هل هناك معنى آخر لـ”ما ملكت أيمانكم”

د. توفيق حميد

الإيزيديات وقعن ضحايا داعش وأفكاره المتطرفة.
ربما لم يتسبب تعبير في القرآن الكريم في جدل في العقود الأخيرة أكثر مما تسبب فيه تعبير “ماملكت أيمانكم”. فالتعبير كما تم شرحه في التفاسير وكتب الفقه التقليدية هو تعبير عن الرقيق من النساء (أي العبدة أو الأمة) وهؤلاء كما تروي معظم التفاسير يجوز إقامة علاقة جسدية معهن تبعاً للآية “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ” (سورة المؤمنون آية 5-6).
ومفهوم “ما ملكت أيمانكم” عند البعض مأخوذ من تعبير “كدت عليها يمينك” (بالشدة على حرف الدال في كلمة كدت)- أي اشتراها الرجل بماله من سوق العبيد (بيمينه أي بقوة المال والملكية) أو أخذها بالقوة كغنيمة حرب.
والسؤال المطروح هنا هل كلمة “أيمانكم” في القرآن جاءت كما يتصور الكثيرون أنه “يملكها بيمينه” أم أنها جاءت في أغلب الآيات بمعنى آخر؟ والحقيقة في هذا الأمر أن كلمة “أيمان” (بالهمزة فوق حرف الألف وسكون الياء) وهي نفس الكلمة التي تم استخدامها في تعبير ماملكت أيمانكم” لم تأت في القرآن إلا بمعنى واحد فقط ألا وهو العهد (أو العهود) الذي يأخذه الإنسان على نفسه مع طرف آخر وتشمل القسم وهو عهد مع الله. وها هي بضعاً من هذه الآيات:
سورة البقرة 224: “ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم”
سورة البقرة 225: “لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم”
سورة المائدة 89: “لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون”
سورة النحل 94: “ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم”
سورة التحريم 2: “قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم”
ومن الواضح في آيات القرآن الكريم أن تعبير “أيمان” و “أيمانكم” جاء أساساً بمعنى العهود والمواثيق أو القسم كما ذكرنا وهو ما يتفق مع مبدأ القرآن أن الزواج ميثاق بين طرفين بل هو ميثاق غليظ كما وصفه الكتاب الحكيم “وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ (أي المهر) وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ” (سورة النساء آية 21).
ولذا يمكننا القول أن “ماملكت أيمانكم” كن من لديهن “عهد بالزواج” (وهو مايكون غالباً عهداً شفوياً غير مكتوب كما كان العرف في تلك الحقبة من التاريخ في بداية الإسلام) – وليس الرقيقات كما يتصور الكثيرون.
فالقرآن كان واضحاً في التفرقة بين كلمة “أماء” وتعبير”ماملكت أيمانكم” فحينما تكلم عن العبيد استخدم تعبير “الإماء” وليس تعبير “ماملكت أيمانكم” كما جاء في الآية الكريمة “وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (سورةالنور32).
والقرآن لم يبح قط أي علاقة جسدية مع “الإماء” (أي العبيد من النساء) وإنما أباح فقط العلاقة مع من تملك العهد أو “الأيمان” مع الشخص. أي من لديهن عهد بالارتباط أمام المجتمع وبنفس شروط الارتباط التقليدي للزواج وهو ما أوضحته أية سورة النساء (وجود حصن إي زواج واضح في العلن وبإذن الأهل وبدفع المهر وليست علاقة مؤقتة) كما أوضحت الآية”:
“وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ ” (سورة النساء آية 25).
وللتذكرة فقط فإن هذه هي نفس الشروط المذكورة في القرآن للارتباط المقبول عند الله في الزواج التقليدي. فكما جاء في القرآن  “ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ ۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِىٓ أَخْدَانٍۢ ۗ ” (سورة المائدة آية 5).

ولقد أمر القرآن في عصور الإسلام الأولى أن تأخذ “ماملكت الأيمان” (أي من معهن عهد زواج الشفوي) عقداً “مكتوباً” وليس فقط عهداً شفوياً كما جاء في الآية (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ) وأمر أن تأخذ نصيبها من الميراث المحدد في كتاب الله (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم -أي نصيبها من الميراث وهو يكون للزوجة أوالقرينة- ان الله كان على كل شيء شهيدا) – النساء 33.
وهذا الفهم المبني على استخدام القرآن لكلمة “أيمانكم” ينتقل بفهم تعبير ماملكت الأيمان من” السرية” التي يملكها شخص بالشراء أو بالسبي وقت الجهاد وله أن يتسرا بها ويتصل بها جسدياً”، كما جاء في كتب التراث -وهو مفهوم همجي لا يقبله أي ضمير – إلى معنى آخر تماماً لا علاقة له بالرق والعبودية وأسواق النخاسة البشعة.
ومن الجدير بالذكر ولختام هذا المقال أود أن أذكر القارئ أن القرآن حرم أي تعامل مع الأسرى إلا من خلال المن عليهم بالحرية أو بتبادل الأسرى وقت الحروب للدفاع عن النفس “فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا” (سورة محمد آية 4).
ولذا فإن سبي النساء واستعبادهن في الحروب كما جاء في كتب التراث تحت مسمى “ماملكت أيمانكم”، مخالف لتعاليم القرآن في هذا الأمر وهو يعد جريمة بكل المقاييس.
ولنا الآن أن نتصور ولو لوهلة واحدة لو فعلها أحد معنا -أي أخذ أمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا كسبايا حرب للتسري بهن- بحجة نشر دين، ماذا كنا ياترى سنقول عن دينه وبماذا كنا سنصفه؟

المصدر: الحرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى