ما دوافع تعويم قادة ميليشيات موالية للنظام المخلوع وإيران في سوريا؟

خالد الخطيب

أثار الظهور العلني لعدد من قادة الميليشيات المرتبطة بالنظام المخلوع وإيران، في مناسبات رسمية وشبه رسمية داخل سوريا، موجة واسعة من الجدل والغضب الشعبي، وسط تساؤلات متزايدة حول دوافع هذا التعويم المفترض وتداعياته السياسية والأخلاقية، في مرحلة يفترض أن تقوم على العدالة الانتقالية والمحاسبة، لا إعادة تدوير الشخصيات المتورطة بالانتهاكات.
صور تفتح باب الأسئلة
أحدثت صورة لحمزة المرعي، أحد قادة ميليشيا “لواء الباقر” سابقًا، صدمة واسعة بعد ظهوره في معرض عسكري إلى جانب المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، فالمرعي، الذي ارتبط اسمه بميليشيا دعمتها إيران ونشطت في حلب ودير الزور وشاركت في معظم معارك قوات النظام المخلوع ضد المعارضة السورية سابقاً، لم يكن الحالة الأولى، إذ سبق أن ظهر عمر الحسن، المسؤول السياسي السابق للواء وممثله في مجلس الشعب، في صور مشابهة برفقة مستشار الرئيس لشؤون العشائر، جهاد عيسى الشيخ، في أكثر من مناسبة بحلب.
وتزامن ذلك مع إعادة افتتاح “مضافة الباقر” في حي البللورة، بعد إزالة صور قادة الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وحسن نصر الله عن جدرانها، في خطوة اعتبرها ناشطون محاولة لتلميع الماضي وإعادة تقديم شخصيات ارتبطت مباشرة بالمشروع الإيراني في سوريا.

وصمة عار
الصحفي ميلاد شهابي قال لموقع تلفزيون سوريا إن “ظهور شخصيات ارتكبت جرائم حرب هو وصمة عار على جبين كل مسؤول في الدولة السورية الجديدة” وأضاف أن ما يجري لا يقتصر على المجالين العسكري والأمني، بل يمتد إلى تدخلات عشائرية هدفها محو سجل هذه الشخصيات وتبييض صورتها.
وأشار شهابي إلى أن “إعادة تعويم شبيحة النظام المخلوع باتت ظاهرة مقلقة” مضيفًا أن الحملات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها بعض المحافظات تستخدم كغطاء لإعادة إدخال هذه الأسماء إلى المشهد العام، في تجاهل واضح لحقوق الضحايا.
وبحسب شهابي، عادت شخصيات اقتصادية ارتبطت بتمويل ميليشيات النظام المخلوع إلى الواجهة، من بينها فارس الشهابي، عبر الذراع الاقتصادي لعائلته، ممثلًا بشقيقه أيمن الشهابي، القنصل الفخري لجنوب أفريقيا، الذي رعى مؤخراً حملة “حلب ست الكل”. ويرى متابعون أن هذا النوع من الظهور يعكس اعتماد بعض الأطراف على النفوذ الاقتصادي لإعادة التموضع سياسياً واجتماعياً، مستفيدين من ضعف آليات المحاسبة وغياب الشفافية في إدارة الملفات القضائية.
قضاء عاجز ومحاسبة غائبة
يشكو ناشطون حقوقيون من تمييع متعمد للقضايا المرتبطة بجرائم الحرب، ويقول شهابي: “حين يحاول أحد رفع دعوى ضد المتورطين، تغلق القضايا أو تفرغ من مضمونها” وأوضح أنه قبل عشرة أشهر قدمت دعاوى ضد عشرات الإعلاميين التابعين للنظام المخلوع والمتورطين بشكل مباشر في التحريض والمشاركة بالجرائم، إلا أن النيابة العامة في حلب “تتعاجز عن المضي بالملف، وتحاول إغلاقه بطرق مباشرة أو غير مباشرة”.
ويحمل شهابي كل مسؤول في الدولة، صغيرًا كان أم كبيرًا، مسؤولية إعادة تدوير هذه الشخصيات، معتبراً أن الصمت الرسمي شراكة غير معلنة في طمس الجرائم.

شهادة مقاتل
في شهادة مؤثرة، تحدث ثائر عثمان، وهو مقاتل سابق في فيلق الرحمن ومن أبناء مدينة التل بريف دمشق، عن تجربته مع ميليشيا لواء الباقر، وقال عثمان إن الميليشيا أسرته مطلع عام 2021 في ريف حلب الجنوبي، وإن حمزة المرعي، شقيق قائد اللواء خالد المرعي، كان قائد المجموعة التي نفذت عملية أسره وتعذيبه.
وأضاف عثمان في تسجيل مصور، أن الميليشيا أسرت معه أربعة آخرين، في حين قتل عدد من مقاتلي فصائل المعارضة آنذاك على يد المجموعة نفسها، وطالب عثمان بتحقيق العدالة ومحاسبة المرعي بوصفه أحد قادة الميليشيات المتورطين في الانتهاكات، مؤكدًا أنه “يحترم قرارات الحكومة، لكنه لن يسامح بحقه الشخصي”.
وأشار عثمان إلى أن تبريرات غير معلنة تساق لتفسير ظهور المرعي، بزعم أنه عفي عنه بعد مساعدته فصائل “ردع العدوان” في دخول حلب خلال عملية التحرير، معتبراً أن هذه الروايات تثير الشكوك وتضرب مبدأ العدالة في الصميم.
غضب شعبي وتحذيرات
مصادر محلية متابعة أكدت أن حمزة المرعي، المعروف سابقاً بلقب “الحاج حمزة أبو العباس”، كان أحد أبرز قادة لواء الباقر التابع لإيران، وأن ظهوره اليوم في المناسبات العامة والتقاط الصور مع مسؤولين رسميين “يمثل استفزازاً صارخاً لمشاعر السوريين المكلومين”.
وأضافت المصادر أن هذا الظهور لا يحمل فقط بعداً أخلاقياً داخلياً، بل يشكل أيضاً “ذريعة دولية” قد تستخدم ضد سوريا، في وقت تحاول فيه السلطات الجديدة ترميم صورتها الخارجية وإثبات التزامها بمسار العدالة وسيادة القانون.
وأكدت أن توقف بعض هؤلاء عن القتال بعد سقوط النظام المخلوع لا يبرر بقاءهم في المشهد العام، ولا سيما في الفعاليات الرسمية، أو تقديمهم كوجوه اجتماعية أو عشائرية، معتبرة أن ذلك يتناقض مع أهداف الثورة التي أوصلت مسؤولين جدد إلى مواقع القرار.

بين إدارة المرحلة وخطر التفريط بالعدالة
يرى محللون أن تعويم بعض قادة الميليشيات قد يفسر، لدى بعض دوائر القرار، كخيار براغماتي لإدارة مرحلة انتقالية معقدة، تقوم على احتواء مراكز النفوذ القديمة ومنع انفجار أمني جديد، غير أن هذا المنطق، بحسب مراقبين، يحمل مخاطر جسيمة، أبرزها تقويض ثقة الشارع بالدولة الجديدة، وإرسال رسائل سلبية للضحايا وذويهم.
يقول أبو محمد، أحد أهالي حلب، لموقع تلفزيون سوريا: “نحن لا نطلب الانتقام، بل العدالة، رؤية من عذب أبناءنا وقتل جيراننا يتصدر المشهد مجدداً تعني أن دماء الضحايا لم تحسب بعد”.
تماسك عشائري في حلب رغم الجدل
ما تزال الحساسية تجاه ظهور قادة الميليشيات ومحاولات تعويمهم محدودة نسبيًا في مدينة حلب، حيث أظهرت العشائر هناك قدراً ملحوظاً من التماسك منذ سقوط النظام المخلوع، على الرغم من تباين مواقفها السياسية، ويعزو متابعون هذا الاستقرار إلى قوة الروابط العائلية والعشائرية، التي حالت دون انزلاق المدينة إلى اشتباكات داخلية أو انقسامات حادة خلال العام الماضي.
وفي هذا السياق، لم تُسجل في حلب أي عمليات اغتيال استهدفت متهمين بـ“التشبيح”، على عكس ما جرى في مناطق أخرى طالت شخصيات معروفة بولائها للنظام المخلوع لكنها افتقرت إلى غطاء عشائري يحميها.
بالمقابل، يروج مدافعون عن الميليشيات العشائرية روايات غير موثقة تفيد بأن هذه التشكيلات، التي التحق عدد من أبنائها بالأمن العام والجيش السوري الجديد، أسهمت في دخول قوات “ردع العدوان” إلى حلب وسقوط النظام المخلوع، غير أن هذه الروايات تبقى في إطار الشائعات المتداولة، إذ لم تصدر أي جهة رسمية، عشائرية كانت أم حكومية، رواية دقيقة وموثقة حول الدور المفترض لهذه المجموعات، التي يمتلك بعضها سجلًا حافلًا بالعمليات العسكرية والانتهاكات إلى جانب النظام المخلوع.

احتقان وحساسية أوسع في إدلب وحماة
في المقابل، بدت الحساسية أعلى في ريفي إدلب وحماة، ولا سيما في المناطق التي تنتشر فيها عشائر بني عز، حيث فجر تسجيل مصور لاحتفال عشائري بمناسبة عيد التحرير في بلدة أم تريكية جنوب شرقي إدلب جدلاً واسعاً، استدعى حالة استنفار أمني من قبل قوات الأمن السوري خشية تطور التوتر إلى اشتباكات عشائرية.
وأظهر التسجيل، الذي جرى تداوله على نطاق واسع محليًا، توجيه تحية للشيخ أحمد درويش المبارك، زعيم ميليشيا “المبارك” التي قاتلت إلى جانب قوات النظام المخلوع وإيران، وكانت إحدى تشكيلات “قوات النمر” سابقًا. ويُعرف درويش بإدارته معبر أبو دالي، الذي كان يفصل بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام المخلوع قبل عام 2017.
وعلى خلفية هذا الجدل والاحتقان، أصدر أبناء قبيلة بني عز بياناً أعلنوا فيه استنكارهم الشديد للأفعال التي ارتكبها أحمد درويش، مؤكدين براءتهم التامة منه ومن كل من يسانده أو يتستر على ممارساته، وشدد البيان على أن هذه التصرفات لا تمثل أخلاق العشيرة ولا قيمها الوطنية، وأن بني عز تقف إلى جانب الحق وسيادة القانون، وترفض أي سلوك يسيء لأبناء المنطقة أو يخل بالأمن والاستقرار، مطالبين الجهات المختصة بمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات وفق الأصول القانونية، حفاظًا على السلم الأهلي وحقوق المواطنين.
وفي ظل هذه التطورات، يقف السوريون أمام اختبار حقيقي لمفهوم الدولة الجديدة، هل تكون دولة قانون ومحاسبة، أم دولة تسويات تعيد تدوير الوجوه نفسها بأسماء وأدوار مختلفة؟ إن إدارة المرحلة الانتقالية لا يمكن أن تنجح على حساب العدالة، ولا يمكن بناء استقرار دائم فوق ذاكرة مثقلة بالانتهاكات، فالمصالحة الحقيقية تبدأ بالاعتراف بالجرائم ومحاسبة مرتكبيها، لا بتعويمهم وإعادتهم إلى الواجهة، مهما كانت الذرائع أو الحسابات.
المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى