ردد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في عدة مناسبات، أن روسيا هي التي حالت دون سقوط نظام بشار الأسد، حين تدخلت عسكريا لحمايته قبل خمس سنوات، في مثل هذا اليوم، في الثلاثين من أيلول عام 2015. وشدد رئيس الدبلوماسية الروسية “إننا واثقون من أن قرارنا كان صائبا، عندما استجبنا لطلب حكومة سوريا الشرعية، علما بأن عاصمة هذه الدولة العضو في الأمم المتحدة، كان يفصلها آنذاك أسبوعان أو ثلاثة أسابيع عن السقوط بأيدي الإرهابيين”.، وزعم الوزير، الذي صار بمنزلة وزير خارجية سوريا أيضا، “أعتقد أنه أمر مهم للغاية، مهم بالدرجة الأولى، للحفاظ على سوريا كدولة علمانية متعددة الإثنيات والطوائف، وفق ما يقتضي قرار مجلس الأمن الدولي”.
يفاخر الروس بأنهم سبب الجزء الأساسي من مأساة الشعب السوري، تلك المؤرخة في السنوات الخمس الأخيرة. أما السنوات الخمس التي سبقتها فيتم تحميل إيران المسؤولية الأساسية عنها، ولكن القراءة الموضوعية تؤكد أن هناك شراكة إيرانية روسية منذ البداية، ولا يمكن اعتبار 30 من أيلول 2015 بداية التدخل الروسي في سوريا، فقبل ذلك هناك قضية كيماوي الغوطة في 21 من آب 2013 كمحطة أساسية في الثورة السورية، بالإضافة إلى مواقف روسيا في مجلس الأمن والمحافل الدولية. ومن دون شك فإن التدخل الروسي العسكري الرسمي دشن مرحلة أكثر وحشية، ونقل المسألة السورية نحو مرحلة جديدة، وشكل نقطة فصل، ولم يغير اتجاه الوضع الميداني فحسب، بل قضى على كل أمل لدى السوريين في إحداث تغيير سياسي فعلي في المدى المنظور.
ومن المعروف أن التدخل الروسي جاء ليعالج الفشل الإيراني العسكري في سوريا، وقامت إيران بطلب المساعدة العسكرية الروسية، كما ورد في اعترافات عدة مسؤولين إيرانيين. وكشف وزير الدفاع الإيراني السابق حسين دهقان أن القائد السابق لفيلق القدس قاسم سليماني هو الذي اقنع روسيا بالتدخل، وأشار إلى أنه رغم رغبة الروس بقيادة المعارك إلا أن “شهرة سليماني جعلتنا نتفق مع موسكو على أن تقود إيران المعارك على الأرض، فيما تقدم روسيا الدعم الجوي والمشورة للنظام السوري”. وأضاف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل التعامل مع سليماني “ليس لأنه قائد عسكري، إنما لقدرته على إدارة الملفات ودوره السياسي”.
كلما تقدم الوقت يزداد تشبث روسيا بنظام الأسد، فالفوائد التي تجنيها تذهب بعيدا، ومنها أنها تستغل الورقة السورية لتحقيق مكاسب في أكثر من مكان.
الشراكة الروسية الإيرانية التي تمت منذ خمس سنوات صارت مبنية على أساس أن تقتل روسيا من الجو وإيران على الأرض، ولكنها قائمة منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011، رغم أن الأهداف تختلف، وهذا ما يظهر جليا على الأرض اليوم، حيث يتنازع الطرفان على المكاسب الاقتصادية والسياسية والأمنية، وكلما طال الوقت تزداد المسافة اتساعا بين موسكو وطهران، ولكن ليس إلى درجة تناقض المصالح، ولا يزال بشار الأسد يشكل القاسم المشترك بينهما، ولكن لكل منهما مآربه، الراهنة والبعيدة المدى.
ومع الوقت تتضح خريطة الأطماع الروسية، ويتكشف أن العلمانية وتعدد الإثنيات وحقوق الأقليات ليست سوى كليشيهات فارغة من المضمون، يرددها الروس من أجل الاستهلاك الإعلامي، وهم يعرفون أكثر من غيرهم أنهم يحرسون نظاما ارتكب عددا لا يحصى من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتبقى أكبرها جريمة الغوطة في آب 2013 حين استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل، وتدخلت روسيا لحمايته من الضربة العسكرية، وعقدت صفقة مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تمكنت بمقتضاها من وقف الضربات الجوية الأميركية والأوروبية ضد نظام الأسد، وهنا كانت أهم محطة في الحماية الفعلية وليس في 30 من سبتمبر 2015 فقط. ومن نافل القول إن الحماية لا تقتصر على منع سقوط النظام عسكريا، بل في تغيير وجهة موقف المجتمع الدولي الذي بدا عازما على معاقبة الأسد، ومنذ ذلك الحين بنت روسيا سور حماية دبلوماسيا على المستوى الدولي، ومنعت صدور كل قرار يمكن أن يؤثر على النظام، وخصوصا في مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية، ولا يزال النظام طليقا رغم أنه ضالع بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وكلما تقدم الوقت يزداد تشبث روسيا بنظام الأسد، فالفوائد التي تجنيها تذهب بعيدا، ومنها أنها تستغل الورقة السورية لتحقيق مكاسب في أكثر من مكان، ومن ذلك ضم شبه جزيرة القرم، والدخول في مقايضات مع أميركا وإسرائيل وإيران وحتى السعودية التي كشف أحد مسؤوليها الأمنيين الكبار، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان صاحب دور أساسي في إقناع روسيا بالتدخل في سوريا، بذريعة إحداث توازن مع الوجود الإيراني.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا