استوقفتني عند الصباح ابنتي الصغيرة، وبعد أن أهدتني مسدساً من ورق، كانت قد صنعته لنفسها.. قالت: أبي لو أن هذا المسدس الورقي امتلك خاصية القتل فمن تقتل به؟! فقلت لها: يا ابنتي أنا لا اقتل أحدًا.. قالت: إذا افترضنا أنك ستقتل فيه شخصًا، فمن هو.. قلت: إذا: ظرفية شرطية غير جازمة، وتابعت معها لأقول: القتل ليس مهنتي. ولم أكن، ولن أكون في يوم من الأيام القادمة قاتلاً، إن شاء الله.. صحيح أن هناك في هذا الواقع الآني السوري ظلم كثير، وعسف أكثر، وقتل وانتهاك لكل الحرمات، وتدمير للبنى العقلية، والنفسية، وكذلك للبنية التحتية، في هذا الوطن المستباح. إلا أن مواجهتي له لا تكون بنفس الفعل، المدان من قبلي. بل عبر انتهاج مسيرة ومسار الحق والعدل، والتساوي. طريق المحكمة العادلة التي لا تشوبها شائبة. بالقانون وتحت سقف القانون العادل، وضمن آليات العمل المدني الشعبي الثوري.
نقتص من القتلة المجرمين، السفاكين لدماء الناس، والسارقين لأحلام البشر، والمعتدين على الحرمات. بالحق والعدل الإلهي والوضعي، وما يرتضيه الناس لأنفسهم به، ومنه، وبالعقل الجماعي المنزه، للناس كل الناس، يعود الحق لأصحابه، لأن مجتمع الغابة والعصابة، ليس من مستوى البشر، وقانون الغابة لا يرتقي لأن يكون منصفاً للناس المتحضرين، من عَلمانيين وإسلاميين، من قوميين وليبراليين، وكل ألوان الطيف الشعبي والوطني والبشري. في واقعنا المعاش والمؤنسن.
رب قائل يقول: وهل من المعقول أن ينتظر المرء القانون والمحاكم العادلة، سنوات وسنوات، حتى يأخذ حقه من ذاك المستبد الآخر والمعتدي.
وأقول له: أحيلك إلى قصة مشهورة، من قصص عدل (الفاروق عمر) رضي الله عنه، عندما أتاه رجل وقد قُلعت عينه اليسرى، متهمًا رجلاً آخر بأنه من قام بذلك. فامتنع رضي الله عنه من أن يحكم بالأمر، حتى يؤتى بالآخر ويراه ويسمع منه – فقالوا يا أمير المؤمنين إن عينه قد قُلعت، وهل هناك ما هو أوضح من ذلك.. فقال: نعم… لكن ربما يكون قد قلع لذاك الآخر عيناه الاثنتين.
من هنا فلا بد من أن يكون الحكم عادلاً ومقرونًا بما يثبت الحق ويستبينه. ونحن اليوم نعيش حالة من الانتهاك لم يسبق لها مثيلاً، ونحتاج إلى الكثير من العقل والعقلانية والنظرة العادلة، وأن تُحال قضايانا إلى محاكم عادلة، يرضاها الناس، وقضاء عادل يلبي حاجات البشر.
ويعيد الحقوق إلى أصحابها. دون قتل، ودون عسف، ودون هضم للحقوق، أو نهب لثروات الناس، أو تعد على الحرمات. أو بيع لثروات ومؤسسات الوطن. وأعتقد أن هذا الذي نتوقعه، ونحلم به، ليس بعيداً، بل هو أقرب إلينا من حبل الوريد، ضمن حالة من التفاؤل لابد قادمة.
وأعود للقول: القتل يا ابنتي لا يجر إلا القتل، والموت يستدعي الموت، وما أحوجنا اليوم إلى التمسك بالقاعدة الإيمانية التي تقول: إن هدم الكعبة أهون عند الله من قتل إنسان بريء.
597 2 دقائق