تسع سنوات من حرب قادتها ميليشيات الأسد ضد السوريين، خلّفت مئات الآلاف من القتلى وملايين الجرحى واللاجئين والمهجّرين داخل البلاد وخارجها، واستُعملت فيها جميع أنواع الأسلحة التقليدية والمحرمة دوليًّا، وفُرّغت مدن بكاملها من سكانها ليحلّ بها آخرون من جنسيات أجنبية موالية للنظام، استُقدمت من لبنان وإيران والعراق وأفغانستان. كل ذلك تم تحت سمع العالم وبصره حيث لم تحظَ حرب في الدنيا ما حظيت به هذه الحرب من تغطية إعلامية وتوثيقات تكاد تصل إلى البث الحي والمباشر والذي يوضح استهداف المدنيين والمشافي والأسواق والمدارس من قبل الطيران الأسدي الذي أمعن في الإجرام والوحشية ضد الشعب السوري، وبمباركة من حليفيه الإيراني والروسي الذي استخدم حق النقض “الفيتو” عدة مرات لاستمرار هذه الفظائع.
يضاف إلى ذلك انتهاكات تنظيم “داعش” الذي هجّر كثيرا من سكّان القرى والمدن الذين قاتلوهم وناهضوا اعتداءاتهم. ولم يعد يخفى على أحد أن “داعش” صناعة أميركية أسدية تمّ فلتها من السجون لتنشر الإرهاب في المنطقة وتبرّر الحرب التي تشنّها أطراف متعدّدة على الشعب السوري لنهب خيرات سوريا وتركيع شعبها.
وكذلك ممارسات الإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي قام بتهجير عدد كبير من سكّان القرى وقام بتخريبها بحجة انتماء سكّانها إلى تنظيم داعش.
لذلك ونظراً لزيادة التعقيدات السياسية والعمليات العسكريّة والاختلافات الدوليّة كان قرار الأمم المتحدة بإنشاء صندوق تمويل إنساني في تركيا تحت إدارة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وتم فتح مكتبين في مدينة غازي عنتاب وأنطاكيا إضافة لمكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
وكان مشروع تركيا بإقامة منطقة آمنة داخل الحدود السورية، أحد الحلول المطروحة لمعالجة مشكلة اللجوء والهجرة، لا سيما أن تركيا تستضيف أربع ملايين لاجئ، وهي تريد أن تعيدهم إلى سوريا بعد بناء مخيمات ومدن آمنة ومحمية جويّاً من قبل حلف الناتو، بحيث تتم حل مشكلة المهجّرين السوريين إلى أوروبا مقابل أن تمنح أوروبا المواطنين الأتراك فيز الدخول إليها.
وقد توصّل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مع تركيا يتضمن خطة متكاملة لمعالجة أزمة اللاجئين الحالية وأهم بنود هذا الاتفاق هي مساعدة تركيا لمنع المهاجريين من مغادرة أراضيها والعمل على إبقائهم فيها مقابل حصول تركيا على مساعدات مالية كبيرة من قبل الاتحاد الأوروبي. وكذلك تم الاتفاق على أن المهاجرين الذين يستطيعون دخول الاتحاد الأوروبي ستتم إعادتهم إلى تركيا.
وقد تمّ تعريف اللاجئ بأنه إنسان هرب من بلاده نتيجة للحرب أو لأنه ملاحق بسبب عرقه، أو دينه، أو قوميته، أو انتمائه إلى حركة اجتماعية معينة، أو معتقداته السياسية، وتم الاعتراف به كلاجئ في دولة اللجوء التي وصل إليها. وطالب حقّ اللجوء يتم فحص وضعه في الدولة التي وصل إليها: هل يستحق مكانة لاجئ؟ وإلى أن يتمّ اتّخاذ قرار في قضيّته، يتم تعريفه بصفته “طالب حقّ اللجوء”. هناك أناس يصبحون لاجئين بشكل فردي (العلماء والمفكرون والفلاسفة والمعارضون السياسيون)، وهناك مجموعات كبيرة من اللاجئين (كما يحدث للسوريين منذ تسع سنوات، حيث يهرب كثير من المواطنين من سوريا بسبب الحرب والقصف المتواصل من النظام وحلفائه، وبسبب المذابح التي تتهدّد حياتهم من داعش والمتطرفين، وبسبب الخطف الذي يتعرض له الناس من لصوص بعض الفصائل.
هؤلاء اللاجئون، الذين يتهدّد الخطر حياتهم وحقوقهم في بلادهم، يطلبون حقّ اللجوء السياسي في دول أخرى.
وقد اعتُمدت اتفاقية اللاجئين لعام 1951 بعد الحرب العالمية الثانية، عندما هُجّر مئات الآلاف من اللاجئين في جميع أنحاء أوروبا. وتم تعديل المعاهدة في عام 1967، لتشمل اللاجئين من جميع أنحاء العالم. ورأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اللاجئين يستحقون نفس معايير المعاملة التي يتمتع بها غيرهم من المواطنين الأجانب في بلد معين، وفي كثير من الحالات نفس المعاملة التي يتلقاها مواطنو هذا البلد. وعلى مدى عقود، أعيد توطين أكثر من 50 مليون لاجئ. وقد وقعّت 142 دولة على كل من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول عام 1967. بعضها انضم للمعاهدة منذ عدة عقود، والبعض الآخر انضم منذ بضع سنوات.
وتأتي الأغلبية العظمى من اللاجئين من ثلاثة بلدان هي: العراق، حيث يهاجر الشعب فرارا من وحشية داعش، وأفغانستان، التي دمرتها الحرب، وسوريا، حيث يتعرض المدنيون لهجمات من داعش وهجمات عشوائية ناجمة عن وحشية بقايا قوات النظام المدافع عن الأسد ونظامه البائد.
ومن حقوق اللاجئين عدم إعادتهم إلى بلدانهم، كما يتمتع اللاجئون بالعديد من الحقوق
الأخرى، بما في ذلك: – الحماية القانونية من الملاحقة بتهمة الدخول غير القانوني للدول المشتركة في المعاهدة، والحق في السكن، والحق في العمل، والحصول على التعليم وعلى المساعدات العامة، والحق في الحصول على وثائق الهوية والسفر.
وبالرغم من كل ما يحصل عليه اللاجئ فإنه يعاني من الاضطرابات الاجتماعية التي تحصل للمهاجر في غربته، ويعاني في مسألة الهوية التي تتأرجح بين ثقافته في بلده الأم والثقافة الجديدة التي تريد إكسابه الصبغة الاجتماعية في الدول المستضيفة.
إن اللاجئ يكون عرضة للإحباط والاكتئاب وتدنّي الشعور بالثقة والشعور بالوحدة، فتغدو أفكاره معزولة عن الواقع الجديد الذي يعيشه. فهو يعاني من صعوبات التكيّف الثقافي والاجتماعي والحياتي والمكاني. فهناك فرق كبير في العادات والتقاليد التي نشأ عليها. من هنا نرى أن اللجوء يؤدي إلى اضطراب في العلاقات الأسرية قد يصل إلى حد العنف نتيجة البيئة الجديدة وتباين الرؤى بالقيم بين المجتمعين الشرقي والغربي.
في ظل ذلك لابد لنا من التفكير في عدة قضايا، منها:
1- إنشاء مركز دراسات يعنى بدراسة أوضاع اللاجئين السوريين، من حيث العمر -التعليم -الجنس-الحالة الاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة دمج المهجّرين في البلاد التي هُجّروا إليها.
2- العمل على تشكيل نواة في تجمعات اللاجئين السوريين بهدف الترويج لطروحات الثورة السورية وإبقاء اللاجئ على تماس مع الوطن الأم.
3- الطلب من الحكومة التركية منح إقامات دائمة للسوريين معفاة من الرسوم، ومنح تراخيص للمشاريع التجارية، واعتماد جوازات السفر منتهية الصلاحية لتجنّب السوريين الحاجة إلى السفارات والقنصليات السورية التي تبتز السوريين، وتفعّل أدوار السماسرة لتحصل على مزيد من سرقات ما في جيوب السوريين مقابل الحصول على وثائقهم.
4- تشكيل فريق أو مجموعة عمل تضم سياسيين وحقوقيين واختصاصيين اجتماعيين وإعلاميين للعمل على تحسين وضع اللاجئ السوري في تركيا ودول الجوار وتنمية الوعي بمخاطر اللجوء المختلفة للحد من لجوء السوريين إلى دول العالم. وكذلك للضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لإيجاد حل جذري القضية السورية وإزالة الأسباب التي تضطر السوري للهجرة واللجوء.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا