لــمـــاذا اســـتــــدعــــى بـــوتــــيـــــن ـالاســــــــد .. ومــــــاذا أبـــــــلــــــــــغـــــــــــــه ..؟

محمد خليفة

روســــــيــــــا تـــــنــــــحـــــاز لاـــــرائـــــيــــــل فـــي حـــــربـــــهــــــــا عـــــــلـــــى ايـــــــران وتــــطــــلـــــــب خــــــروجـــــهـــــا مــن ســـــوريــــــــة…..!

    الـــــــرأي الــــســــــــائـــــــــد فـــــــي اســـــــرائـــــــيـــــــل : بـــــوتـــــيــــــــن بـــــــــاع ايــــــــــران فـــــي ســـــــــوريــــــــة

الضربات الاسرائيلية تندرج في حرب مفتوحة

العلاقات الروسية – التركية تتطور على حساب ايران والاسد

بوتين يسعى لحل سياسي ترفضه ايران والاسد

منذ أن تدخلت روسيا في سورية عسكريا قبل 32 شهرا وحتى اليوم سيطرت الأولويات العسكرية والميدانية على لغتها وتصريحاتها في الشأن السوري , وهو أمر عكس أولوية القضاء على المعارضة المسلحة والسياسية , واستعادة الاراضي المحررة الى سلطة الاسد . ولكن روسيا حرصت بصورة موازية على إطلاق بالونات سياسية ومبادرات خلبية بين الفترة والاخرى , للتغطية على ما ترتكبته قواتها من جرائم إبادة وتهجير وثقتها المنظمات الدولية الحقوقية , وكان ابرز الامثلة على هذه المبادرات( مؤتمر سوتشي ) ومحادثات آستانا العقيمة .

في أثناء زيارة بشار الاسد الأخيرة الى سوتشي بناء على استدعاء بوتين له (17 مايو الجاري) عادت روسيا لاطلاق تصريحات ذات طبيعة سياسية جذبت اهتمام المراقبين والمحللين وذات منحيين اثنين .

الاول – بالنسبة للحل السياسي الداخلي نقلت المصادر الرسمية أن الرئيس الروسي قال للأسد : إن الوضع في سورية بات “ملائماً لتفعيل العملية السياسية “. وأضاف حسب بيان للكرملين ” بعد النجاحات العسكرية ( للجيش السوري في الأشهر الماضية ) تأمنت ظروف جديدة مواتية لتفعيل العملية السياسية بشكل واسع” .

الثاني – أطلق بوتين دعوة مبطنة لانسحاب القوات الأجنبية من سورية . ولم يحدد أي القوات التي يتحدث عن انسحابها , إذ تتواجد على الأرض السورية العديد من قوات الدول الأجنبية , بدءًا من القوات الإيرانية ، ثم قوات حزب الله اللبناني ، مرورًا بالقوات التركية والاميركية , وأخيرا الروسية .

أما المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف فأوضح أن حديث بوتين كان يخص به ما وصفها بـ( قوات بعض الدول التي توجد هناك بشكل غير شرعي من وجهة نظر القانون الدولي ) . وأما المبعوث الرئاسي الخاص الى سورية ألكسندر لافرنتيف فقال إن المقصود من تصريحات الرئيس بوتين هو القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله , والقوات التركية , والأميركية . وأضاف ( إن هذا التصريح يشمل كافة المجموعات العسكرية الأجنبية ، التي تتواجد على أراضي سورية ، بمن فيهم الأميركيين والأتراك وحزب الله والإيرانيين ) .

كلا الموضوعين , سواء الحديث عن التوجه لتسوية سياسية, والحديث عن انسحاب القوات الاجنبية من سورية يضفي أهمية استثنائية للمحادثات التي أجراها بوتين مع حليفه بشار الاسد , وتبرر السؤال عما إذا كانت جدية أم مجرد تصريحات خلبية وبالونات فارغة ..؟

هل قررت روسيا الاستجابة للمطالب الدولية الملحة للعمل على ايجاد تسوية سياسية منطقية وعادلة في سورية بدلا من فرض أجندتها الخاصة على الاطراف السورية المعارضة وعلى العالم ..؟

أي تسوية سياسية ..؟
=========
بالنسبة للتسوية السياسية ما يزال الأمر ملتبسا وغير واضح حتى الساعة , لأن الروس سبق أن أطلقوا مثل هذه التصريحات ولم تكن جادة أبدا . وعلى سبيل المثال يمكننا ملاحظة نفس التصريحات في الزيارة السابقة للأسد الى روسيا في 21 نوفمبر 2017 حيث جاء في بيان للكرملين ( إن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى محادثات مع بشار الأسد الذي توجه إلى روسيا في زيارة عمل وهنأه على النتائج التي حققها جيشه, ورأى أن الوقت قد حان للانتقال إلى العملية السياسية ) .

بعد هذه التصريحات السابقة كثفت الديبلوماسية الروسية جهودها مع حليفيها الايراني والتركي لعقد ما سمي بمؤتمر سوتشي للحوار السوري – السوري في نهاية يناير 2018 . وكان هذا المؤتمر الذي استغرق الاعداد له ستة أشهر مثالا صارخا للمساعي الخلبية والفاشلة , ومثالا للعبث والتهريج , تحت عنوان السعي لاحلال السلام في سورية .

والأهم مما سبق أن المؤتمر الذي حضره نحو 500 سوري من الموالين و”المعارضين” والمستقلين هندسته روسيا حسب شروط الأسد ومزاجه , واقتصرت ” المعارضة المدعوة ” على شخصيات من وزن قدري جميل وهيثم المناع ورندا قسيس , واقتصر حضور المستقلين على بعض الفنانين والفنانات والراقصات, ولم يتمخض المهرجان إلا عن نتيجة هزيلة وحيدة , هي تشكيل لجنة ثلاثية لصياغة مشروع دستور جديد, أشادت بها روسيا وحليفيها . إلا أنها مع ذلك كما اتضح لم تعجب الاسد , ولذلك عمل على تعطيلها , برفضه تسمية أعضاء وفده الى هذه اللجنة , فبقيت حتى الآن معطلة , مما أضطر بوتين لتذكيره في لقائه الأسبوع الماضي بضرورة تشكيل وفد للجنة إعداد الدستور . ولا أحد يعلم إن كان سيفعل أم يتهرب مرة أخرى . فالمعروف أنه يرفض أي تسوية أو حل , ويفضل استمرار حالة الحرب والقتال لاجتثاث كل أشكال المعارضة حتى ولو كانت من النوع المذكور .

 وتدعم إيران هذا الموقف , وتدعم الخيار العنفي العدمي الى النهاية , وتعطيل أي حل , لأن مصلحتها تكمن في استمرار الفوضى في سورية على حالها , لتستغلها في تعزيز نفوذها وتحقيق مشاريعها وأطماعها في المنطقة .

ومن المؤكد أن هذه المسألة تشكل نقطة خلاف جوهرية بين روسيا وكل من الاسد وايران , لأن الروس بحاجة ماسة للتوصل الى حل سياسي يخرجهم من المستنقع , ويبررون به تدخلهم ويغطون جرائمهم الكثيرة , وآخرها جرائم الغوطة , وما تخللها من مجازر , بما فيها مجزرة دوما الكيماوية , ثم جريمة تهجير سكان بلدات حمص الشمالية , بطريقة أدانتها الأمم المتحدة , مثل مجازر الغوطة , وتهجير سكانها أيضا للشمال . وتخشى روسيا اتساع ورطتها في سورية , واضطرارها لإرسال قوات برية , لا سيما وأن خسائرها في العتاد والبشر ترتفع , فضلا عن الحرج الذي تتعرض له على الصعيد العالمي , بسبب حمايتها للاسد في جرائمه , وتغطيتها على جرائم ايران أيضا , وخاصة بعد ان أعلنت اسرائيل الحرب على الوجود الايراني العسكري في سورية . روسيا التي قادت التحولات العسكرية على الارض خلال 32 شهرا والتي حقق الأسد وايران مكاسبهما على حسابها ,لا تريد لهذه الحرب أن تطول أكثر , بل تريد وضع نهاية لها . وهي تتفق في هذا الهدف مع حليفتها الجديدة تركيا , والتي تتعاون معها لخلق توازن اقليمي وداخلي وطائفي , يساعد على التوصل الى حل يرضي بعض مكونات المعارضة والقطاعات الشعبية , ويرضي بعض الدول الغربية .

في الفترة الاخيرة تعمق “التحالف” أو على الاقل “التعاون” التركي – الروسي على حساب التحالف مع ايران والاسد , فكلاهما عارضا التدخل التركي , بل إن الاسد حاول قتال القوات التركية عبر حليفه الكردي ( قوات قسد) , وأيدت طهران علنا موقف الاسد وقسد , وطالبت الاتراك بالخروج من سورية . وفي قمة استانبول الشهر الماضي تجلى الخلاف بين أردوغان ونظيريه الروسي والايراني بشأن مسؤولية الأسد عن مجزرة الكيماوي في دوما , وتأييده للضربة الاميركية – البريطانية – الفرنسية للاسد .

العلاقات الروسية – التركية تزداد رسوخا لأن حاجة بوتين تزداد لحليفه اردوغان لحماية محافظة ادلب من الهجوم الذي يجهز له الاسد لاقتحام ادلب بدعم ايراني , وهو الهجوم الذي يحذر منه دي ميستورا ويرى أن كلفته الدموية ستكون أكثر من كلفة الغوطة بست مرات . فروسيا صاغت اتفاقا مع تركيا لتحويل ادلب منطقة خفض تصعيد جديدة , وتعتمد عليها للتخلص من جبهة النصرة بدون قتال , وتوسيع نطاق الوجود التركي الذي وصل الى أعماق ريف حماة الغربي, قطعا للطريق على تقدم قوات الاسد صوب ادلب , حيث وصلت قبل أيام الى (قلعة المضيق) غربي مدينة حماة .

 الجدير بالذكر أن روسيا تعزز كل يوم هيمنتها , وتثبت أنها غدت الطرف الاقوى, وليس النظام , في صياغة التفاهمات والاتفاقات مع الأطراف المحلية, وصارت الشرطة الروسية تتصدى لتجاوزات عناصر مخابرات النظام , وتعاقبهم على مخالفتهم لتعليماتها حتى ولو كانوا ضباطا كبارا , كما حصل في جنوب دمشق وفي ريف حمص مؤخرا . وتشير معلومات مؤكدة حصلت عليها “الشراع” من مصدر تابع لفصائل المعارضة في ريف حماة أن الروس أجبروا قوات الاسد على الانسحاب من ريف حماة الشمالي الممتد حتى ادلب , ونشروا شرطة روسية شيشانية مسلمة , بدلا منها في قرى وبلدات : صوران , وطيبة الامام , ومعردس, وحلفايا, وكفر نبودة , وكفر زيتة , ولطامنة . وستتكرر الخطة في ( الخط الاوسط من سهل الغاب ) حيث تنتشر قرى علوية ومرشدية وسنية خوفا من وقوع مجازر طائفية بينها .

هاتان الخطتان في ريف حماة وادلب تشيران الى مدى انتقال السلطة على الأرض ألى أيدي الروس والاتراك معا على حساب قوات الاسد وايران . كما تشيران الى تفوق الدور الروسي – التركي في هذه المنطقة التي تتسم بالخطورة الشديدة , لوقوعها في وسط البلاد , وقربها واتصالها مع الساحل وحمص وحلب .

والجدير بالذكر أيضا أن الروس منعوا الايرانيين من المشاركة في معركة الغوطة الاخيرة , ومنعوا تدخلهم في الترتيبات التي أعقبتها . أما في معركة تركيا مع الكرد في الشمال فروسيا ساندت حليفها التركي على حساب الاسد . وفي معركة اسرائيل مع ايران وقفت على الحياد , واتخذت موقفا غير مبال بضربات اسرائيل لحليفها الايراني . وجاء تتويج هذه التحولات في السياسة الروسية في استدعاء بوتين الاسد الى سوتشي ليبلغه بتفاهمات موسكو مع الدول الاخرى ليلتزم بها بدوره !

اخراج الايرانيين :
=========
أما بشأن المسألة الثانية, أي مسألة انسحاب القوات الأجنبية من سورية, والمقصود بها تحديدا الايرانية وحزب الله , ولذلك فهي المسألة الأهم التي دارت حولها مباحثات بوتين والاسد . وهي على عكس مسألة التسوية السياسية تطرح للمرة الأولى في أي محادثات بين الجانبين , لأن وجود القوات الايرانية في سورية لم يكن مطروحا للبحث من زاوية الانسحاب على الاطلاق , فهي الدعامة الرئيسية لنظام الاسد في بقائه وحربه على شعبه , وهي الاداة الرئيسية للوجود الروسي على الارض , وبدونها لم يكن للاسد والروس البلقاء وتحقيق ما تحقق حتى الآن . وكانت ايران تخطط للبقاء بشكل دائم على الارض السورية لتثبيت ( الهلال الشيعي ) وما تسميه ( محور المقاومة ) على مستوى المنطقة , وتبني قواعد برية وجوية وبحرية, ومصانع وشبكات طرق ومعابر بين طهران وجنوب لبنان .

ولذلك فإن طرح خيار انسحابها في محادثات بوتين مع الأسد يشكل تطورا مفاجئا ومثيرا , وتغيرا في معادلات القوة على الارض السورية , وعلى مستوى الشرق الاوسط , وستكون له انعكاسات جذرية وعميقة على النفوذ الايراني في المنطقة ومخططاته وابعاده , ولا سيما على لبنان . ومن المؤكد والواضح أن طرح المسألة للبحث على هذا المستوى يأتي كنتيجة سريعة للحرب الاسرائيلية المفتوحة على مراكز وقواعد الوجود الايراني في سورية, وهي حرب تغطيها السياسة الاميركية القوية ضد التمدد الايراني في المنطقة , كما تلقى تأييدا عربيا خليجيا , كما تلقى تفهما روسيا صريحا, حتى أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قال ردا على سؤال : إذا تعرضت اسرائيل لعدوان ايراني فإن روسيا ستدافع عن اسرائيل !. وهذا التصريح القاطع تعززه العلاقات القوية والتاريخية بين روسيا واسرائيل التي يشكل المواطنون الروس اكثر من 40% من اجمالي سكانها . كما تعكسه الزيارات الكثيفة للقادة الاسرائيليين وخاصة نتنياهو الى روسيا واجتماعاته مع بوتين , ولا سيما بعيد أو قبيل كل قمة مع ايران وتركيا أوالأسد تتعلق بالشؤون السورية , الامر الذي فسره المحللون بأنه يعكس محاولة الروس التنسيق بين مصالح اللاعبين الثلاثة الايراني والاسرائيلي والسوري وضبط التطورات وردود الافعال .

ويمكن ملاحظة أن الروس الذين أصبحوا ضابط الايقاع الأول والاقوى على الساحة السورية منذ نهاية 2015 لم يعترضوا بشكل حازم على الضربات الاسرائيلية في سورية , وسلكوا سياسة متوازنة و( حيادية ) اذا جاز التعبير بين الاطراف الثلاثة , كما يظهر في ردود أفعال موسكو على الضربات الاسرائيلية القاصمة للأهداف الايرانية وخصوصا في الشهور الأخيرة . ففي البدء كانت روسيا تعترض على ضربات اسرائيل اعتراضا شكليا, وتعتبرها انتهاكا للسيادة السورية , وتحذر من إصابة جنودها , ثم اتخذ الموقف طابعا عمليا بإعلان روسيا بيع بطاريات صواريخ 300 S لسورية. ولكن ما حصل بعد الضربة الاميركية – البريطانية – الفرنسية في ابريل الماضي , والضربة الاسرائيلية للاهداف الايرانية في نفس اليوم بعد إعلان الرئيس ترامب عزمه على معاقبة الحيوان ( الاسد ) بسبب قصف دوما بالكيماوي , فقد التزم الروس التحذير ديبلوماسيا , والنأي بالنفس عمليا , وكأن الأمر لا يعنيها !

تلا ذلك تصعيد واضح وقوي في ضربات اسرائيل للأهداف الايرانيةعلى امتداد الساحة السورية من الشمال الى الجنوب , من جنوب دمشق الى دير الزور شرقا , ومن حلب الى حماة , وأوقعت أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى , وبلغت أوجها في الهجمات على الكسوة ومصياف وحلب ودير الزور في الأيام القليلة الماضية . ويؤكد شاهد عيان من موقع الهجوم الذي وقع يوم الجمعة الماضي (18 مايو) واستهدف القاعدة الضخمة الواقعة غربي حماة على طريق مصياف أوقع ما بين 80 – 90 قتيلا تحولوا جثثا متفحمة تماما , وزهاء مائة جريح . ويؤكد المصدر أن بينهم سوريين وايرانيين ولبنانيين وروسا , لأن القاعدة كبيرة , وفيها أهداف لهذه الاطراف, ومخازن صواريخ سام ودفاع جوي واسلحة , ومصنع براميل متفجرة , ومعتقل للمخابرات الجوية , ومستودع وقود وطائرات قاذفة ومقاتلة وهلوكبتر .

طرح خيار اخراج القوات الايرانية من سورية الان يعني تبنيا روسيا واضحا للمطلب الاسرائيلي , وهو ما قاله الباحث الاسرائلي في مركز بيغن – السادات للابحاث ايلي كوهين ( الرأي السائد في اسرائيل أن الروس قد تخلوا عن ايران في سورية ) وأضاف إن هذا هو ما حققته محادثات نتنياهو مع بوتين في الزيارة الاخيرة التي سبقت انعقاد الجولة 9 لمحادثات آستانا وقمة الدول الضامنة روسيا وتركيا وايران . وكانت صحيفة جيروزاليم بوست قد اكدت بعد عودة نتنياهو من سوتشي أن الروس تعهدوا بعدم الاعتراض على ضرب الاهداف الايرانية .

تسلسل الاحداث يعني أن الروس طرحوا ما توصلوا اليه مع نتنياهو على قمة سوتشي الاخيرة , ثم استدعوا بشار الاسد لابلاغه ضرورة أن يطلب من الايرانيين سحب قواتهم ووقف مشاريعهم لاقامة قواعد دائمة , وإلا واجهوا حربا مفتوحة من اسرائيل تدعمها اميركا وبعض الدول الاقليمية ( العربية ) , وهي حرب لن تتدخل روسيا فيها لصالح ايران أو الاسد .

وما يؤكد التحول في الموقف الروسي أن موسكو عادت فسحبت موافقتها على تسليم صواريخ 300 اس للنظام السوري بعد اسابيع من ابرام الاتفاق على تسليمها , ما يعني إبقاء أجوائه مكشوفة أمام الغارات الاسرائلية . ولا شك أن الروس قد لمسوا جدية السياسة الاميركية – الاسرائيلية – الاقليمية الرامية للتصدي للنفوذ الايراني وسياستها المثيرة للاضطرابات على مستوى الشرق الاوسط , ووجدوا أنه ليس من مصلحتهم الانزلاق الى مواجهات وحروب خارج نطاق الاهداف التي تدخلوا في سورية من أجلها . وعندما تكون المواجهة بين اسرائيل وكل من ايران والاسد فإنهم بالتأكيد ليسوا مع ايران أو الاسد , ولن يكون لهم دور يتجاوز نقل الرسائل والتوسط بين الاطراف .

وذكرت تعليقات في الصحافة الاميركية أن بوتين يشعر بالرضا التام عن دوره كوسيط بين ايران واسرائيل لأنه يعزز فعاليته الدولية ويبرز الوجه المقبول للغرب من الحضور الروسي !

ويرى المحللون أن الموقف الروسي يكشف عن ثلاثة عناصر دراماتيكية :

– الرضا على الحرب الاسرائيلية ضد ايران وعدم الاعتراض عليها سياسيا .

– التنسيق العملي مع اسرائيل في هذه الحرب , بدليل أن الروس لم يوفروا أي معلومات للايرانيين عن حركة الطيران الاسرائيلي وعملياته ضدهم .

ويرى هؤلاء المحللون أن الروس يعيدون تكييف دورهم في سورية بشكل يقربهم من الغرب , ويبعدهم عن الاسد وايران .
– العمل لدفع الاسد للانسحاب من الحرب الاسرائيلية – الايرانية .
ولذلك استدعى بوتين الاسد الى سوتشي ليطلب منه الطلب الى ايران سحب قواتها , وقوات حزب الله كأفضل خيار لمنع مزيد من التدهور العسكري قد يقوض ( الانجازات ) التي حققها له الروس , ويبدو أنه طلب اليه البدء بخطوات جادة لتحقيق تسوية سياسية في الداخل لتعزيز فرص بقائه في السلطة .
محصلة هذه التطورات تؤكد أن الحرب على ايران في سورية ستتطور وتتسع ولن تستطيع ايران الدفاع عن وجودها لأسباب عسكرية ميدانية واسباب سياسية , خصوصا أن الاسد لا يريد ولا بمقدوره التورط في حرب مع اسرائيل , ومن ورائها تحالف غربي واقليمي كبير . والارجح أن الايرانيين سيبدأون بسحب قواتهم بسرعة , لا سيما أن الحرب المفتوحة دمرت مواقعهم الرئيسية , ولن يكون بمقدورهم توفير امدادات وموارد لوجستية وبشرية كبيرة بسبب بعد المسافة .
وحتى حلفاؤهم في لبنان والعراق غير جاهزين للدخول في مواجهات اقليمية واسعة لا مع اسرائيل ولا مع الولايات المتحدة في ظل الظروف الداخلية والاقليمية , ولعل أقصى ما يمكنهم فعله هو تحاشي التورط في حرب واسعة لا على مستوى لبنان ولا على مستوى سورية ومحيطها .
ايران ومشاريعها الاقليمية بلغت اقصى مدى لها , وبدأ تراجعها وانهيارها على مستوى المنطقة كلها من البحر المتوسط الى البحر الاحمر والخليج

المصدر: مجلة الشراع اللبنانية العدد 1850
تاريخ 25 أيار 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى