شكل التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية في 30 سبتمبر/ أيلول تحولاً كبيراً في الثورة السورية العظيمة، نظراً للنتائج التي ترتبت عليه لجهة الخلل الذي أحدثه في موازين القوى، التي بدورها مكنت عصابة الأسد من سحق مناطق كاملة واستردادها من أهلها، بعد أن عجزت عن ذلك طيلة سنوات مع حلفائها من العصابات الإيرانية، وغيرها من الميليشيات الطائفية.
فبعد عام ونيف تمكنت عصابات الأسد المجرمة من السيطرة الكاملة على مدينة حلب، في أواسط شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، بعد أن أحدثت القوات الروسية فارقًا كبيراً، بدأ مع أولى الضربات الجوية للمدينة في أكتوبر/ تشرين أول من عام 2015، التي كانت بمثابة إعلان رسمي عن التدخل المباشر، لتتوالى بعد ذلك التحولات في معظم المناطق الخارجة عن سيطرة جيش الأسد، وصولاً الى اليوم، حيث يبدو معه مصير محافظة إدلب غامضاً، ومعها ما يزيد على ثلاثة ملايين من المهجّرين والنازحين ومن سكانها الأصليين.
خمس سنوات مرت على الغزو الروسي، وماتزال سياسة الكرملين على ثباتها في دعم الأسد، ومحاولات إعادة تعويمه وتثبيته، بالرغم من العديد من الإشارات المضللة عن استعدادها للبحث في مصيره ومستقبله، ولعل زيارة الوفد الروسي بداية سبتمبر/ أيلول الفائت إلى دمشق برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء يوري بوريسوف وعضوية وزير الخارجية سيرجي لافروف وما تمخض عنها أوضح دليل على التمسك بالأسد ونظامه، وهي التي غطته سياسيًا في المحافل الدولية واستخدمت حق النقض (الفيتو) مرارًا لكي لا تطاله العدالة الدولية، وتمكنه من الإفلات من العقاب.
قيل الكثير عن التدخل الروسي، وأسبابه، ولكن يهمنا التأكيد على أنه بالرغم من مضي خمس سنوات على هذا الغزو فإن نتائجه السياسية والعملية على صعيد الحل النهائي حتى الآن محدودة وغير مضمونة، بالنظر إلى الغايات المرجوة منه، فروسيا لم تستطع للآن القضاء على الثورة السورية نهائيًا، وهي ما تزال تتخذ أشكالًا متعددة، ولم تتمكن من جر “المعارضة” التي يمكن أن يقال عنها وبحقها الكثير والكثير جدًا، إلى تنازلات كبرى، رغم مساري سوتشي والآستانة، ولم تستطع إعادة تعويم الأسد وفك العزلة عنه، بل إن هذه زادت مع (قانون قيصر) الأميركي، ولم تتقدم قيد أنملة في مسعاها لإعادة المهجرين والنازحين، بل وبشكل قاطع تم دوليًا ربط هذا الملف بإنجاز الحل السياسي، ومثله ملف إعادة الإعمار الذي تتطلع إليه بنهم ورغبة شديدتين، وسعت إلى ذلك في جولات محمومة شملت العديد من دول المنطقة والاقليم.
في السياق ذاته، فإن المهمة التي تعهد بوتين لشعبه بإنجازها في أربعة شهور فقط، استمرت حتى الآن، خمس سنوات، دون توقعات بتحقيق شيء حاسم لمصلحتهم، كما مزاعمه بمحاربة “الارهاب” زادت من شحوب صورة روسيا العالمية كقوة غاشمة تمارس القتل وتروع المدنيين وتهجرهم، وتمنع عنهم أسباب الحياة، وتعطل الإرادة الدولية، حتى في تقديم الدعم الاغاثي، لمحتاجيه ومستحقيه، كما جرى في مجلس الأمن، إلا عبر نظام الأسد الفاقد للشرعية والمعروف والمكشوف بلصوصيته و”تعفيشه” لكل شيء، وأي شيء، وهذا ما يزيد في عزلتها الدولية بينما تواجه التحدي الأميركي والأوروبي في مناطق أخرى من العالم، في إطار وسياق محاولات استعادة دورها الدولي وموقعها ومكانتها فيه، على حساب تطلعات الشعوب للحرية والاستقلال.
في المقابل، شجع الغزو الروسي دولًا أخرى على التورط والتدخل في الساحة السورية، ومن تشابك المصالح وتعقيدها، وجعلت منها ساحة صراع وتصفية حسابات إقليمية ودولية، وفجر نزاعات بينها وبين حلفائها، مما زاد من حدة الاستقطابات بين المحاور الداخلية المتنافسة، وساهم في تفجير تناقضات سورية وطنية بين مكونات الشعب السوري، الأمر الذي ضاعف من معاناة السوريين وآلامهم، وزاد من المخاطر التي تهدد مستقبلهم كشعب وهويتهم الوطنية الواحدة، ووحدة كيانهم، كما إنه كشف حجم السقطات الفادحة التي وقعت بها الثورة خلال سنواتها التي سبقت الغزو الروسي، لجهة خطابها وتنظيم قواها خصوصًا منها العسكرية، والسياسية التي تصدرت المشهد بوهم الاعتراف الدولي.
إن محصلة الحرب الروسية الهمجية على شعبنا خلال سنواتها الخمس، لا تتضمن سوى الإبادة والتهجير والتدمير، أما على الصعيد السياسي فلم تنجز سوى الفشل الذريع، والإخفاق التام. وكشفت مدى أكاذيب بوتين ودولته التي أطلقها في بداية الغزو عن الحل السياسي الذي سيؤدي إلى السلام في سورية، لتضاف إلى سجل حافل في الإجرام، وفي بقاع أخرى من العالم أقربها إلى الذاكرة ما اقترفه بوتين وجيشه من إبادة شاملة، وجرائم وانتهاكات مروعة في الشيشان نهاية القرن الماضي والعشرية الأولى من القرن الحالي، استطرادًا لتاريخ مخجل وملطخ بالعار، يمتد قرنين كاملين، حافل بالمذابح الوحشية ضد شعوب القوقاز المسلمة لإخضاعها أو إبادتها.
المصدر: اشراق