يعمل الحزب الجمهوري الأميركي، قبل تسليم السلطة للإدارة الديمقراطية الجديدة برئاسة جو بايدن، لتفويت أي فرصة أمامها لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، ضمن صفقة قد يكون محورها العودة للعمل بالاتفاق النووي الإيراني.
وقدّمت لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري مشروع قانون جديد ضد نظام بشار الأسد، يحمل بين بنوده ومواده مفاعيل أقوى من تلك التي جاءت ضمن “قانون قيصر” الذي وقّعه دونالد ترامب، نهاية العام الماضي وبدأ سريانه منتصف العام الحالي. وجاءت مسودة القانون الجديد، الذي حمل تسمية “أوقفوا القتل في سورية”، في 32 صفحة، تقدّم بها 150 نائباً للكونغرس، تتضمن مزيداً من المقترحات لعقوبات أوسع وأشمل لشل قدرة النظام، بل الإطاحة به في حال إصدار القانون وتطبيقه.
أول من كشف عن القانون الجديد هو محمد غانم، عضو المجلس السوري-الأميركي، الذي يشكل أفراده من السوريين لوبياً ضاغطاً في الولايات المتحدة. وأشار غانم، في منشور له على صفحته في “فيسبوك”، إلى أن مشروع القانون “الجديد من نوعه”، يُحظر على الحكومة الأميركيّة، أي على إدارة بايدن، الاعتراف بنظام الأسد كحكومة سورية شرعيّة، أو الاعتراف بحق بشار الأسد في الترشح في أي انتخابات مستقبليّة في سورية. كما يُنزِل مشروع القانون أقصى عقوبات من نوعها حتّى الآن، ليس على نظام الأسد وحسب، بل على المصارف التي تربطها علاقة معه في لبنان والأردن والإمارات والخليج والصين وأيّة دولة أجنبيّة أخرى.
وأضاف غانم أن مشروع القانون يخوّل الرئيس الأميركي إنشاء مناطق اقتصاديّة في سورية المحرّرة، لتنشيط اقتصاد المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، والسّماح لها بإنشاء علاقات تجارية مع الولايات المتحدة الأميركيّة وغيرها من دول العالم. وأوضح أنه ينص كذلك على أنّ سياسة الولايات المتحدة في سورية يجب أن تكون إطاحة الأسد ودعم السوريين الساعين لذلك، لا معالجة الشّأن السّوري فحسب، منبّهاً إلى أن مشروع القانون الجديد “يُمتّن مواد قانون قيصر، ويسد بعض الثغرات الموجودة فيه، والتي من الممكن أن تستغلّها الإدارة المقبلة، إن أرادت، لمنح الإعفاءات والاستثناءات”.
من جهته، قال الباحث الاقتصادي يونس كريم، الذي اطلع على مسودة القانون الجديد، إن من شأنه إنهاء الجدل بإعادة تعويم الأسد. وفسر مشروع القانون، في حديث مع “العربي الجديد”، بأن “بنوده تشمل كل المؤسسات المالية التي تعمل في مناطق النظام فقط. كما تمنع أي حكومة أميركية قادمة أن تتواصل مع الأسد بحجة إطلاق سراح مواطنين أميركيين، ومنع سحب قواعدهم العسكرية. أي أن هذه القواعد الأميركية باتت دائمة الوجود في سورية”. وأوضح كريم أن “مشروع القانون يتضمن نطاقاً جغرافياً لتنفيذ العقوبات بأنها تشمل مناطق النظام دون الشمال، بمعنى أنه لا معارك قادمة للنظام، سواء في مناطق الإدارة الذاتية الكردية أو التابعة للمعارضة في الشمال. كما أنه يشدد على أنه لا فيدراليات في الجنوب أو مناطق أخرى”.
على الجانب الاقتصادي، أشار كريم إلى أن المشروع يحمل “عقوبات جديدة ستطاول البنك المركزي بتهم غسل أموال. إلا أنه أعطى مهلة هي نصف المدة السابقة في قانون قيصر واقتصرت على ثلاثة أشهر”. وأضاف “المادة 21 من مشروع القانون الجديد غير واضحة، فهي تمنع على الدول عامة، والغربية خاصة التي سمتها بالاسم، الاعتراف بالأسد. لكنها أشارت إلى قيود جديدة ستفرض على مراقبة البعثات والأعمال المالية والحوالات التي تتم من هناك لنظام الأسد، وهو اعتراف ضمني بأنهم يساعدون الأسد، وأن عليهم العمل على إطلاق سراح المعتقلين الأميركيين وغيرهم إن أرادوا الاستمرار بهذه العلاقة”.
على الجانب الأمني والسياسي، أوضح كريم أن “المشروع الجديد يتيح فتح ملفات جرائم حرب ضد النظام، ما يعني عدم قدرة الأخير على السفر أو التمثيل الدبلوماسي. وللمرة الأولى يتم استخدام مصطلح تهجير السنّة وعمليات القتل والتعذيب بحقهم، على مستوى رسمي، ما يعني أننا أمام تغير في أدوار الحكم”. وأشار إلى أن الناحية الأهم في المشروع تتمثل باحتمالية فرض مناطق حظر طيران، خاصة فوق إدلب، واحتمالية قصف قواعد النظام، “أي أن المُشرع يعطي للقادة الأميركيين هامشاً واسعاً للحركة ضد النظام. كما أنه أعطى حرية أن تكون بمشاركة دولية”.
وأوضح كريم أن المسودة تتضمن “عدم الاعتراف بنتائج اللجنة الدستورية ولا بوجود الأسد، بل ملاحقة أموال الأسد وعائلته”، مشيراً إلى وجود لبس في القرار حول تعريف أن الملاحقة تشمل عمومة أم عمومة وأخوال، بالإضافة للتأكيد على تنفيذ القرار 2254 بسلاله كاملة، والتشديد على سلة الانتقال السياسي. كما أشار المشروع الى “دستور علماني يتعلق بحقوق الأقليات الدينية والإثنية، وهذه المادة تكملة للمادة السابقة التي اعترفت بالسنّة”. ولفت إلى أن القانون يتحدث عن الاستراتيجية بهزيمة “داعش” والتنظيمات الراديكالية الأخرى، وهذا يتماشى مع ما سبق حول دعم مناطق إدلب، ما سيغير البنية السياسية فيها.
وقد تستمر مناقشة مشروع القانون داخل الكونغرس أكثر من عام، قبل إصداره في حال الموافقة النهائية عليه في غرفتي الشيوخ والنواب، ما سيجعله عرضة للتخفيف أو التعديل في بنوده ومواده الرئيسية. إلا أن الحزم الواضح في مسودته الأولى، يوضح أنه مهما تعرض مشروع القانون للتخفيف وتخفيض سقف مفاعليه إلا أنه سيبقى يحمل جرعة كافية لإنهاء النظام، وحتى الأسد، سياسياً لجهة إطاحته باستخدام أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية، ما يحمل زيادة واضحة على “قانون قيصر” الذي تحمل بنوده أدوات ضغط اقتصادية وسياسية بشكل رئيسي.
وتتجه الأنظار نحو الحزب الديمقراطي، وحتى الإدارة الأميركية المقبلة، عندما ستعطي تعليقها على مشروع القانون الجديد، واستخلاص مدى قبولها أو معارضتها لهذه الخطوة ضد النظام. وعندئذ يمكن التكهن ورسم تصورات أولية حول ما إذا كان سيبصر النور بصيغته الحالية أو بصيغة مخففة، أو أن المماطلة في سبيل عدم إصداره من قبل الإدارة الديمقراطية ستقف في طريقه، كما حدث مع “قانون قيصر” خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما.
المصدر: العربي الجديد