، 2 مع الأردن، ويسيطر النظام اليوم على عشرة معابر فقط، خمسة مع لبنان (جديدة يابوس، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة)، معبران مع الأردن (نصيب، الجمرك القديم)، معبر واحد مع العراق (البوكمال)، ومعبران مع تركيا (كسب، القامشلي).
وفي المقابل هناك 12 معبراً خارج سيطرة النظام حتى الآن، خمسة تحت سيطرة ” قوات سوريا الديمقراطية”، واحد منها على الحدود مع العراق (اليعربية)، وأربعة أخرى مع تركيا (عين ديوان، الدرباسية، عين العرب، وإكبس)، في حين تسيطر فصائل المعارضة على سبعة معابر، واحد مع العراق (التنف)، وستة مع تركيا (باب الهوى، باب السلامة، جرابلس، الراعي، رأس العين، وتل أبيض).
فوائد ضئيلة من معابر الأردن
سيطر النظام على الحدود مع الأردن في تموز 2018، بعد حملةٍ عسكريةٍ عنيفة على محافظة درعا، وعقب ثلاثة أشهر أعلن النظام فتح معبر نصيب الحدودي مع الجانب الأردني، وهو ما اعتبره إعلام النظام فرصةً حقيقية لإعادة إنعاش الاقتصاد السوري، إلا أن الواقع لم يكن كذلك لاحقاً.
ويوجد معبران حالياً يربطان الأسد مع الأردن، الأول معبر الجمرك القديم (الرمثا)، وهو مخصص فقط للحالات الانسانية ودخول المساعدات الأممية، والثاني معبر نصيب (جابر) والذي استخدمه النظام بعد السيطرة عليه لمرور المسافرين وعملية التبادل التجاري مع الأردن ودول الخليج.
ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي يونس الكريم، أن “معبر نصيب لم يحقق فوائد اقتصادية كبيرة للنظام السوري، ويعود ذلك لعدة أسباب: أبرزها سوء الأوضاع الأمنية وخاصةً في درعا، وهذا لم يُشجّع المواطنين والتجار الأردنيين على الدخول الى مناطق النظام، خوفاً من التعرض للخطف أو الاعتقال أو الابتزاز، ولاسيما بعد قيام حواجز نظام الأسد باعتقال مواطنين أردنيين أكثر من مرة بحجة أنهم متعاطفون مع الثورة السورية، إضافةً الى أن فرض قانون قيصر، جعل الحكومة الأردنية تخفّض حجم التبادل التجاري مع النظام الى درجةٍ كبيرة، وفي الوقت ذاته زاد تخوف الشركات الأردنية من التعامل مع شخصيات مرتبطة مع النظام في ظل وجود العقوبات الدولية”.
وأضاف الكريم لموقع تلفزيون سوريا، أن “الإنتاج الزراعي والصناعي للنظام تراجع كثيراً، ولم يعد قادراً حتى على تلبية احتياجات السوق المحلية، وهذا ساهم في تراجع حجم الصادرات عبر معبر نصيب، إضافةً الى زيادة الأردن تكاليف الرسوم الجمركية على الشاحنات السورية وفرض عراقيل على دخولها، كل تلك العوامل أثرت على اقتصاد النظام، ولم تجعله يُحقّق المكاسب الاقتصادية التي كان يرجوها”.
ويظهر التأثر الاقتصادي الواضح على نظام الأسد من خلال تراجع صادراته الى الأردن والتي تؤمن له القطع الأجنبي، فبحسب بيانات “دائرة الإحصاءات العامة الأردنية” (حكومية)، انخفضت قيمة الصادرات من حكومة النظام الى الأردن في 2019، إلى 43 مليون دولار، مقارنةً بـ 70 مليون دولار في 2018، فيما زادت قيمة الواردات نحو سوريا إلى 74 مليون دولار في 2019، مقارنةً بـ 46 مليون دولار في 2018، وبلغت صادرات دمشق الى عمّان في 2011 حوالي 376 مليون دولار، بينما بلغت الواردات 255.5 مليون دولار في العام نفسه.
وقررت السلطات الأردنية في 12 آب الماضي إغلاق معبر نصيب مع سوريا، عقب انتشار فيروس كورونا، وأكد الناشط الاعلامي حمزة السعدي من مهجري درعا، أن “معبر جابر- نصيب ما يزال مغلقاً حتى الآن مع إعادة فتحه بين الفينة والأخرى لفترةٍ بسيطة، ورغم أن الأردن أعاد فتح باقي معابره مع الدول الأخرى، إلا أنه استمر بإغلاق معبر نصيب مع النظام، ما يشير الى أن الإغلاق ليس بسبب كورونا وإنما لأسبابٍ خفية”.
وأوضح السعدي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن “قرار الأردن بإغلاق معبر نصيب، جاء نتيجة ضغوطاتٍ أميركية وإسرائيلية للحد من النفوذ الإيراني، خاصةً أن الميليشيات الإيرانية هي من تسيطر فعلياً على المعبر الى جانب الفرقة الرابعة”، لافتاً إلى أن “الأردن أبلغ روسيا ونظام الأسد بأن يحرصا على إبعاد تلك الميليشيات عن المعبر وأن تتم إدارته فعلياً من قبل الشرطة الروسية، وإلا ستستمر الحكومة الأردنية بإغلاق المعبر، وهذا يُلحق خسائر اقتصادية كبيرة بدمشق وعمّان، لكن الأخيرة اضطرت لذلك خشية قيام طهران بنشر أفكار التشيّع وإدخال المخدرات الى الأراضي الأردنية”.
هل يكون معبر عرعر بديلاً عن نصيب؟
الخسائر التي مُني بها نظام الأسد في معبر نصيب والعراقيل التي واجهها، دفعت الأخير للبحث عن بديل، وقال فايز قسومة نائب رئيس “لجنة التصدير في غرفة تجارة دمشق” التابعة للنظام لصحيفة “الوطن” الموالية، أنه سيتم اعتماد منفذ عرعر بديلاً عن معبر نصيب، زاعماً أن ذلك سيخدم حركة نقل البضائع والشاحنات السورية من وإلى دول الخليج، وسيُسهم في توفير 1500 دولار أميركي عن كل شاحنة سورية تعبر الأردن نحو دول الخليج.
وأعلنت الحكومة العراقية في الثامن عشر من تشرين الثاني الماضي، عن إعادة افتتاح معبر عرعر الحدودي الذي يربطها مع السعودية، بعد توقفٍ لثلاثين عاماً، على إثر حرب الخليج عام 1990.
إلا أن مدير تحرير شبكة “الشرق نيوز” فراس علاوي، أفاد أنه “من المستبعد أن يكون معبر عرعر بديلاً عن نصيب، لأن ذلك يعتبر أكثر كلفة، ولن يُساهم في تخفيف النفقات كما يدّعي النظام، كون المسافة ستكون طويلة للوصول الى معبر عرعر، اضافةً الى المخاطر الأمنية على طريق البادية في ظل وجود خلايا نائمة لتنظيم “داعش”، كما أن الحالة الفنية للطرق سواء في سوريا أو العراق متهالكة وضيّقة مقارنةً بطرق الأردن”.
وأضاف علاوي أن “الحديث عن استخدام معبر عرعر بدل نصيب، مجرد حيلة من نظام الأسد، للضغط على الأردن ودفعه الى تخفيض الرسوم التي يتقاضاها على المعبر، والتي تبلغ ألفي دولار على كل شاحنة، ولتخفيف القيود على الشاحنات السورية التي تضطر للانتظار لساعات، وهو ما يكبدها خسائر كبيرة خاصةً أن أغلب البضائع السورية التي تعبر المنافذ الأردنية الى دول الخليج، عبارة عن فواكه وخضار ومواد غذائية، الأمر الذي يؤدي إلى تلف جزء كبير من المنتجات”.
يونس الكريم بدوره يوافق كلام علاوي، بأن النظام لن يستطيع استخدام معبر عرعر كبديلٍ عن نصيب، وإنما هو مجرد لعبة إعلامية يهدف النظام من خلالها للادعاء بأن الرياض تريد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، ليُوحي لمؤيديه والرأي العام العالمي، أن الحرب في بلده انتهت وأن الدول المعادية له بدأت تسعى لإعادة التطبيع معه.
وبدا ذلك واضحاً من خلال تصريح “الاتحاد السوري لشركات شحن البضائع الدولي” التابع للنظام، والذي زعم أن السعودية طلبت من الجانب العراقي تأمين طريق “ترانزيت” يربط سوريا بالمملكة عبر العراق، رغم عدم اعتراف الرياض بذلك.
معبر يتيم مع العراق
ترتبط سوريا مع العراق بثلاثة معابر رسمية، لكن النظام خسرها جميعاً خلال سنوات الثورة، إلا أنه تمكن من استعادة معبر البوكمال من تنظيم داعش في تشرين الأول 2018، وبعد نقاشاتٍ مع الجانب العراقي أعلن النظام إعادة افتتاح معبر البوكمال – القائم في أيلول 2019، بينما بقي معبر التنف تحت سيطرة فصائل المعارضة (جيش مغاوير الثورة) بدعمٍ أميركي، ومعبر اليعربية تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”.
ويرى المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن “معبر البوكمال يقع فعلياً تحت السيطرة الإيرانية، وبالتالي طهران هي المستفيد من هذا المعبر وليس نظام الأسد، حيث تستخدمه لإدخال الأسلحة والميليشيات، إضافةً الى استقدام العائلات الشيعية لتعزيز عملية التغيير الديمغرافي في منطقة الجزيرة، وبنفس الوقت فإن وجود معبر البوكمال بيد إيران هو وسيلة للضغط على “قوات سوريا الديمقراطية” وأميركا، كون المناطق المتاخمة للمعبر غنية بالنفط”.
وما يُضعف الأهمية الاقتصادية لمعبر البوكمال بالنسبة للأسد، أن المعبر يعتبر صغيراً نوعاً ما ويُشكّل ازدحاماً للشاحنات عند النقطة الحدودية، ويفتقر إلى الخدمات الفنية من محطات وقود واستراحات ما يرفع كلفة الشحن، إضافةً الى تخوف التجار من طريق المعبر، بسبب وجود خلايا لتنظيم “داعش” في البادية السورية ومحافظة الأنبار، وانتشار الميليشيات التي تتبع لإيران و”الحشد الشعبي” على طرفي المعبر، والتي يعمل عناصرها كقطّاع طرق تعترض حركة الشاحنات.
في المقابل يضع نظام الأسد نصب عينيه استعادة السيطرة على معبر التنف، والذي يعتبر أفضل بالنسبة له من معبر البوكمال، كونه يختصر جزءاً كبيراً من المسافة أمام الشاحنات المتجهة إلى دول الخليج، ومُخدّم بشكلٍ أكبر.
لكن الكريم يرى أنه في المدى المنظور، لن يستطيع النظام استعادة معبر التنف لعدة أسباب، أبرزها أن قانون “أوقفوا القتل في سوريا”، الذي طُرحت مسودته قبل أيام، يمنع منعاً باتاً تغيير قواعد تمركز القوات الأميركية في سوريا، وبالتالي يقطع الطريق على النظام بإخراج قوات “التحالف الدولي” من معبر التنف والسيطرة عليه، كما أن أميركا تعتقد أن وجودها في هذا المعبر، يساعدها على منع انتشار داعش في البادية، والأهم من ذلك يعرقل المخطط الإيراني الرامي الى مد أنابيب النفط عبر الأراضي السورية وزيادة الوجود الإيراني وميليشيات “الحشد الشعبي” في سوريا، وبالتالي تخلي واشنطن عن معبر التنف، يضر بخططها في تحجيم الدور الإيراني في المنطقة.
وقبل اندلاع الثورة السورية كانت آلاف السلع ذات المنشأ السوري، تتدفق يومياً عبر المعابر البرية الثلاثة الى العراق، الذي حلّ في قائمة وجهة الصادرات السورية عام 2010، واستحوذ العراق على 2.3 مليار دولار من إجمالي الصادرات السورية البالغة 12.3 مليار دولار، أي بنسبة 18.6%.
إلا أن أمين منفذ البوكمال الحدودي مع العراق، عاصم إسكندر صرّح لوسائل إعلام النظام، بأن حركة التبادل التجاري بين حكومة الأسد والعراق باتت متواضعة، وتقترب يومياً من 15 شاحنة سورية فقط، تنقل عدداً من البضائع والمنتجات المحلية إلى العراق، أبرزها الفواكه والمواد الغذائية مثل مربى البندورة والمرتديلا والبسكويت، ومواد بلاستيكية ومنظفات، بينما تقتصر البضاعة العراقية الى مناطق النظام على عجينة التمر.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا