بيت جن تكسر ما تعوَّدته إسرائيل

عمر كوش

العملية العسكرية العدوانية التي شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على بلدة بيت جن التابعة لمحافظة القنيطرة السورية هي الأضخم بين توغلاته، التي دأب عليها ضد البلدات والمواقع السورية في المنطقة الجنوبية، لكنها لم تكن مثل تلك العمليات الأخرى، التي يتوغل فيها جيش الاحتلال في الأراضي السورية، وتعتقل قواته من تشاء من سكانها، وتخلف خلفها دماراً وخراباً في ممتلكات المواطنين، بل كسرت ما تعوّده هذا الجيش، حيث واجه أهالي البلدة قواته المعتدية الذين دافعوا عن أنفسهم، وتصدّوا لها، وكبّدوها خسائر جسيمة، لم يكن يتوقعها، واضطر الجيش إلى الاعتراف بإصابة ستة عناصر من قواته، بينهم ضابطان وجندي، إصاباتهم خطرة، فيما ذكرت مواقع إعلامية إسرائيلية أن 13 أصيبوا.
ليست المرّة الأولى التي يدافع فيها أهالي المناطق، التي تتوغل فيها وحدات من جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن أنفسهم وأراضيهم، إذ سبق أن تصدى أهالي قريتي كويا والجبيلية في ريف محافظة درعا الغربي لعمليات مماثلة في مطلع إبريل/ نيسان الماضي، الأمر الذي يفسّر أن قادة جيش الاحتلال بدأوا يعيدون حساباتهم بعد عملية بيت جن بشأن اعتداءاتهم المتكرّرة على سورية، ليس من أجل وقفها، بل من أجل تقليل خسائرهم عبر اللجوء إلى الاغتيالات الجوية، حسبما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية.
تشي عملية بيت جن بتحوّل جديد، يكسبها بعداً سياسياً يتعدّى حجمها العسكري
جاءت العملية الإسرائيلية في توقيت خاص، إذ سبقتها مزاعم لمسؤولين إسرائيليين عن وجود مجموعات إسلامية، وأخرى محسوبة على الحوثيين، تستعد لتنفيذ عمليات عسكرية ضد إسرائيل انطلاقاً من جنوب سورية. وتناغمت هذه المزاعم الواهية مع خطوات تصعيدية اتخذتها إسرائيل أخيراً، بدأت بإعلان هيئة البث الإسرائيلية أن المفاوضات بشأن توقيع اتفاق أمني “وصلت إلى طريق مسدود”، لأن المسؤولين الإسرائيليين يرفضون مطلب الرئيس السوري أحمد الشرع بالانسحاب من جميع النقاط والمناطق السورية التي احتلها جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد سقوط نظام الأسد، والتي تزيد مساحتها على 450 كيلومتراً مربعاً. ثم قام رئيس حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بزيارة استفزازية للمنطقة المعزولة التي احتلتها إسرائيل بعد إلغائها اتفاقية فضّ الاشتباك الموقعة مع سورية عام 1974، واصطحب معه بشكل استعراضي حشداً كبيراً من وزراء حكومته وكبار قادة جيش الاحتلال، أراد منها توجيه رسالة إلى الحكومة السورية تظهر غطرسته ومخطّطاته العدوانية، إضافة إلى ما تشكله الزيارة من اعتداء سياسي سافر، يضاف إلى سلسلة الاعتداءات والتوغلات الميدانية التي يرتكبها جيش الاحتلال في الأراضي السورية منذ سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ولم يكتفِ بذلك، بل هاجم الرئيس الشرع فور انتهاء زيارته التاريخية والناجحة لواشنطن، واتهمه بأنه “بدأ يفعل كل ما لن تقبله إسرائيل”، مدّعياً أنه “عاد منتفخاً من لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب… ويريد جلب قوات روسية إلى الحدود”، الأمر الذي يشير إلى انزعاج قادة حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية من انفتاح واشنطن على السلطة السورية، وانزعاجهم من عودة الاتصالات بين موسكو ودمشق.
تشي عملية بيت جن بتحوّل جديد، يكسبها بعداً سياسياً يتعدّى حجمها العسكري، إذ من شأنها أن تسهم في تعقيد المشهد الإقليمي أكثر فأكثر، على الرغم من الرواية الإسرائيلية التي تحاول تبرير توغل وحدات من جيش الاحتلال إلى داخل الأراضي السورية من أجل اعتقال “مطلوبين من الجماعة الإسلامية”. وهي رواية واهية، فلا مؤشّرات على الأرض تثبت هذه الحجّة، ولا تدعمها ما قدّمته المشاهد التي عرضها المتحدّث باسمه للغارات “التي شنّها سلاح الجو في منطقة قرية بيت جن بجنوب سورية بعد الاشتباك مع العناصر الإرهابية، والتي أدت إلى تصفية الإرهابيين من مسافة صفر”، إذ كيف يستقيم شن سلاح الجو الإسرائيلي غارات على البلدة السورية مع قتل أهاليها “من مسافة صفر”، الأمر الذي يكشف ارتباك الرواية الإسرائيلية، ورفض قادة الاحتلال إقرارهم بما قام به أهالي بيت جن الذين تصدّوا للقوات الإسرائيلية دفاعاً عن أنفسهم وعن أرضهم التي اعتاد جيش الاحتلال استباحتها.
الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تضع الحكومة السورية أمام خيارات صعبة، لأن حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيلية تدفع باتجاه إشعال حروب جيدة في المنطقة
تستغل إسرائيل الخلل في موازين القوى، الذي جعلها تملك فائضاً في القوة، تحاول بواسطته ممارسة الضغوط على السلطة السورية، من أجل فرض شروطها عليها، وإجبارها على توقيع “اتفاق سلام” لا يضمن انسحابها من الأراضي التي تحتلها، وهو أمر ترفضه دمشق، وتسعى جاهدة إلى الفصل بين الاتفاق الأمني الهادف إلى عودة إسرائيل إلى اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في 1974، واتفاق السلام، الذي يستوجب إرجاع جميع الأراضي التي تحتلها إسرائيل، بما فيها الجولان المحتل، إلى السيادة السورية.
يظهر واقع الحال أن الحكومة السورية لا تملك خيارات حيال الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة سوى إدانتها، مثلما دان بيان الخارجية السورية “الاعتداء الإجرامي الإسرائيلي” على بيت جن، والمضي في اعتماد الخيار السياسي، ومناشدة المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة التي ترعى المفاوضات السورية الإسرائيلية، الضغط على حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، بغية كفّ شرها عن سورية الجديدة.
غير أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة تضع الحكومة السورية أمام خيارات صعبة، لأن حكومة اليمين المتطرّف الإسرائيلية تدفع باتجاه إشعال حروب جيدة في المنطقة، لذلك تجد الحكومة السورية نفسها مضطرّة للجوء إلى دبلوماسية واقعية وذكية، كي تمنع التصعيد الإسرائيلي الحاصل من الانزلاق نحو الانفجار، في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها سورية ما بعد نظام الأسد البائد، إضافة إلى الأوضاع الحسّاسة المنطقة. وتضاف الضغوط الإسرائيلية إلى ضغوط وتحدّيات داخلية كثيرة، وهناك تخوف لدى السوريين من أن تستغل قوى خارجية الضغوط الداخلية، لذلك تأتي أهمية تحصين البيت الداخلي عبر معالجة الأسباب على قاعدة توسيع المشاركة، وصون السلم الأهلي.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى