معركة الفصل بين “قسد” و”العمال الكردستاني”… من يسرب وثائق العلاقة بالنظام السوري؟

مقاتلات من حزب “العمال الكردستاني”
قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بأيام، توقفت مفاوضات الوحدة بين حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، الذراع السياسية لـ”قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) وحليف واشنطن في محاربة تنظيم “داعش”، وبين المجلس الوطني الكردي المنضوي في الائتلاف السوري المعارض والمدعوم من أنقرة وإقليم كردستان – العراق.
وشكّل الخلاف حول العلاقة بين “قسد” و”حزب العمال الكردستاني” العقبة الرئيسية التي عرقلت طريق المفاوضات الثنائية بين القطبين الكرديين وجعلتها تتعثر في محطتها الأخيرة التي كانت مخصصة لمناقشة قضايا حساسة، من قبيل تقسيم كعكة الإدارة الذاتية ومناصبها، ودمج قوات البشمركة التابعة لـ”المجلس الوطني الكردي” ضمن صفوف “قوات سوريا الديموقراطية”، إضافة إلى مناقشة قضية مناهج التعليم وملف المعتقلين والمفقودين.
وتركزت مطالب “المجلس الوطني الكردي” على ضرورة الفصل بين “حزب الاتحاد الديموقراطي” وقوات “قسد” من جهة و”حزب العمال الكردستاني” من جهة ثانية، وأن تنسحب القيادات المحسوبة على جبال قنديل من مناطق الجزيرة السورية (شرق الفرات) وألا تتدخل في شؤون المنطقة إدارياً أو عسكرياً. لكن ممثلي “حزب الاتحاد الديموقراطي” في المفاوضات أبدوا رفضهم لهذه المطالب، واقترحوا أن يتم تضمين الاتفاق بنداً يشير إلى عدم تدخل أي طرف خارجي أو كردستاني في شؤون المنطقة من دون تسمية “حزب العمال الكردستاني”.
ولا يعبّر موقف ممثلي الحزب عن رغبة قيادته الحقيقية بقدر ما يعبر عن توازن القوى داخل “قسد” ومؤسساتها السياسية والأمنية لا سيما في ضوء الانقسام الحاصل فيه بين تيارين: الأول محسوب على الجنرال مظلوم عبدي ويُتهم بأنه يميل إلى وضع بيضه في السلة الأميركية، والثاني محسوب على قيادات قنديل وأبرزها جميل باييك، القائد الفعلي لـ”حزب العمال الكردستاني”، ويتهم بالتنسيق مع النظامين السوري والإيراني.
وقد خرجت الخلافات بين التيارين، مؤخراً، إلى العلن عندما أعلن جميل باييك في تصريحات تلفزيونية رفضه لتوقيع الاتفاق النفطي بين “قسد” وشركة أميركية لإدارة حقول النفط في منطقة شرق الفرات وتحسينها. وجاء ذلك بعد تسريب معلومات، الشهر الماضي، حول قدوم باييك إلى القامشلي من أجل إدارة الصراع مع تيار مظلوم عبدي، وفي حينه اعتبر الكاتب الكردي السوري هوشنك أوسي في حديث الى “النهار العربي” أن خطوة باييك تعني أن قيادة قنديل تخطط لحسم الخلاف نهائياً، ملمحاً إلى إمكانية استخدام الوسائل الأمنية في هذا الحسم.
لعلّ هذه الأجواء هي ما تفسر ما يحصل حالياً من تسريب وثائق تثبت وجود علاقة تنسيق وتعاون بين أجهزة أمنية سورية وجناح “حزب العمال الكردستاني” ضمن “قوات سوريا الديموقراطية”.
وفي هذا السياق، جرى صباح اليوم، تسريب ثلاث وثائق تتضمن معلومات وتفاصيل عن طبيعة التعاون الذي كان قائماً بين بعض الأجهزة الأمنية السورية، مثل إدارة المخابرات العامة وإدارة المخابرات الجوية، و”حزب العمال الكردستاني”.
وفي الوثيقة الأولى المؤرخة بتاريخ 8/3/2012 وموجهة من رئيس فرع المخابرات العسكرية في الحسكة المعروف بالفرع الرقم 222 إلى مفرزة الرميلان والمالكية وسيمالكا واليعربية تتضمن تعليمات بالعمل على إدخال مجموعة من 150 مسلحاً من “العمال الكردستاني” قادمين من معسكر قنديل وإدخالهم إلى فرع الأمن العسكري لإخضاعهم إلى دورات تدريبية، وذلك بالاتفاق مع قيادة “العمال الكردستاني”.
وتحدثت الوثيقة الثانية التي يعود تاريخها إلى الشهر الثامن من 2012 عن طلب رئيس إدارة المخابرات العامة في دمشق من فرعه في القامشلي المعروف بالفرع 330 بالعمل والتنسيق مع قيادة الجناح المسلح في “حزب الاتحاد الديموقراطي” في منطقة عملكم وذلك من خلال تشكيل مجموعة مسلحة من أربعة اشخاص من ذوي الخبرة القتالية واللياقة البدنية الجيدة وتكون مهمتها تصفية أشخاص بارزين من الأحزاب الكردية الذين لهم تأثير قوي في الشارع الكردي.
أما الوثيقة الثالثة المسرَّبة، وقد تكون أخطر هذه الوثائق وأكثرها دلالة على الهدف الذي تسعى إليه الجهة المسرِّبة، فإنها موجهة من قائد الفرع 222 فرع الأمن العسكري في الحسكة بالاستناد إلى كتاب الفرع 293 الرقم 6449 تاريخ 9/4/2016 إلى جهات حزبية وشرطية، تطلب فيه بناء على الاتفاق مع قيادة “حزب العمال الكردستاني” إثارة مشكلات وخلافات مع قيادات وعناصر “قوات سوريا الديموقراطية” الموالية للجهات الغربية ومنها أميركا وألمانيا وفرنسا وذلك بغية الوصول إلى إعادة انتشار لقوات “حزب العمال الكردستاني” الموالي للجمهورية العربية السورية وطرد “قسد” من مناطق عمليات الجيش العربي السوري، بحسب ما جاء في الوثيقة.
وأكد نشطاء يعملون في منطقة شرق الفرات أن قيادات في “قسد” هي من قامت بتسريب هذه الوثائق، في حين أشار بعضهم الآخر إلى أن أجهزة الأمن السورية قد تكون صاحبة مصلحة في تسريبها.
وقد تكون خطوة التسريب بمثابة انذار موجه من تيار مظلوم عبدي إلى تيار جميل باييك بضرورة التوقف عن عرقلة مفاوضات الوحدة بين القطبين الكرديين، ووجوب الرضوخ لبعض مطالب الطرف الآخر، خصوصاً تلك التي تلقى قبولاً من واشنطن، وبالتالي تقديم تنازلات تكون مقبولة ومن شأنها فتح الطريق أمام وصول المفاوضات إلى محطتها النهائية.
وقد يكون التلويح بفضح تفاصيل العلاقة بين الأجهزة الأمنية السورية وجناح “حزب العمال الكردستاني” هو مجرد مؤشر على ما يمكن أن يكون بحوزة قيادات “قسد” الموالية لعبدي من معلومات وخفايا حول علاقات الجناح الكردستاني مع دمشق وطهران.
في حين يذهب رأي آخر، إلى أن تسريب الوثائق جاء بأمر مباشر من أجهزة الأمن السورية التي باتت تخشى من رضوخ قيادات “حزب العمال الكردستاني” للضغوط التي يتعرض لها من أجل فك ارتباطه مع قوات “قسد” والانسحاب من المنطقة، ما سيشكل في حال حصوله خسارة هذه الأجهزة لذراعها داخل القوات المدعومة أميركياً، وبالتالي خسارة قدرتها على التأثير في قراراتها وتوجهاتها.
ويرى هؤلاء أن تسريب وثائق تثبت علاقة التنسيق والتعاون بين أجهزة الأمن السورية وبين “حزب العمال الكردستاني”، لا سيما الوثيقة الثالثة التي تتحدث عن إعادة انتشار مسلحي “العمال الكردستاني” في مناطق عمليات الجيش السوري، قد تكون الغاية منها إحراج كلا التيارين ضمن قوات “قسد” ومنع حصول اي تقارب بينهما وبالتالي إصرار كل طرف على موقفه من مفاوضات التوحد وشروطه ومطالبه. ولا يخفى أن فشل هذه المفاوضات سيصب في نهاية المطاف في مصلحة دمشق لأنه سيعطي مؤشراً واضحاً على عدم وجود بديل قادر على حكم المنطقة والمحافظة على استقرارها.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى