تحل علينا كسوريين وكذلك على العالم أجمع بتاريخ 10 كانون أول/ ديسمبر من كل عام ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهي مناسبة مهمة لدى السوريين بما تنكأ لديهم من جراح. وبما تعيد إلى ذاكرتهم الآلاف بل مئات الآلاف من حالات انتهاك لحقوق الانسان وتغول السلطة القامعة الفاجرة على جل المجتمع السوري، بكل فئاته. خلا شبيحة النظام وزبانيته الذين ارتضوا لأنفسهم مشاركة هذه العصابة بالمقتلة التي باتت حدثًا يوميًا لدى السوريين. منذ عام 2011 وحتى الآن.
لقد انتهك نظام الأسد عبر خمسين عامًا ونيف من سرقة الوطن وخطفه، كل أنواع الانتهاكات المنصوص عنها في مواد الإعلان العالمي المشار إليه. وكان سباقًا في اكتساب صفة المجرم والقاتل، والممسك والمعتقل عبر سجونه المنتشرة في كل مكان، بخيرة أبناء سورية، ليتم تغييبهم في أقبيته. أو قتلهم، إما تعذيبًا أو مرضًا أو ضغطًا نفسيًا.
في هذه الذكرى يعتصر قلب السوري ألمًا ويعذبه ما آل إليه وضع وطنه سورية. كما يتحسر على السنين الطوال التي ينتظر فيها خبرًا عن معتقل، أو أملاً بإطلاق سراح معتقليه. بينما يعيث النظام السوري فسادًا في الوطن كل الوطن. فلا تثنيه عن إجرامه كل البروتوكولات والاتفاقات الدولية التي وقَّع وصدَّق عليها. ولا يأبه لكل المناشدات الدولية والاقليمية من أجل فتح أبواب السجون التي باتت تغص بمئات الآلاف من المغيبين قسرًا. وما السياسة الروسية والايرانية الداعمة له إلا مشاركة بالضرورة بكل ما يفعله بحق الإنسان السوري. وهو الذي ما يزال ينشد الحياة الطبيعية بلا قتل ولا اعتقال ولا تغييب.
لكن هيهات فقد جاء هذا النظام ومنذ البداية ليمارس دورًا وظيفيًا قاهرًا للناس والعباد. ومحققًا لدولة العصابة والطائفة، دون النظر إلى كل الشرائع الدولية والأممية أو الوضعية المحلية. وتتحمل معه العبء أيضًا، كل الدول التي صمتت عن إجرامه وانتهاكه لكل حقوق الانسان، والصامت شريك أيضًا كما هو معروف.
حول حقوق الإنسان السوري، وفي ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان سألنا الدكتور مروان الخطيب. باحث وأكاديمي سوري عن مآلات حقوق الإنسان في سورية فقال: “تطالعنا شهر كانون الأول/ ديسمبر الذكرى الثانية والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي يبدو منذ لحظة الإعلان عنها -حقوق الإنسان- كانت تعنى بشعوب لا نمت لها بصلة، نحن أبناء الوطن العربي عامة وسورية خاصة. فإذا وضعنا حكم آل الأسد معيارًا لتقييم مدى قرب الحياة العامة في سورية من هذا الإعلان فإننا سنصاب بالدهشة الكبيرة، فنحن كشعب حرمنا لسنوات طويلة من معرفة مضمون هذا الإعلان، بشعار تجييش المجتمع لبناء دولة الوحدة ذات النظام الاشتراكي التي سيتمتع حينها جميع المواطنين بالحرية، وكانت المادة الثامنة للدستور لعام 1973 التي صادرت الحياة العامة لصالح الحزب الذي ابتدع مفهوم الديمقراطية المركزية، والتي توصل القرار الأول والأخير إلى شخص الأمين العام للحزب الذي تتمثل فيه جميع السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
ولم تكن الأجهزة الأمنية التي ازادت مع بداية حكم آل الأسد لتصل إلى أربعة عشر فرعاً أمنياً تتمتع بسلطات لا يحدها أي قانون ولا تطالها أية محاسبة إلا بموافقة خطية من أعلى سلطة تنفيذية في الدولة، مما جعل هذه الأجهزة المتغوِّل الأول على رقاب جميع أبناء الوطن، وغيبت في أقبيتها جميع الحقوق، ولم يعد لنا سوى الواجبات التي بدأت بشعار (قائدنا إلى الأبد) وصولاً إلى مرحلة تغييب الوطن وجعله مزرعة لعائلة الأسد لتغدوا سورية هي (سورية الأسد). وإن كانت المعاتبات الخجولة التي بدأتها بعض الدولة الأوربية مع نداءات ربيع دمشق، والتي كانت نتائجها تخفيف سنوات الاعتقال لبعض رموز المعارضة السورية، ولم يتجرأ النظام العالمي بكل خطوطه الحمر على إيقاف المجازر التي ارتكبت خلال سنوات الثورة من مجزرة ساحة حمص، إلى مجزرة كيماوي الغوطة، لمجاز براميل عصابات الأسد على كامل الساحة السورية.” وأضاف قائلاً:” لكن أبناء الثورة الذين كسروا جدار الاستبداد وانطلقوا في كل بقاع الأرض يستكشفون العالم الآخر الذي عاش طويلاً في مجتمع الحقوق والواجبات، أصبح من المستحيل إعادتهم إلى حظيرة الطاعة، وسيكون لإعلان حقوق الإنسان مكان حجر الزاوية في العقد الاجتماعي الذي سيلزمون به أية سلطة سيتوافقون عليها في سورية المستقبل.”
كما سألنا الناشط والمكافح السوري والمهجر قسريًا من زملكا إلى إدلب يوسف الغوش عن حق الإنسان السوري المصادر والمهدور فقال لإشراق:” مع انطلاق ثورات الربيع العربي وفي سورية خاصة، حملنا آمالًا كبيرة بالتغيير والخلاص من دكتاتورية النظام الأسدي المغتصب للإنسان السوري في حريته وكرامته ومعاشه وحياته ومع علمنا بوحشية هذه العصابة، إلا أنه تملكتنا قناعات بعدالة مطالبنا السلمية وأن الثورات منتصرة لامحالة، وخاصة في عصر الفضائيات ووسائل التصوير والتواصل السريع، الأمر الذي سيحرج النظام من القتل باستعمال أسلحته المختلفة وكذلك الزج بالثائرين في السجون بأعداد كبيرة، وأن ثمة مجتمع دولي ودول كبرى ديموقراطية في الخارج ترى وتسمع، وانهم لا يسمحون بجرائم وانتهاكات واسعة النطاق” وأضاف :” أكتب هذه السطور بعد عشر سنوات من الحرب التي شنتها عصابات الإجرام الأسدي وأعوانها من الروس والايرانيين على الشعب السوري الثائر وقد استعمل الرصاص ضد المتظاهرين منذ البداية لتزداد أعداد القتلى كل يوم ويموت المعتقلين تحت التعذيب ويغيب الباقين ولتستعمل كافة صنوف الأسلحة من طيران ودبابات ومدفعية بما فيها الأسلحة المحرمة دوليًا مثل السلاح الكيماوي والعنقودي والنابالم، لتكون المحصلة أكثر من مليون شهيد وآلاف المقعدين ومئات الآلاف من المغيبين والمعتقلين وأكثر من عشرة ملايين من المهجرين في الداخل والخارج ولا يخفى أنه من الاكتشافات الكبرى التي حدثت مع الثوار السوريين هي الدرجة والمستوى العالي من الكذب والنفاق الدولي وإعطاء “الأسد” الفرصة تلو الفرصة لإجهاض الثورة مما يسمى المجتمع الدولي ودوله، والمفترض أنها الأمينة على الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يصادف الاحتفاء به في العاشر من الشهر المقبل، ولكن بعد كل ما جرى معنا ورأيناه في سورية من إجرام ودمار وتهجير لشعبنا ورغم تقديرنا لهذه المبادئ الجميلة ولكن في الحقيقة ماهي إلا شعارات تجميلية سرعان ما تغيب أو تظهر بحسب مصالح الدول الكبرى، وأن الحقوق تنتزع انتزاعًا وليس عطفًا ولا يفل الحديد سوى الحديد.”
المصدر: صحيفة اشراق