محاكمة “رسلان”..  “ديب زيتون” تنصل من مساعدته لأنه سني، ومملوك منعه من التحقيق في تفجير أمن الدولة

 ما تزال محاكمة الضابط المخابراتي المنشق “أنور رسلان” تواصل جلساتها أمام القضاء الألماني، وما يزال في جعبة الشهود والمعنيين ما يدلون به بشأن “رسلان” ذاته، وبشأن الأدوار التي قامت بها مخابرات الأسد في مواجهة الحراك الثوري.

وفي هذا الإطار، أدلى الصحافي الألماني “كريستوف رويتر” بما لديه من معلومات ومشاهدات تخص الوضع السوري، باعتباره خبيرا بهذا الوضع وملما بكثير من ظروفه، من خلال تحقيقاته الصحفية التي كتبها بنفس استقصائي عميق.

بداية، قدم “رويتر” نفسه لهيئة محكمة “كوبلنز” بوصفه صحافيا يبلغ من العمر 52 عاما ويقيم في بيروت، منوها بأنه سبق أن درس في سوريا عام 1989، وتمكن من إجادة اللغة العربية والتعرف إلى سوريا بشكل كاف.

وعندما اندلعت الثورة السورية، حرص “رويتر” على المبادرة لتغطية أحداثها، ونجح في دخول سوريا عدة مرات بصفة مراسل لـ”دير شبيغل”.

وحسب ما نقل موقع “ليفانت” في تغطيته لوقائع الجلسة، فقد تطرق “رويتر” إلى علاقاته ببعض السوريين، التي وفرت له فرصة للتعرف على آرائهم بخصوص مستقبل البلاد مع اندلاع الاحتجاجات، وكان الصحافي الألماني حينها يكافح للوقوف على حقيقة أو زيف ما ادعاه وكرره النظام حينها عن وجود “جهاديين” ممولين من الخارج، ولاسيما “جبهة النصرة”.

وأثناء بحثه عن الحقيقة وغوصه أكثر في المسألة السورية، استطاع مقابلة شخصين من “بابا عمرو” بحمص، أخبراه عن نقطة لتجميع الجثث وترميزها وتصويرها قبل نقلها بشاحنات مبردة، وكان ذلك في ربيع عام 2012، كما التقى بجندي في جيش الأسد بحالة نفسية مضطربة، حيث أخبره هذا العسكري عن طبيعة عمله الذي استمر حتى شهر آذار 2012، وملخصه “توضيب الجثث وتحضيرها للنقل”، وتحدث العسكري يومها الكوابيس التي ما زالت تطارده، جراء مناظر الجثث والأشلاء، حين يستيقظ فجأة وهو يقول: “أحمد أعطني تلك الساق، يوسف ما يزال لديك قطعة من هذا الجسد”.

هذه الرواية أكدها لاحقا طبيب منشق، أدلى بتفاصيل مشابهة أو متطابقة، وعندما سُئل “رويتر” عن أصحاب هذه الجثث وطريقة موتهم، أخبر القضاة أنّ الكثير منهم كان من منطقة بابا عمرو التي استولى عليها الجيش وقتل المئات والآلاف في ذلك الوقت، فضلا عمن قتلوا عند الحواجز العسكرية، ومن قضوا في الأفرع الأمنية، وكان عدد الجثث حينها يمكن أن يصل إلى 400 جثة في اليوم الواحد.

وأكد “رويتر” أنه حضر عدة مظاهرات في سوريا، وأنه شهد بعينه أحيانا كيف كان النظام يطلق النار على المتظاهرين، وجراء ذلك سقط المئات من الضحايا في الأشهر الأولى، وكان النظام يدعي بأن من يطلقون النار هم جهاديون، وكانت غاية الأسد حينها، حسب “رويتر” أن يظهر نفسه بوصفه “أهون الشرين”.

وتابع الصحافي الألماني، موضحا أنه مع بداية عام 2012 وإبادة بابا عمرو بدأت الحرب المفتوحة، حرب النظام ضد الشعب، تفاجأ بأن العنف لم يثنِ الناس عن الخروج بالمظاهرات، بل كانت أعداد المتظاهرين تتزايد، كانوا يعلمون أنهم سيعتقلون ويعذبون ولكنهم سيخرجون، حيث لم تكن الاعتقالات ببداية الثورة تستمر لفترات طويلة، كان هذا فقط في البداية، ولكن سرعان ما تحول الأمر بداية عام 2012 إلى الإخفاء القسري، كان الأمن يعتقل المتظاهرين ويخفيهم.

في تلك الفترة انصب اهتمام “رويتر” على الجهاديين كتنظيمات سياسية، وحزب الله كتنظيم عسكري، ولأجل ذلك اهتم بشكل خاص باللواء “علي مملوك” وأمن الدولة، لأنّ “مملوك” عمل مع “آصف شوكت” وشارك في نقل الجهاديين الأجانب إلى العراق قبل عام 2011.

تحدّث عن “رويتر” وجود تسجيلات صوتية للقاءات بين تنظيم “الدولة” وحزب الله وآخرين عن كيفية صنع سيارة مفخخة وكيفية شنّ الهجمات. لقد كان “مملوك” العقل المدبر لهذه الأنشطة وحافظ على اتصالاته مع طهران ولبنان.

وعن بداية معرفته بـ”أنور رسلان”، قال “رويتر” إن ذلك كان في عام 2013 في الأردن، حيث التقى الصحافي هناك نائب رئيس شرطة درعا سابقا (إ.ج)، وهو من أوصله إلى “رسلان” بعد أن قال له: “إذا كنت تريد مقابلة شخص يمكنه أن يروي بتفصيل كبير كيف يدير نظام الأسد الإرهاب الجهادي المزعوم، فعلينا أن نلتقي رسلان، رئيس قسم التحقيق في أمن الدولة”.

وبالفعل تم لقاء “رسلان” في شقة الأخير بالعاصمة عمّان، ثم جمعهما لقاءان آخران بتاريخ 13 و14 من شهر أيار 2013، وعندما قدم “رسلان” إلى ألمانيا اجتمع “رويتر” معه مرتين خلال عامي 2014 و2015.

كان محور الحديث مع “رسلان” في الأردن، عن الجهاديين والقاعدة والانتحاريين الذين دخلوا سوريا من عدة دول أخرى، مثل ليبيا والسعودية، وكيف عبروا الحدود السورية وتسهيل الدولة ودورها في ذلك، ثم تحدّث معه عن بداية العام 2011 وعن الانفجارات التي حدثت حينها في سوريا، وتطرقا بالخصوص إلى انفجار 23.12.2011 في مجمع أمن الدولة بكفرسوسة، والذي تلاه اجتماع بين علي مملوك و”رسلان”، حيث قال الأخير لمملوك إنّه يريد أن يعرف من أحضر السيارة المفخخة إلى المجمع المخابراتي، ويريد فتح تحقيق في الأمر، لكن مملوك الذي بدا مرتاحا جدا بحسب رسلان، قال: “لا داعي لذلك”، الأمر الذي جعل “رسلان” يعتقد أنّ مملوك يريد استثمار الحادثة واستغلالها أمام الرأي العام العالمي لإثبات وجود الإرهاب في سوريا، وقد تأكد “رويتر” من هذا من مصدر آخر، وحصل على إشارة من مساعد لـ”علي مملوك” تفيد أن التفجير كان مدبرا.

تحدّث رسلان مع “رويتر” عن النصرة التي ظهرت وأعلنت عن نفسها كمجموعة جهادية، ولكن بالحقيقة، حسب قول “رسلان” لم تكن موجودة حينها.

لم يتطرق الحديث مع “رسلان” حينها إلى طبيعة عمله السابق في فرع الخطيب، كما لم يتم التطرق إلى التعذيب هناك، لأنّه كان من الواضح أنه موجود، وأن كلاً من “رويتر” و”رسلان” متفقان على هذه النقطة، ورغم ذلك تحدث “رسلان” عن أدوات وطرق التعذيب بالفرع، خاصة الكبل والفلقة.

أما عن انشقاق “رسلان” وأسبابه، فقد برر الأخير لـ”رويتر” خطوته بالقول إنه كان منزعجا جدا من تزوير نتائج التحقيقات وتجييرها لصالح وجود إرهاب في سوريا، وأيضا من التعذيب غير المبرر لأبرياء لا يملكون معلومات بالمطلق، مشيرا إلى مقاطع مفبركة تظهر مجاهدين مزيفين تم تصويرها في أبنية المخابرات التابعة للنظام.

وأخبر “رسلان” الصحافي الألماني أنّه انشق لأنه لا يستطيع قبول التعذيب الجماعي والقتل، بالإضافة لوجوده تحت ضغط كبير كونه من منطقة الحولة، التي ثارت ضد النظام، وهنا كان عليه في هذه الحالة خياران: “إما أن يعطي أكثر من غيره ليثبت ولاءه أو يغادر، وبكل الأحوال لن يكون مصدرا للثقة”. ومن جملة ما باح به “رسلان” أن الضغط زاد عليه بعد عام 2011، لوجود توتر بينه وبين “حافظ مخلوف” على خلفية رغبة “رسلان” إطلاق سراح أشخاص لا يملكون أي معلومات، مشيرا أن اللواء “ديب زيتون” دعمه كثيرا في مساعيه في الفترة الأولى، ولكن بعد ذلك قال له: “لا أستطيع مساعدتك، مذهبك السُّنِّي مشكلة”.

وهنا علق “رويتر” أمام المحكمة والحضور: “لقد شعر رسلان بالمرارة لأنّ الأجهزة الأمنية زعمت أن كل سني هو في الأساس غير موال حتى يثبت العكس. لقد أساء إليه ذلك لأنه عمل مع النظام لمدة 35 عاما”.

وحسب “رويتر” فقد كان “رسلان” يأمل بعد انشقاقه أن يواصل عمله كمحقق، سواء في سوريا أو في مكان آخر، لكن ليس تحت سلطة الأسد بالتأكيد.

ووفقا لشهادة الصحافي الألماني فإن “رسلان” يمتلك ذاكرة تصويرية قوية جدا، مكنته من وصف الكثير من التحقيقات والمحادثات والمواقف دون الرجوع لأي ملف، ولكن “رويتر” لا يعرف إن كان “رسلان” قد سلم أياً من الملفات التي لديه للمعارضة أم لا.

سألت المحكمة “رويتر” إن كان يعتقد أن يكون “رسلان” غير مُلمّ بما حدث في مكان عمله وضمن نطاق مسؤوليته، فأجاب بأنّه لا يتوقع ذلك، لأن “رسلان” شخص شديد الانتباه ولديه ذاكرة خارقة ولم يبد له شخصا قليل الاكتراث.

المصدر: زمان الوصل

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى