قالوا في الراحل الشهيد رجاء الناصر

أحمد مظهر سعدو

عندما قرر نظام الفاشيست الأسدي اعتقال النشطاء والمناهضين لنظامه القمعي، إنما كان بذلك يريد كم الأفواه، وقمع الثورة السورية/ ثورة الحرية والكرامة في بدايتها، ومنع تمددها إلى كل محافظات سورية، حفاظًا على مكتسبات الاستبداد النهبوية، ومن أجل تعميم نظام وعصابة الفساد والإفساد التي تم الاشتغال عليها من قبلهم طويلًا، منذ أن تم خطف سورية بكليتها على يد المجرم الأكبر حافظ الأسد، ليلعب دوره الوظيفي المشبوه في حماية الكيان الصهيوني وإنفاذ وتنفيذ ما يراد منه في الخارج، تهيئة لحكم طويل، يراد منه قتل الروح الوطنية السورية، لدى كل السوريين الأحرار الذين لا يقبلون بوجود نظام القمع والقتل، نظام الكيماوي والكبتاغون.
القاضي رجاء الناصر/ أبو طلال كان رمزًا وطنيًا متميزًا، وواحدًا من هؤلاء السوريين الذين آثروا العمل المعارض في الداخل السوري ومن ثم متابعة معارضة جدية للنظام القمعي، على طريق بناء الدولة الوطنية السورية، دولة المواطنة، التي حُرم منها السوريين عقودًا طويلة. فقد عمل في سياق نشاطات وحراكات هيئة التنسيق الوطنية، من أجل الوصول إلى حالة وطنية سوية خالية من نظام الأسد وتوابعه، وعلى هذا الأساس ، وحسب رؤية عصابة الأسد الأمنية القمعية، كان لابد من إسكات صوته وحراكه الدؤوب، ومعه الكثير من أمثاله المناضلين المناهضين لنظام الاستبداد ، حيث تم اعتقاله في 21 تشرين ثاني / نوفمبر 2013 حيث كانت الثورة السورية في عز فورانها الوطني، ومحافظات سورية تتحرك جميعًا من أجل كنس الاستبداد وإزالته، بالتساوق مع إزالة كل الاحتلالات التي كانت موجودة لحماية نظام الأسد، كان (أبو طلال) وكل المشاركين بالثورة، يتحركون بدأب، من اجل إعادة السيادة الوطنية إلى سورية، وهي المفتقدة منذ أن أُخذ الوطن عنوة، لصالح عصابات طائفية استبدادية، كانت عبئًا حقيقيًا على الوطن الذي يريد أن يتحرر منها .
خُطف رجاء الناصر من شوارع دمشق على يد نظام الاستبداد الأسدي، وتم تغييبه وقتله في سجون الاستبداد وأقبية الظلام، مع مئات آلاف السوريين، وهذا ما تبدى للجميع إبان تحرير سورية من عصابات الأسد في 8 كانون أول / ديسمبر 2024، حيث تبين للجميع وبعد فتح السجون، حجم المقتلة الأسدية في المعتقلات القمعية والمسالخ البشرية، فخرج القليل وتم تغييب الكثير، ومنهم الراحل الشهيد رجاء الناصر / أبو طلال.
اليوم وفي ذكرى اختطافه من شوارع دمشق، نقف مع بعض أصدقائه ومن عرفه، ليقولوا كلمة حق في الراحل الكبير:
الدكتور المهندس محمد مروان الخطيب صديق الراحل يقول: “في ذكرى رحيل الأخ رجاء الناصر، في ذكرى رحيل قامة وطنية نفتقد مثلها في هذه اللحظات الفارقة التي تمر فيها سورية الوطن وكما هو الحال على امتداد الوطن العربي، هذه المرحلة التاريخية العصيبة حيث اختلطت فيها النزعات الانفصالية مع الرغبة في تحقيق حلم العيش في بلد يحتكم إلى المواطنة فيه ويعيش أبنائه بحرية وكرامة بعد عهود من الاستبداد.
رجاء الناصر لم يكن فقط حقوقي وسياسي قومي ناصري معارض، بل كان يتمتع بشخصية عقلانية أهلته للحوارات الوسطية التي يحتاجها الشعب السوري بين أطراف المعارضة السورية بكافة تلاوينها السياسية، وهذا ما سهل مهمة تحويل منزله في حلب إلى مركزاً لإدارة الحوار الوطني في بداية بوادر انطلاق الثورة السورية لتهيئة مجموعة متنورة تدير الحراك الثوري وتعطيه الغطاء السياسي الوطني.
إن المقدرة الذاتية لإدارة الحوار الوطني بمختلف المشارب السياسية للراحل جعله من أحد أبرز المساهمين في تشكيل هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، ومن ثم المؤتمر الوطني لإنقاذ سوريا في 24 أيلول/ سبتمبر 2012.
إن فقدان شخصيات وطنية ذات رؤية جمعية كانت هدف عصابات الأسد في بداية الثورة لتمهيد الطريق لظهور مجاميع متطرفة تحاول حرف مسار الثورة السورية إلى ملعب العنف المسلح الذي يبدع فيه نظام عصابات الأسد، لذلك كان تبخر الرجل الوطني العروبي في وسط شوارع دمشق الهدف الرئيس لعصابات الأسد في بداية الثورة وإن كان القدر قد أدى لرحيل الرعيل الذي رافق فقيدنا قد سهل مهمة عصابات الأسد ومن سانده.
إن رحيل عصابات الأسد بعد أربع عشر عاماً من انطلاق الثورة السورية يفرض على القوى الوطنية تثمين الرؤيا التي سارت عليها هذه القامات الوطنية ومحاولة الاستفادة من الإرث الذي خلفته كي لا تفقد الثورة السورية نتائج عمل الكوادر التي قدمت عمرها في سبيل الوصول سورية إلى مرحلة الانطلاق لبناء دولة المواطنة دولة الحرية والكرامة.
إن كان رجاء الناصر قد رحل فإن ذكراه تبقى تشع في عتمة درب الحرية، فطالما كان شهداء الثورة مشاعل نور، تنير للأجيال درب المستقبل المشرق، وما علينا إلا أن نبقي هذه المشاعل متقدة كي لا تضيع تضحياتهم التي أوصلت الثورة السورية إلى بداية تحقيق أهدافها.”
أما الأستاذ مروان غازي الصديق المقرب للراحل فيقول: ” ولد رجاء الناصر في مدينة حلب عام 1946 ودرس في مدارسها وحصل على إجازة في الحقوق وانتسب الى سلك القضاء وعين قاضي صلح العمل بمدينة دمشق، متزوج من السيدة الفاضلة المرحومة عفاف مقصود التي تعرف عليها خلال نشاطه ضمن صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي والتي كانت هي أيضًا منتسبة اليه وتنشط ضمن صفوفه وقد رزق منها ثلاثة ابناء استشهد أوسطهم المرحوم طارق الناصر في بداية الثورة السورية.
مارس رجاء النشاط السياسي منذ كان في المرحلة الاعدادية ملتزما بالفكر الناصري ومناضلا من اجل اعادة الجمهورية العربية المتحدة وقد عرف بين رفاقه بجسارته واندفاعه وقدرته على التحليل السياسي وسيولة قلمه في كتابة المقالات في الكثير من الصحف والمجلات مثل العربي المصرية والمجد الاردنية والشراع اللبنانية، والقصص القصيرة الملتزمة ، وكذلك نشر بعض الكتب بعنوان ملفات القضاء ودلالات الواقع العربي بالإضافة الى مشاركته بالعديد من الندوات منها في مركز دراسات الوحدة العربية وفي مشاركته بعضوية المؤتمر القومي العربي وعرف بذلك الوقت باسم طلال الخالدي.
تعرض المرحوم الشهيد الى الاعتقال في ثمانينات القرن الماضي وقد اشترط الامن عليه لإخلاء سبيله تقديم استقالته من القضاء حتى لا يكون اعتقاله حجة على الامن وفعلا قدم رجاء استقالته بعد ستة أشهر بالمنفردة مسجونا علما ان الامن لم يستطع استخلاص اعتراف منه على نشاطه السياسي أو موقعه التنظيمي.
اختلف رجاء مع قيادة الاتحاد الاشتراكي بعد دخول الاتحاد بالجبهة التقدمية مع البعث مما جعله يشكل تكتلا داخل الحزب مع مجموعة من الاخوة سميت بالجهاز السياسي وهو ما دفع الحزب الى فصله مع بعض الاخوة وسرعان ما شكلوا تنظيما سياسيا عرف باسم التنظيم الشعبي الناصري وكان امينا عاما له لفترة طويلة ومثل هذا التنظيم بقيادته القومية التي كانت تمثل الطليعة العربية وقد لوحق هذا التنظيم عام 1986 واعتقل جزء من قيادته بينما استطاع البعض التواري عن الانظار داخل وخارج البلاد وخلال فترة التواري تم مراجعة المرحلة السابق والخروج من الاتحاد بين رجاء وبعض الاخوة معه وتم بهذه المراجعة النقد الذاتي للنفس الذي ادى الى العودة الى صفوف الاتحاد من اجل توحيد العمل الناصري.
بقي رجاء متواري عن الانظار مع رفاقه فترة طويلة حتى اتى عام 2000 والذي قررت فيه قيادة الاتحاد ظهور المتوارين عن الانظار الى العلن وهو ما ايدته احزاب التجمع الوطني الديمقراطي وجرى لقاء عام وعلني للجميع في أحد مقاهي عين الفيجة.
شارك رجاء الناصر بجميع الفاعليات والتظاهرات نصرة لفلسطين وغزة وتشكلت من رحم هذه المظاهرات الجمعية الاهلية لنصرة الشعب الفلسطيني ومناهضة الصهيونية وكان على راس مجلس ادارتها. وعندما قامت الثورة السورية عقدت المعارضة السورية مؤتمرها في حلبون وكان رجاء من قيادات هذا اللقاء الذي ادى الى تشكيل هيئة التنسيق الوطنية وانتخب امينا لسر مكتبها التنفيذي الى أن تم اعتقاله”.
بينما تحدث السيد صلاح أبو شريف الأحوازي أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية عن الراحل بقوله:” خلال زيارتي للعاصمة دمشق عام 2003، وفي ذلك المكتب المتواضع للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، زارني رجالٌ من رجال الأمة، كانوا على تواصل وثيق ومستمر مع الأستاذ أبو نضال طاهر الأحوازي، القيادي وممثل الجبهة في دمشق، ومنهم الراحل الكبير رجاء الناصر الذي كان يحمل يقينًا راسخًا لا يتزحزح بانتصار الأمة على أعدائها، ويزرع في نفوسنا جذوة الأمل بالنصر والتحرّر. وكان يعتبر قضية الأحواز، القضية العربية الأكثر مظلومية، ليس فقط بسبب بشاعة الاحتلال والدولة الفارسية القائمة عليه، بل لأن الدعم العربي تجاهها لم يرق أبدًا إلى مستوى الحق والواجب.
وفي تلك اللحظة قال لي جملة واحدة، لم ولن تغادر ذاكرتي ما حييت: يا أبا شريف… الأحواز عربية. وهذا يعني أنها ليست ملكًا للأحوازيين وحدهم؛ فهي أرض كل العرب. وحتى لو تنازلتم أنتم الأحوازيون يومًا عن تحريرها، فنحن العرب لن نتنازل عنها، ولن نتخلى عن واجب تحريرها.”
هذه الجملة وحدها أعادت وصل روحي بتاريخ الأمة المجيد، وأعادتني إلى عمق انتمائي القومي العربي، وإلى حقيقة أنّ معركتنا ليست شأنًا محليًا معزولًا، بل جزء من معركة الأمة العربية الكبرى في التحرّر والكرامة والسيادة.
وكان صاحب هذه الجملة ذلك المناضل العربي الشهم، الواعي، المتواضع، الحقوقي الشهيد البطل رجاء الناصر “أبو طلال”. وقد استمرت علاقتي به حتى اعتقاله من قبل سلطات القمع الأسدية، وانقطع خبره عنّا لسنوات، حتى انتصار الثورة السورية المباركة، حيث علمنا أنه كان من بين شهداء الأمة الخالدين. رحم الله “أبو طلال” وكل شهداء الأمة العربية”…

من جهته فقد تحدث الأستاذ ابراهيم عواد أمين سر اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي قائلا : ” إن الشهيد رجاء الناصر كان أمين سر اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية رمزًا للصمود والتحدي في وجه الظلم لقد دفع حياته ثمنًا لمواقفة الشجاعة في الدفاع عن الحق والحرية، وواجه قسوة السجون بكل بسالة، إن فقدانه ترك فراغًا كبيرًا لدوره المميز لكنه سيظل حيًا في ذاكرة كل من يسعى لتحقيق العدالة، إننا نؤكد استمرار نضالنا من أجل حقوق جميع الشهداء والمعتقلين ونؤمن بأن تضحياتهم لن تذهب سدى، بل ستكون دافعًا للمضي قدمًا نحو الحرية والعدالة والديمقراطية .”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى