ماذا على الرئيس الفنزويلي أن يفعل؟

زياد بركات

هل على الرئيس الفنزويلي أن يرضخ ويغادر بلاده؟ الجواب لا قاطعة، فما هكذا تُدار العلاقات الدولية، وإذا كانت كذلك كما يفعل ترامب فإن بقية العالم غير ملزمة بها.
ليس نيكولاس مادورو ملاكاً ولا رئيساً ناجحاً، ففي عهده المديد (منذ 2013) شارف المواطن الفنزويلي على التسوّل، رغم أن بلاده تحوز واحداً من أكبر الاحتياطات النفطية في العالم، لكن بقاءه في سدّة الحكم يظل شأناً داخلياً، يخص الفنزويليين وحدهم وليس الرئيس الأميركي في أي حال. … على أن الأمور لا تحسمها المواقف وحسب، بل موازين القوى، والأخيرة لصالح واشنطن إذا قرّرت غزو فنزويلا وإطاحة مادورو بالقوة، وهذا مستبعد. وربما يكون ذلك ما خلص إليه الرئيس الفنزويلي بنفسه، بأن ترامب يفاوض حتى وهو يضع إصبعه على الزناد، وأنه لن يلجأ إلى عملياتٍ عسكرية واسعة النطاق، بل محدودة، وذات أهداف تتعلق بكارتيلات المخدرات، وليس بشيء آخر، فلماذا لا يصعّد هو (مادورو) أيضاً، ويفرط في الظهور على قناته على منصّة تليغرام، مرة وهو يتجوّل بسيارته في أنحاء البلاد، وأخرى وهو يحتسي القهوة، والتأكيد على أن بلاده لا تُقهر ولن تقبل سلام العبيد.
يستطيع مادورو قول ذلك، لظنّه أن ترامب لن يفعلها، لكنه لا يعلم عواقب هذا الاطمئنان الغريب لسبب واحد، أننا نتحدّث عن ترامب تحديداً، فصحيح أن الرئيس الأميركي يسعى إلى أن يكون صانع سلام، أياً يكن هذا السلام وطبيعته ودوره فيه، لكنه نفسُه من أمر بقصف المواقع النووية في إيران، وهو نفسُه من يرسل البوارج الحربية إلى الكاريبي، ما ينشئ وضعاً قد يغدو من الصعب التراجع عنه، ويجبره على القيام بعمل عسكري لا يستطيع أحد التكهّن بمداه.
ما بين هذين التصعيدين، قد يبدو ما تسرّب من عرض أميركي على مادورو لمغادرة البلاد نوعاً من الطرفة التي لا تضحك أحداً، فلا القذافي قبل مقترحاً كهذا ولا مادورو سيفعل، خصوصاً أن الضغط على الأخير ما زال تفاوضياً، وفي حال تنفيذه فقد يقتصر على ضربات محدودة، مع استبعاد أن يشمل مادورو نفسه على غرار سابقة غزو بنما (1989)، واعتقال رئيسها آنذاك مانويل نورييغا، العميل السابق لـ”سي آي إيه”.
طبعاً، هناك دائماً حلول تُرضي الجميع وتمنحهم فرصة ادّعاء النصر، وهو ما سيلجأ إليه ترامب على الأغلب، ولكن هذا الاحتمال قد يقترن بتمهيد الأرض لانقلاب أبيض على مادورو، وهو ما تعمل عليه الإدارة الأميركية منذ جو بايدن فتفشل، من دون أن يعني هذا أن تفقد واشنطن الأمل في إنفاذ خطتها هذه، فالمعارضة، وهي ليست ضعيفة بالمناسبة، وإن كانت قليلة الحيلة بدون دعم أميركي فعّال على الأرض، في وضع أفضل مما كانت عليه في السابق. ومادورو في وضع أسوأ، ومن شأن إنزالات أميركية جوية محدودة تحت غطاء تنفيذ اعتقالات لبارونات المخدّرات في فنزويلا إحداث الاختراق الأكبر الذي تنتظره المعارضة، في حال كان ثمّة خطة منسقة مع واشنطن لإطاحة مادورو، والتقارير الإعلامية تؤكّد نشاط “سي آي إيه” هناك، ولكن هل يفعلها ترامب؟
الظن أن هذا السيناريو وارد، فترامب من أنصار عمليات محدودة وعدم التورّط على الأرض، وهذا ما يمكن استنتاجه من سابقة ضرب المواقع النووية الإيرانية، ما يُرجح لجوءه لضربات محدودة لكن قاسية، من شأنها فتح الطريق للمعارضة أمام موجة جديدة من الصدام مع نظام مادورو، وربما إطاحته.
لذلك، على مادورو ألا يطمئن، فالحروب لا تُخاض بإعلان المواقف على ضرورتها، بل بالاستعداد لها، ولتجنّبها بالمناسبة لا خوضها. وهو يستطيع فعل الكثير لتجنّب الحرب، بغض النظر عن مدياتها، والحفاظ على ماء الوجه في الوقت نفسه، فهناك مقترح الانتخابات المبكّرة والتعهد بالتخلي عن الحكم إذا خسر فيها، ما قد يمنحه مزيداً من الوقت، وينزع الذرائع من ترامب وصقور المعارضة الفنزويلية الذين يريدون غزو البلاد واعتقال الرئيس عبر تطبيق الطلبات المنزلية على الهواتف النقّالة.
أما الاكتفاء بالخطابة والتفاخر بطول الشاربين وكثافتهما فحماقةٌ أعيت من يداويها، ونوع من المَسرَحة المرتجلة التي تفشل حتى في منح “الذات القلقة” نوعاً من الرضا، أو قسطاً ضئيلاً من التطهير الذي لا بد منه في مثل هذه المواقف والأزمات.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى