اختار جو بايدن شخصيات سبق وأن تولت مناصب في إدارة أوباما لتتقلد أدواراً مهمة في حكومته، وتلك الاختيارات التقليدية من شأنها أن تؤكد تركيزه على نقض ما نسج خلال السنوات الأربع الماضية وإعادة التحالفات التقليدية لأميركا.
إذ من المزمع أن يعلن السيد بايدن البالغ من العمر 78 عن أول ستة أعضاء في حكومته ظهر اليوم، ويشمل ذلك مرشح الرئاسة السابق جون كيري، في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس ترامب محاولاته غير المنطقية لتغيير نتيجة الانتخابات.
وسيترأس هذه المجموعة أنتوني بلينكين، الذي اختاره الرئيس المنتخب ليكون وزير خارجيته. والسيد بلينكين يتمتع بخبرة رفيعة في السلك الدبلوماسي حيث شغل مناصب في الإدارتين الديمقراطيتين السابقتين، إذ احتل منصب نائب وزير الخارجية خلال السنتين الأخيرتين لإدارة أوباما، كما عمل مستشاراً للأمن القومي لدى نائب الرئيس حينذاك، جو بايدن، على مدار أربع سنوات.
كما كان كبير مستشاري السياسة الخارجية لدى السيد بايدن في حملته الانتخابية، وكذلك خلال حملته التي فشلت في عام 2008. وعمل أيضاً لدى السيد بايدن عندما كان رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس الشيوخ، وكان عضواً في فريق الأمن القومي أيام الرئيس كلينتون.
وهكذا سيتولى السيد بلينكين مهمة إصلاح التحالفات التي توترت خلال السنوات الأربع الماضية، وسيلعب دوراً أساسياً في الرجوع عن بعض الإجراءات الأساسية في السياسة الخارجية التي انتهجت خلال ولاية ترامب، إذ يرغب السيد بايدن بأن تعود الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران ولمنظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ. كما لابد وأن يحتاج السيد بلينكين إلى وضع خطاب السيد بايدن تجاه الصين والذي أصبح قاسياً بصورة متزايدة، موضع التنفيذ.
حيث أعلن السيد بلينكين في تموز الماضي: “أقول ببساطة بإن كل المشكلات الكبيرة التي نواجهها كدولة وكجزء من هذا الكوكب، سواء أكان ذلك يتصل بالتغير المناخي أو بالجائحة أو بانتشار الأسلحة الفاسدة. وحتى أعبر عن ذلك بوضوح، أقول: لا توجد حلول أحادية الجانب لهذه المشكلات، إذ لا يمكن حتى لدولة قوية كالولايات المتحدة الأميركية أن تعالج تلك المشكلات بمفردها”.
والبارحة حصل السيد بلينكين على دعم الرئيس السابق أوباما، الذي قال عنه إنه: “دبلوماسي متميز وذكي وكريم وماهر، ويحظى باحترام كبير في كل العالم، وأنا على يقين أنه سيبلي بلاء حسناً”.
ويتعين على السيد بلينكين أن يحصل على موافقة مجلس الشيوخ، إذ من المرجح أن يسيطر الجمهوريون على ذلك المجلس في العام المقبل، بالرغم من أن وجود مقعدين شاغرين في جورجيا منح الديمقراطيين الأمل بضمان التعادل، وفي تلك الحالة يمكن لكامالا هاريس التي ستشغل منصب نائب الرئيس أن تبت في أمر التصويت.
وعلى أية حال، وبما أن السيد بلينكين ينتمي إلى الوسط ويعرفه كثيرون، لذا من غير المحتمل أن يتحول إلى نقطة لتركيز أساليب العرقلة من قبل الجمهوريين، وذلك لأن السيناتورات الجمهوريين الذين لا يؤيدون نزعة ترامب لزرع بذور التفرقة والانعزال قد يرحبون بتعيينه في ذلك المنصب. إذ خلال فترة ولاية أوباما، أبدى بلينكين تشدداً أكبر من تشدد الرئيس وذلك عبر تشجيعه على القيام بعمل عسكري ضد نظام الأسد في سوريا.
وبتفضيل السيد بلينكين على سوزان رايس، يبدو السيد بايدن وكأنه يتحاشى وقوع صدام مؤكد في مجلس الشيوخ، فالسيدة رايس البالغة من العمر 56 عاماً، كانت مندوبة أوباما لدى الأمم المتحدة، كما كانت مستشارة للأمن القومي، وأصبحت محور غضب الجمهوريين بسبب الهجوم الذي تعرضت له مواقع أميركية في بنغازي بليبيا في عام 2012.
وبالنسبة لمنصب وزير الخزانة، الذي يعتبر ثاني أرفع منصب بعد وزير الخارجية، فستشغله جانيت ييلين، بحسب التقارير الصادرة ليلة البارحة. وفي حال تأكيد مجلس الشيوخ على ذلك، عندها ستصبح السيدة ييلين التي شغلت منصب حاكم الاحتياطي الفيدرالي طيلة أربع سنوات حتى عام 2018، ورئيسة المجلس الاستشاري الاقتصادي خلال ولاية الرئيس كلينتون، أول امرأة تشغل ذلك المنصب. ومن غير المتوقع أن يتم الإعلان عن ترشيحها بشكل رسمي حتى الأسبوع المقبل، وذلك عندما سيقوم السيد بايدن بالكشف عن أسماء أعضاء آخرين ضمن فريقه الاقتصادي.
وقد ذكرت إليزابيث وارين المنافسة على منصب وزارة الخزانة، بأن السيدة ييلين خيار متميز وامتدحتها كونها: “وقفت في وجه مصارف سوق الأوراق المالية”.
أما جيك سوليفان فسيصبح مستشار الأمن القومي لدى السيد بايدن، فقد أتى ذلك الديمقراطي الفذ البالغ من العمر 43 عاماً ليخلف السيد بلينكين في منصب مستشار الأمن القومي لدى بايدن. كما عمل لدى هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة الخارجية وشغل منصب كبير مستشاري السياسة الخارجية خلال حملتها الانتخابية في عام 2016.
ويعتبر السيد سوليفان من كبار مهندسي الاتفاق النووي الإيراني فقد أمضى سنوات وهو يجري اجتماعات سرية مع مسؤولين إيرانيين في أنحاء شتى من العالم، وقد أشرف على السياسة الداخلية في حملة بايدن الرئاسية، كما عمل كاتباً في المحكمة العليا، ذلك المنصب المخصص لأهم العقول القانونية الشابة في البلاد.
وسيكتمل نصاب فريق السياسة الخارجية ضمن إدارة بايدن بالسيدة ليندا توماس غرينفليد التي ستشغل منصب مندوبة بلادها في الأمم المتحدة، فقد انضمت إلى وزارة الخارجية وعملت في السلك الدبلوماسي خلال فترة رئاسة ريغان وشغلت مناصب في سويسرا وباكستان وكينيا وغامبيا ونيجيرا وجامايكا. ثم أصبحت سفيرة في ليبريا، وكانت تشغل منصب مساعد وزير الخارجية في الشؤون الأفريقية عندما أقالها ترامب بعد مرور خمسة أيام على توليه الرئاسة.
هذا وقد وعد السيد بايدن بأن تكون حكومته أكثر حكومة تشتمل على تنوع في تاريخ الولايات المتحدة، فالسيدة توماس غرينفيلد سوداء في حين أن السيد بيت بوتيجيج البالغ من العمر 38 عاماً، مثلي وقد شغل منصب رئيس بلدية ساوث بيند بولاية إنديانا، لذا من المحتمل بعد ظهوره فجأة ضمن الحملة الانتخابية لبايدن أن يحصل على منصب أدنى بقليل مما كان يحلم به، إذ ورد أنه كان يرغب بشغل منصب مندوب الولايات المتحدة لدى هيئة الأمم المتحدة.
أما بالنسبة للسيد كيري، الذي أمضى عمراً وهو يترأس السياسة الديمقراطية التي لم يبزه فيها أحد سوى بايدن، فسينضم إلى الحكومة ولكن في منصب جديد وهو المبعوث الرئاسي الخاص من أجل المناخ. وبذلك سيشغل وزير الخارجية السابق، الذي خسر في الانتخابات الرئاسية لعام 2004 أمام جورج دبليو بوش، منصباً عالمياً سيجول معه كل بقاع الأرض، كما سيكون له مقعد في مجلس الأمن القومي، وسيلعب دوراً محورياً بالنسبة للولايات المتحدة في قمة Cop26 للمناخ التي ستستضيفها المملكة المتحدة في العام المقبل.
ولذلك بعد تعيينه بوقت قصير، غرد السيد كيري على حسابه وقال: “سأعود للحكومة لأعيد الولايات المتحدة إلى المسار الذي يمكنها من خلاله مواجهة التحدي الأكبر الذي ينتظر هذا الجيل والأجيال التي ستأتي بعده، وذلك لأن أزمة المناخ تحتاج على الأقل لمشاركة من قبل الجميع”.
وقد رحب السيد أندرو ستير المدير التنفيذي لمعهد الموارد العالمية بتعيين كيري وقال: “قلة هم الأشخاص الذين يتمتعون بسجل حافل في مجال التغير المناخي في هذا العالم”.
أما أفريل هاينز النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية، فستصبح أول مديرة للاستخبارات القومية في حال حصلت على تأكيد وموافقة من قبل مجلس الشيوخ، وقد سبق لها وأن عملت لدى بايدن عندما كان سيناتوراً.
في حين سيصبح أليخاندرو مايوركاس البالغ من العمر ستين عاماً أول لاتيني وأول مهاجر يتم ترشيحه لشغل منصب وزير الأمن الداخلي، أي في الوزارة التي تشرف على الهجرة. فقد ولد هذا الرجل في هافانا بكوبا لأبوين يهوديين من رومانيا، وفر هارباً عندما كان صغيراً من نظام كاسترو ليعيش في الولايات المتحدة.
الشخصيات اللامعة القيادية التي اختارها الرئيس المنتخب
أنتوني بلينكين
سيتوج بشغله منصب وزير الخارجية لدى إدارة جو بايدن سلسلة المناصب التي شغلها، لكن على ما يبدو يحب هذا الرجل أن ينظر إليه الجميع على أنه عازف غيتار ومطرب، إذ في قسم السيرة الذاتية على حسابه على تويتر وجه متابعيه للبحث عن المقاطع الموسيقية التي ألفها والموجودة على سبوتفاي.
أما مهنياً فيمكن القول بإن السيد بلينكين البالغ من العمر 58 عاماً، يعتبر خياراً تقليدياً، فقد شغل منصب نائب وزير الخارجية ونائب مستشار الأمن القومي أيام باراك أوباما، كما عمل مستشاراً للسياسة الخارجية لدى بايدن في حملته الانتخابية، وكذلك ضمن محاولته الباهتة في عام 2008، وعمل أيضاً لدى الرئيس المنتخب في مجلس الشيوخ.
وقد أمضى فترة طويلة من طفولته في باريس حيث كان يعزف مع فرقة للجاز، لذلك فهو يتكلم الفرنسية بطلاقة.
وهو متزوج من إيفان رايان، التي شغلت منصب مساعدة وزير الخارجية أيام أوباما منذ عام 2002.
جون كيري
يعتبر تعيينه في منصب جديد يركز على المناخ مكافأة لذلك الحليف المخلص الذي شغل مناصب عديدة في السلك الدبلوماسي خلال فترة طويلة تقارب بطولها فترة عمل بايدن في ذلك السلك أيضاً.
فقد دخل السيد كيري البالغ من العمر 76 عاماً مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس في عام 1985، وبما أنه صاحب شخصية رقيقة ومحببة، لذا فقد استغل المدة المهنية الطويلة لديه كنقطة انطلاق نحو السياسة القومية لبلاده. وبعد ترشحه للانتخابات الرئاسية في عام 2004، زعم أن الترشح عن الحزب الديمقراطي مريح إلى حد ما، لكنه خسر أمام جورج دبليو بوش.
ثم عاد السيد كيري إلى مجلس الشيوخ ليخلف السيد بايدن في رئاسة لجنة العلاقات الخارجية صاحبة النفوذ والقوة، وذلك قبل أن يقوم الرئيس أوباما بتعيينه في منصب وزير الخارجية خلال ولايته الثانية خلفاً للسيدة هيلاري كلينتون.
ولقد حيره أمر انحسار حملة بايدن إلى أقصى حد لها في ولايتي أيوا ونيوهامبشاير خلال شهر شباط المنصرم.
جيك سوليفان
إن الرجل الذي سيصبح مستشار الأمن القومي لدى بايدن لابد أنه قد ذهل عندما قرأ بأن الرئيس ترامب يسعى للهجوم على معامل نووية في إيران قبل رحيله عن البيت الأبيض. لذا من أولى المهام التي سيتقلدها السيد سوليفان العودة للتعامل مع إيران بهدف إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015.
ولدى السيد سوليفان البالغ من العمر 43 عاماً سجل حافل يجعل منه أفضل خيار للقيام برد دبلوماسي وليس عسكريا تجاه إيران. لكنه سيتعرض لتحديات ليس فقط في طهران بل أيضاً في الكونغرس في حال احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على مجلس الشيوخ.
ويعتبر السيد سوليفان مهندس كواليس المراحل الأولى من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015. فهو محام درس في جامعة ييل، ولهذا وضع أسس العمل من خلال مكالمة هاتفية مذهلة جرت بين الرئيس أوباما والرئيس الإيراني روحاني في أيلول عام 2013.
جانيت ييلين
في حال موافقة مجلس الشيوخ عليها لتشغل منصب وزيرة الخزانة الأميركية، عندها ستصبح أول شخصية جمعت بين أهم ثلاثة مناصب في السياسة الاقتصادية الأميركية حيث شغلت منصب حاكم الاحتياطي الفيدرالي ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين.
ولدت السيدة ييلين في بروكلين وأصبح عمرها اليوم 74 عاماً، وكانت قد أمضت أربع سنوات فقط في رئاسة المصرف المركزي عندما رفض ترمب التجديد لها، وورد عنه أنه قال لمساعديه إنها قصيرة (إذ يبلغ طولها 1.51) وهذا لا يناسب من يشغل هذا المنصب.
أليخاندرو مايوركاس
أول لاتيني مهاجر يتم تعيينه في وزارة الأمن الداخلي، فقد شغل منصب نائب وزير الداخلية بين عامي 2013-2016، وكان قبل ذلك قد عين مديراً لخدمات التجنيس والهجرة.
ويبلغ مايوركاس من العمر ستين عاماً، فقد ولد في هافانا بكوبا لأب يهودي كوبي وأم يهودية رومانية هربت أسرتها من الاضطهاد النازي. ثم انتقلت عائلته للعيش في كاليفورنيا عندما كان طفلاً، وهناك طلبوا اللجوء السياسي هرباً من كاسترو. وقد عمل محامياً قبل أن ينضم لإدارة أوباما.
أفريل هاينز
يليق بهذه المرأة أن تكون أول مديرة للاستخبارات القومية كونها انخرطت في ذلك السلك في عمر مبكر ولديها سجل حافل فيه. إذ بعد حصولها على درجة الإجازة في الفيزياء النظرية، وعملها في إصلاح محركات السيارات بدوام جزئي، اشترت السيدة هاينز البالغة من العمر 51 عاماً هي وزوج المستقبل حانة صودرت في مداهمة تفتيش على المخدرات، فتم تحويلها إلى مقهى ومكتبة، تعقد فيها أمسيات لقراءة الأدب الجنسي، وبعد مرور ست سنوات سجلت في كلية الحقوق، وبعدها رشحت لمناصب قانونية في الحكومة. وفي عام 2013 عينها أوباما نائباً لمدير وكالة الاستخبارات المركزية، ثم أصبحت في عام 2015 نائباً لمستشار الأمن القومي.
ليندا توماس غرينفيلد
كانت أول ضحية لهدف ترامب الذي يدور حول تطهير المناصب الدبلوماسية، حيث أقيلت من منصبها كمساعدة لوزير الخارجية في الشؤون الأفريقية بعد خمسة أيام من توليه للسلطة.
وخلال الشهور الماضية أخذت تطلب من السيد بايدن أن يسد النقص في المناصب الدبلوماسية عبر استدعاء من أقيلوا أو استقالوا منها خلال ولاية ترامب، والآن ستستفيد السيدة توماس-غرينفيلد البالغة من العمر 68 عاماً من كل ذلك بعدما اختيرت لتكون مندوبة بايدن لدى الأمم المتحدة، كونها قد عينت في السابق سفيرة لبلادها إلى ليبيريا.
المصدر: تايمز/ موقع تلفزيون سوريا