
نحن في زمن أصبحت فيه خيانة الطائفة أخطر من خيانة الوطن، وخيانة القبيلة أخطر من خيانة الأمة، وخيانة العشيقة أخطر من خيانة المبادئ والقيم، والانتماء للأفراد أهم من الانتماء للشعب، والولاء للفرقة والتشرذم والتمزق أهم من الولاء للوحدة والتكاتف، والتغني بالحرية ليل نهار وتدبيج الخطب العصماء والمعلقات الرنانة عن الكرامة أهم من السعي الجدي لتحقيق الحرية والكرامة على أرض الواقع.
نحن في زمن أصبحت فيه حدود الوطن لا تتجاوز حدود منازلنا مهما كانت صغيرة وكل ما هو خارجها لا يهمنا بتاتا ولا يمت لنا بأية صلة ، حتى أصبحنا اعدادا لاتعد ولا تحصى من الأوطان المعزولة المنفصلة بعضها عن بعض داخل وطن كبير منهك متهالك أنهكته آلام المجاعة والحرمان والخذلان.
نحن في زمن أصبحت فيه الشماتة بمآسي أبناء جلدتنا المنارة التي تهتدي بهديها مراكبنا الضائعة المتصدعة ، نحن في زمن نعتبر فيه ابن الريف مواطنا من الدرجة الثانية ، وابن المدينة مواطنا من الدرجة الأولى ، وابن الأحياء الراقية في المدينة مواطنا من الدرجة السياحية ، وابن الطائفة المغايرة مخلوقا لا يستحق الحياة !
نحن في زمن أصبح فيه السني كافرا وعميلا…
والعلوي كافرا وعميلا…
والدرزي كافرا وعميلا…
والكردي كافرا وعميلا…
والمسيحي كافرا وعميلا…
والإسماعيلي كافرا وعميلا…
والاشوري كافرا وعميلا…
والكلداني كافرا وعميلا…
والتركماني كافرا وعميلا…
والجنين في رحم أمه كافرا وعميلا…
حتى ليخيل للمرء أن على الغالبية الساحقة من السوريين الاصطفاف وراء بعضهم بعضا في طابور طويل له أول وليس له آخر استعدادا لإعدامهم رميًا بالرصاص بتهمة الكفر والخيانة العظمى.
هذه الكرة الأرضية… هذه الذرة المتناهية الصغر الضائعة في هذا الفضاء الواسع حتى أقصى حدود الاتساع أصغر بكثير من أن تحتوي احقادا لا يتسع لها الكون، فما بالك ببلد صغير غارق بالدموع والدماء والمقابر الجماعية.






