الجوع وكوفيد-19: السوريون يواجهون أزمات إنسانية متداخلة

بينما يستمر عدد حالات الإصابة بكوفيد-19 في الارتفاع في سوريا، فإن البلد يكافح أيضاً جائحة الجوع. ففي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، انتشرت صور على الإنترنت لأشخاص ينتظرون الخبز في أقفاص أعِدّت للمشاة، وهو رمز ليس فقط للأزمة الاقتصادية المتزايدة في البلد، ولكن أيضاً لاستجابة الحكومة غير المسؤولة للجائحة.
وفقاً لتقديرات برنامج الغذاء العالمي، الحائز على جائزة نوبل للسلام لهذا العام، يواجه 9.3 ملايين شخص في سوريا نقصاً حاداً في الأمن الغذائي، مع ارتفاع بمقدار 1.4 مليون شخص في الأشهر الستة الماضية. ويتوقع منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارك لوكوك، أن يواجه 2.2 مليون سوري آخرين نقصاً في الغذاء بحلول نهاية العام. والآن، يؤدّي كوفيد-19 إلى مزيد من زعزعة استقرار الاقتصاد وإبطاء قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدة. ويُعتبر تحرّك المجتمع الدولي أمراً حاسماً، بما في ذلك فتح المزيد من معابر المساعدات عبر الحدود.

حصيلة عشر سنوات من النزاع
بعد ما يقرب من عشر سنوات على النزاع، بات هناك الملايين من السوريين النازحين وأدّت الغارات الجوية والقصف إلى تدمير البنية التحتية. ولقد أثّر العقد الماضي سلباً على تدفّقات الامدادات والإنتاج الزراعي. وتعطّل نقل البضائع إلى سوريا ومنها، وكذلك داخل البلد، حيث أصبحت طرق التجارة أطول وأكثر انعداماً للأمن، مما أدّى إلى ارتفاع التكاليف. وأدّى ارتفاع تكاليف المُدخلات الزراعية، والنزوح، والدّمار الذي لحق بأنظمة الري والأراضي، وتحويل الحقول إلى مخيمات مؤقتة للنازحين، إلى انخفاض عدد المزارعين وانخفاض كميات المحاصيل. وفي عام 2020، تسبّبت حرائق الغابات في حرق حوالي 9,000 هكتار من الغابات والأراضي الزراعية في شمال غرب سوريا. وفي حين أن هذه الحرائق تشتعل سنوياً، فقد دمّر العامان الماضيان أراضي المحاصيل، مما أدّى إلى تدهور المشهد الإنساني وفاقم من المعلومات المضللة وانعدام الثقة. وكانت سنوات الجفاف التي سبقت موسم الحرائق لعام 2019 قد أدّت إلى إجهاد الموارد الزراعية المجتمعية. وفي عام 2017، قدّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أنه منذ بداية النزاع، تكبّدت سوريا خسائر بمقدار 7.5 مليار دولار في المنتجات الزراعية بسبب الأضرار التي لحقت بالمحاصيل وانخفاض الإنتاج.
وأدّت هذه العوامل مجتمعة إلى تقلّص الإمدادات الغذائية وارتفاع الأسعار. حيث أصبحت أسعار المواد الغذائية الآن أعلى عشرين ضعفاً من مستويات ما قبل النزاع، ويُقدّر برنامج الأغذية العالمي أن سلة الغذاء الأساسية تكلّف 76,000 ألف ليرة سورية مقابل 4,000 ليرة سورية قبل النزاع. ويتفاقم ارتفاع الأسعار بسبب النقص، حيث يصعب العثور على المواد الغذائية الأساسية بشكل متزايد. وارتفعت تكاليف الواردات الغذائية، وفي الوقت نفسه ينخفض إنتاج سوريا من المحاصيل، وخاصة القمح. ووجد المزارعون في الشمال الشرقي أنفسهم في خضمّ حرب مزايدة بين الحكومة السورية والسلطات الكردية، لكن لم يتمكن أي من الطرفين من تلبية أسعار السوق. وأجبر نقص العرض الحكومة السورية على الحد من كمية الخبز المدعوم التي يحقّ لكل عائلة سورية شراؤها.
وتتفاقم الأزمة في القطاع الزراعي بسبب الأزمة المالية الأكبر. حيث أدّت الأزمة المصرفية في لبنان إلى مزيد من الاضطراب في الاقتصاد السوري، مما أدّى إلى انخفاض قيمة الليرة السورية وجفاف الاحتياطيات الأجنبية لدى سوريا. ولقد أدّت الدوّامة الاقتصادية إلى وضع العقوبات الأمريكية والأوروبية تحت المجهر. ففي حين أن المساعدات الإنسانية معفاة من هذه العقوبات فنياً، إلا أن هناك حاجة إلى مزيدٍ من الإعفاءات لضمان عدم إعاقة وصول المساعدات دون قصد.
كوفيد-19
يستمرّ عدم الاستقرار والنزاع والسياسات الحكومية التقييدية في الحدّ من الدعم الإنساني الذي يحتاج إليه الكثير من السوريين بشدة، غير أن الأمر قد تفاقم بسبب جائحة كوفيد-19. ومع قيام البلدان في جميع أنحاء العالم بإغلاق حدودها وتغيير بروتوكولات الموانئ، شهدت حركة شحن البضائع على مستوى العالم، بما في ذلك المساعدات، تباطؤا وحالات تأخير. وفي حالة شحنات الطعام، فإن هذا التأخير يهدّد بفساد الطعام ويؤدي إلى هدر الطعام. وتضيف القيود المفروضة على التنقل والسفر وحالات الإغلاق عوائق إضافية أمام السوريين الذين يحاولون الوصول إلى المساعدة الغذائية. وفي نيسان/أبريل، واجه برنامج الأغذية العالمي والمنظمات غير الحكومية قيوداً على التنقل والسفر بين المناطق الريفية والحضرية، وأدى إغلاق المدارس إلى توقف برامج التغذية المدرسية في حلب وإدلب دون بديل لإطعام الأطفال في المنزل. وتؤثر عمليات الإغلاق أيضاً على فرص العمل. ومع إغلاق الحدود السورية وفرض حظر التجول، أغلقت الفنادق والمطاعم أبوابها، وتوقفت المصانع عن الإنتاج، وقلّ عدد الأشخاص الضروريين للعمل في المدارس والشركات الأساسية.
وغالباً ما يضطر السوريون القادرون على الوصول إلى الدعم إلى الانتظار في طوابير طويلة مع قليل من التباعد الجسدي أو انعدامه، مما يُعرّضهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا. ويتعيّن على آخرين اتخاذ خيارات صعبة حول كيفية ترتيب الأولويات بين الطعام والتدابير الوقائية اللازمة لوقف انتشار الفيروس. وكما ذكرت منظمة أطباء بلا حدود في وقت سابق من هذا الشهر، عندما يواجه السوريون خيار شراء الطعام أو أقنعة الوجه والصابون، تكون الأولوية للطعام.

التوصيات
تتطلب الأزمة الحالية استجابة قوية من المجتمع الدولي.
أولاً، هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التمويل. نظراً لوجود تنافس بين اهتمامات المانحين في سوريا وفي جميع أنحاء العالم، تستمر أوجه القصور في التمويل الإنساني للإغاثة الغذائية الطارئة في سوريا. وفي آب/أغسطس، وبسبب نقص التمويل، خفض برنامج الأغذية العالمي السعرات الحرارية في السلال الغذائية للمستفيدين في سوريا. ويُعزى نقص التمويل إلى حدٍ كبير إلى اعتماد البرنامج على التمويل المخصص، مما يجعل الاستجابة لحالات الطوارئ صعبة وبطيئة. ويتعيّن على المانحين تقديم أموال غير مقيدة للسماح لبرنامج الأغذية العالمي للاستجابة بسرعة لهذه اللحظة من الأزمة العالمية.
ثانياً، يجب إعطاء الأولوية لحركة المساعدات الإنسانية واعتبارها ضرورية في سوريا وعلى الصعيد الدولي. حيث تؤدّي حالات التأخير في الشحنات والقيود المفروضة على الموظفين إلى إبطاء توصيل المساعدات وزيادة التكاليف لتوصيل السلال الغذائية إلى المناطق الريفية والمناطق التي يصعب الوصول إليها. واقتضت ساعات العمل القصيرة للسوق، وانخفاض عدد عمليات توصيل المساعدات بسبب إغلاق المعابر الحدودية، والقيود المفروضة على السلع المدعومة، زيارات أكثر تكراراً للأسواق التي غالباً ما تكون مزدحمة. وينبغي إشراك الجهات الإنسانية الفاعلة في النقاشات حول قيود التنقل والسفر وتدابير الإغلاق الأخرى، لضمان عدم إعاقتها لوصول المساعدات الإنسانية.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي أيضاً إعطاء الأولوية لوصول المساعدات الإنسانية. حيث أدّى استمرار إغلاق معبري باب السلام واليعربية إلى بطء توصيل المساعدات وإعاقة الوصول.
ومع استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية وتفاقم الأزمة الاقتصادية، يؤكّد المركز السوري للعدالة والمساءلة أن الحكومات التي تفرض عقوبات على سوريا يجب أن تقدّم إرشادات واضحة وتخفيفاً للمخاطر بشأن الإعفاءات الإنسانية للمنظمات غير الحكومية والقطاع المصرفي. ويجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية ضمان أن العقوبات لا تستهدف أو تُعرقِل المساعدات الإنسانية الهادفة إلى مكافحة كل من كوفيد-19 والجوع.
أخيراً، يواصل المركز السوري للعدالة والمساءلة حثّ الحكومة السورية على التحلّي بالشفافية بشأن أزمة كوفيد-19 وقبول الدعم من منظمة الصحة العالمية والمنظمات الأخرى. ويجب على الحكومة السورية أن تسمح بتوصيل المساعدات على وجه السرعة من خلال تقليل القيود المفروضة على المنظمات الدولية، والسماح بتتبّع صارم للمخالطين، وتقليل العوائق الاقتصادية التي تحول دون فحص وتلقّي العلاج لأولئك الذين يصابون بكوفيد-19. وعلاوة على ذلك، يجب أن يستمر توزيع معدات الحماية الشخصية وأن يتم توسيع نطاقه للوقاية من كوفيد-19.

للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على info@syriaaccountability.org. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.

المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى