
نص محاضرة ” الاقتصاد السوري تحديات وٱفاق” والتي ألقاها الدكتور سليم بدليسي في المركز الثقافي بحلب في 11 تشرين الأول/ اكتوبر 2025 بدعوة من منتدى الكواكبي للحوار الثقافي وتحت رعاية مديرية الثقافة في حلب.
١- تعريف الاقتصاد الوطني:
يمكن تعريف الاقتصاد الوطني لدولة بمجمل نشاط السكان المتعلق بإنتاج وتداول وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات في مختلف المجالات. ويتضمن ذلك سلوك الانسان وسعيه لإشباع حاجاته المتعددة باستخدام الموارد المحدودة المتوفرة له.
٢- النظام الإقتصادي والسياسة الإقتصادية:
هناك عدة خيارات ممكنة لاستخدام الموارد المحدودة وفق وسائل مختارة للوصول الى الأهداف الإقتصادية والاجتماعية المتوخاة.
فالنظام الإقتصادي هو مجموعة القواعد التي تتبناها الدولة وفق دستورها وقوانينها لتوجيه نشاط الاقتصاد.
أما السياسة الإقتصادية فهي مجموعة الخطط والإجراءات التي تتخذها الحكومة (المنتخبة او القائمة) بهدف التأثير في الاقتصاد الوطني وتحقيق أهداف محددة في النمو الإقتصادي في فترة زمنية معينة.
٣- الأنظمة الإقتصادية الرئيسية:
* الاقتصاد الموجه (المخطط): حيث تقوم الدولة بالتحكم بالاقتصاد وتوجهه وتحدد الحكومة ما يتم انتاجه وكيفية توزيعه.. كما في الدول الشيوعية سابقا والدول ذات التخطيط المركزي.
* اقتصاد السوق الحر: حيث قرارات الانتاج والتوزيع والأسعار تحددها أنشطة الأفراد والشركات الخاصة المتنافسة والتي تبحث عن تعظيم عوائدها حسب ٱليات العرض والطلب. ويكون تدخل الحكومة في حده الأدنى.
* الاقتصاد المختلط:
هل هناك اقتصاد سوق حر بالمطلق ؟
عمليا لا يوجد. كل اقتصاديات الدول اليوم هي اقتصاديات مختلطة mixtes تزاوج عناصر السوق مع التدخل الحكومي لمحاولة تحقيق التوازن بين الحرية الإقتصادية من جهة ودور الدولة بتنظيم السوق وضمان الحقوق الوطنية والاجتماعية من جهة أخرى. والذي غالبا ما يكون ضرورياً لمعالجة مشاكل اقتصادية كالتضخم المالي والنقد والبطالة والنقص الكبير في السلع والأزمات الإقتصادية في الزراعة وغيرها والٱثار السلبية للتلوث على البيئة ولتقليل الفوارق بين الطبقات الاجتماعية بتأمين الضمان الاجتماعي في العمل والتعليم والصحة والسكن. وهذا ما هو عليه الحال مثلا في الدول الأوروبية والعديد من دول امريكا اللاتينية التي تحولت الى “الديموقراطية الاجتماعية”.
والتدخل الحكومي له درجات مختلفة إذ يختلف من بلد الى ٱخر بحسب المعطيات وتغير القوانين والمرحلة التاريخية.
٤- اقتصاد السوق والتخطيط الإقتصادي بعد الحروب:
البلدان الاوروبية الغربية واليابان التي خرجت من الحرب العالمية الثانية منتصرة او منكسرة إعتمدت على التخطيط التوجيهي (الإرشادي Indicatif) والذي يركز على توجيه السياسة الإقتصادية مع إعطاء مرونة في التنفيذ للخروج من حالة الإنهيار الاقتصادي والعمراني وإعادة البناء وتحديث الاقتصاد.
* فالسياسة الإقتصادية لفرنسا تمثلت بتدخل قوي للدولة رغم تداول السلطة السياسية (ما بين اليمين واليسار والوسط). فمع كل الإستفادة من منح وقروض خطة مارشال قامت الدولة بتأميم بعض القطاعات الإستراتيجية نقل مواصلات طاقة ومصارف لتوجيه الاستثمارات كما وضعت سياسة إنفاق وضمان اجتماعي لصالح المواطنين. وقد أخذت بالخطط الخمسية كأدوات لتحديث القطاعات الأساسية والوصول الى الأهداف الإقتصادية الوطنية منذ 1946 وحتى 1992 فكانت هناك خلال نصف قرن لجنة عامة للخطة بنماذج مختلفة. وفي عام 2021 أطلقت الحكومة الخطة الاستثمارية “فرنسا 2030” لتحديث البلاد في القطاعات الاستراتيجية الصناعة الطاقة الصحة والتكنولوجيات الحديثة.
* أما ألمانيا الغربية فلم تستطع أن تقيم تخطيطا خاصا بها بل خضعت لخطط الحلفاء في سياسة نزع التسليح والنازية وإقامة اللامركزية وتأسيس جمهورية المانيا الفيدرالية بنظام سياسي برلماني صلب وتقاسم السلطة. وتفكيك وإعادة إقامة أنظمة صناعية واقتصادية واجتماعية. وقد مولت خطة مارشال إعادة التصنيع ومساعدة السكان المحتاجين فاستطاعت المانيا تجاوز الديون والدخول في الاقتصاد الأطلسي.
في حين خضعت المانيا الشرقية لنظام موجه اقتصاديا ومخطط كبقية دول أوروبا الشرقية التي أصبحت تحت السيطرة السوفياتية.
* كما خاضت اليابان بعد الاحتلال الأمريكي إصلاحات سياسية ديموقراطية واقتصادية واجتماعية. فككت الاحتكارات الاقتصادية لتشجيع التنافس. وطبقت الاصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية فأجبرت الحكومة الملاكين الكبار على بيع أراضيهم لها بسعر ثابت ووزعتها على الفلاحين بالمشاركة او المستأجرين محولة الملايين منهم الى ملاكين بحيازات زراعية صغيرة مما كان له تأثيرا إيجابيا على الإنتاجية. وهذا الاصلاح الزراعي يعتبر الأبرز في بلد لم يتبنى النموذج الاشتراكي.
٥- التوجه المعاصر نحو الديموقراطية الاجتماعية:
تتجه النظم الديموقراطية الأوروبية والتي تعتمد اقتصاد السوق نحو تطبيق ٱليات عديدة في تدخل الدولة لضمان الحقوق المعيشية والاجتماعية للمواطنين مهما كان الإتجاه السياسي للحكومة المنتخبة. وكذلك توجهت العديد من دول أمريكا اللاتينية الى الديموقراطية الاجتماعية في نظامها السياسي والإقتصادي بغض النظر عن الإتجاه السياسي للحاكم أو البرلمان الفائز بالانتخابات والذي يقوم بتوجيه السياسة الإقتصادية. ففي كل من السلفادور وكولومبيا والتي عانت سابقاً من الحروب الأهلية وغيرها من الدول التي تتبع اقتصاد السوق كالبرازيل يتداول كل من اليمين واليسار الحكم في إطار الديموقراطية الاجتماعية ويوجه كل منهم السياسة الاقتصادية في فترة حكمه. وفي تشيلي أعلن الرئيس المنتخب غابريال بوريك في ٱخر عام 2021 عن “دولة الرعاية الاجتماعية” التي ستكون قبراً لنيوليبرالية الدكتاتور أوغيستو بينوشيه.
٦- التبادل التجاري الدولي والحماية الجمركية
هدفت منظمة التجارة العالمية OMC منذ قيامها وقد حلت محل ال GATT (الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة) عام 1995 في مسار “عولمة الاقتصاديات” الى تخفيض الحواجز التجارية بين الدول حتى حذفها وتشجيع المنافسة المفتوحة. ولكن أغلب دول العالم حتى رائدة الليبرالية الإقتصادية مثل الولايات المتحدة الأمريكية تمارس حماية منتجاتها وفقا لمصالحها الاقتصادية والسياسية ولعلاقاتها الإقتصادية البينية مع كل دولة. وذلك بتطبيق التعرفات الجمركية وغيرها مثل الكوتا quotas، دعم التصدير، شروط مواصفات فنية او صحية او إجراءات تشجيعية للشركات الوطنية.
وتهدف ضرائب الجمارك إلى “مكافحة الإغراق” antidumping أي مناهضة أن يباع منتج مستورد بسعر أخفض من منتج السوق الداخلي او لكلفة إنتاجه وذلك لحماية الصناعات الوطنية من الأضرار التي قد تسببها هذه المنافسة. وهذه الضرائب عادة ما يتم مراجعتها كل فترة زمنية بحسب العلاقة مع كل دولة او تكتل اقتصادي دولي.
فتبلغ الضرائب الجمركية الأمريكية على المستوردات الأوروبية من النحاس نصف المصنع ومصنوعاته ٥٠٪ من قيمتها. وفي ٧ ٱب ٢٠٢٥ تحددت الضرائب الجمركية على جميع البضائع الأوروبية ب ١٥٪ كحد أدنى. فضريبة الجمارك على زيت الزيتون الأوروبي يبلغ ١٥٪ في حين تبلغ على زيت الزيتون التونسي ٢٥٪. وفي ٧ ٱذار ٢٠٢٥ ألغى الاتحاد الأوروبي الضرائب على زيت الزيتون المستورد من التشيلي كما أعفيت صادرات الاتحاد الأوروبي الى التشيلي من الضرائب (عدا السكر).
٧- ما هو النظام الاقتصادي المعلن في سوريا اليوم ؟
بعد سقوط النظام البائد أعلنت سلطة الحكم الانتقالي تبني الاقتصاد الحر. كما أعلنت بأن اقتصاد السوق الحر التنافسي سيفتح البلاد تماما للإستثمارات الخارجية وخاصة الخليجية كأساس في إعادة الإعمار في البلاد نظرا لضعف القدرات الإقتصادية والمالية الداخلية. وبالتالي تم البحث مع السعودية عن استثمارات في البنية التحتية وخلق فرص عمل. فعقد في دمشق في 23 تموز الماضي منتدى الإستثمار السوري السعودي حيث تم توقيع عشرات مذكرات التفاهم للاستثمار في كافة القطاعات الاقتصادية وكأن القطاعات ذاتها مطروحة للاستثمار: الصناعة، الزراعة (مزارع نموذجية، سلاسل إمداد غذائي، صناعات تحويلية)، السياحة، التطوير العقاري (سكني – تجاري)، المقاولات، تقنية المعلومات، الطاقة، المصارف والتأمين والخدمات المالية، الاتصالات، الصحة والتعليم، والبنى التحتية…. وقد تم طرح خريطة استثمارية : مجموعة من المشاريع ستؤدي الى استثمارات، عبر صناديق تمويلية، يتم استرداد عوائدها من طرف المستثمرين. وقد تم الإعلان عن قانون الاستثمار السوري في 24 حزيران ليمنح المستثمرين مزيدا من الضمانات كما أعلن البدء بالإصلاح الضريبي للمنظومة الضريبية لتوفير البيئة المشجعة للاستثمار للقطاع الخاص وتطوير تشريعات الاستثمار وإلغاء تعقيداتها وكذلك تشريعات الأنظمة التجارية والتحويلات المالية..
وكانت قد توالت منتديات رجال الأعمال وخاصة من السوريين في الخارج والعرب والأجانب فتأسس مجلس الأعمال الأمريكي السوري وغيره.
وفي حلب تم رسم خارطة استثمارية ل 15 قطاع استثماري وطرحت إدارة المحافظة مشاريع للقطاع الصناعي وتوسيع المدن الصناعية ( وعددها 34) وخاصة الشيخ نجار، مشاريع الطاقة والطاقة البديلة لتلبية متطلبات الطاقة، إقامة مصانع ومكاتب في المنطقة الحرة في المسلمية لتشجيع التجارة الخارجية ومراكز تجارية في المدينة ومشاريع سياحية وزراعية وللتطوير العقاري والإسكان وذلك كله دون ذكر الحاجات الاستثمارية الخدمية والإقتصادية الملحة لحلب.
وبذلك يبدو جلياً أن المشاريع الاستثمارية عامة قد طرحت دون الارتكاز الى خطط توجيهية متكاملة وواضحة لإعادة الإعمار وتلبية المتطلبات المرحلية والاستراتيجية للتنمية والنهوض بالاقتصاد السوري المنهار. وما زال التساؤل حول ملامح النهج الإقتصادي الراهن والمستقبلي في سوريا مطروحاً في حين أنه لا يوجد توجهاً رسمياً لبناء الاقتصاد بخطط او بقرارات مركزية توجيهية وإنما يترك ذلك للنمو تناسبا مع الموارد وبالتكيف مع ما يفرضه الخارج من متغيرات سياسية واقتصادية.
بمقابل النظام الاقتصادي المعلن في سوريا اليوم أي تصور مستقبلي ممكن أن نضعه لنظام اقتصادي ولسياسات اقتصادية لسوريا ؟
٨- التحديات والأعباء التي تواجه نهوض الاقتصاد السوري
أية حلول حسب القطاعات الأساسية ؟
لا بد أولاً من طرح التحديات السياسية والإقتصادية والاجتماعية التي تواجه النهوض بقطاعات الاقتصاد الوطني وطرح التساؤلات حول تصور الحلول الممكنة.
لا شك بأن استتباب الأمن والأمان على كامل أراضي الجمهورية العربية السورية الموحدة يعتبر أساساً بنيوياً للنهوض بالاقتصاد وبالمجتمع السوريين. مع الأمل بأن يتم ذلك بأقرب وقت ممكن.
* القطاع الصناعي :
لا بد من تحديد الصناعات المطلوبة ودعمها وتطويرها وإقامة صناعات جديدة. فهل هناك خطة وطنية وعلى المستويات المحلية لذلك ؟ وهل هناك خطة لإعادة الصناعيين السابقين الى نشاطاتهم في سوريا ؟
لا بد من حماية الصناعات والحرف الوطنية من المضاربة والتنافس مع مثيلاتها من البضائع المستوردة. فهي لا تتحمل وطء هذه المنافسة في الظروف الموضوعية الحالية للإنتاج (ضعف توفر الطاقة والحاجة إلى ترميم وتجديد المنشآت والبنى التحتية). وعلى التوازي في سنٍ وتطبيق تشريعات لحمايتها ودعمها وتأمين مستلزمات إنتاجها يجب أن يتم فرض وتطبيق معايير المواصفات القياسية السورية والعالمية على المنتجات المحلية والرقابة عليها. إن تشجيع تأسيس شركات مساهمة ودعم المشاريع والشركات المتوسطة والصفيرة والمتناهية الصغر فنياً ومالياً من خلال خطة وتعليمات قانونية وتنفيذية يؤمن العمل لقطاعات واسعة من المجتمع ويدخلها في الحراك والنمو الاقتصادي.
إن انتهاج اقتصاد السوق الحرة دون دعم حقيقي للصناعة والإنتاج المحلي يؤثر سلبا على هذا الانتاج (كما حصل في ورشات الأحذية والألبسة والتي أوشك بعضها على الإغلاق) من ناحية ويجعل المجتمع في موقع المستهلك بدلاً من المنتج. بينما الاستثمار في الصناعات التي تملك البلاد مواردها الأولية وتتوفر الأيدي العاملة لها هو الطريق الأضمن لخلق فرص عمل ورفد الاقتصاد الوطني والتصدير. ألا يجب أن يتم دعم هذه الاستثمارات بداية بإعفاء الٱلات الصناعية المستوردة من الرسوم الجمركية ؟
وكذلك لا بد من دعم وتطوير المنتجات الصناعية والزراعية المحلية المتمتعة بعوامل الميزة النسبية المحلية في الإنتاج وتأطير حمايتها ضمن ٱليات التصدير بالاستحصال على شهادات للعلامات التجارية الجغرافية المميزة وتكون محمية الاسم في الدول الأخرى (مثل صابون غار حلب مثلاً).
وماذا عن منشٱت القطاع العام هل سيتم تفعيلها وتطويرها ام تصفيتها بالخصخصة او بالاستثمار المشترك مع القطاع الخاص او بيعها أو القيام بتأجيرها بالتعاقد مع القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي؟ وماذا عن حقوق المالكين السابقين للمنشٱت المؤممة والتي لم يحصلوا عليها بحسب مراسيم التأميم نفسها بما يتعارض قانونيا مع هذه المراسيم ومع الدستور.
لا شك بأن المشاريع ذات التمويل الخارجي أو الداخلي تبحث عن بيئة مناسبة للإستثمار أمنياً، قانونياً ومصرفياً ولكن بالمقابل فإن قوانين الاستثمار وتعليماته يجب أن تضمن بالضرورة إستفادة الاقتصاد الوطني من عوائد الاستثمارات ذات التمويل الخارجي وأرباحها.
للقطاع العام الإقتصادي دوراً أساسياً وحيوياً في العديد من المجالات في البلاد وعلى هذا القطاع تقع أعباء كبرى أفلا يجب دعم هذا القطاع بتصحيح واقعه الحالي وتجديده بدلا من طرح تهميش دوره أو حتى إنهاءه ؟
وتطوير الصناعة ألا يجب ان يترافق مع البحث وإيجاد مصادر طاقة صديقة للبيئة تخفض بشكل كبير تكاليف الطاقة التقليدية وهذا متوفر تماماً في سوريا (الطاقة الشمسية وغيرها). كما ان تطوير الصناعة يجب أن يترافق بتطوير الشروط والتعليمات للمحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث بدراسة الأثر البيئي لكل نشاط ؟
* القطاع الزراعي : على أي أسس قانونية وفنية سيتم طرح مشاريع زراعية للاستثمار ؟ هل سيتم تعديل قوانين البنية الزراعية (الملكية والحيازة) وقانون العلاقات الزراعية ؟
لا بد من تحديث البنى الزراعية وإعادة تنظيمها بشكل اختياري وضروري ومجدي للوصول الى تنمية زراعية في كافة المجالات على المستويات المحلية والمستوى الوطني.
حل مشكلة البطالة الحادة في الريف واستيعاب الفائض في مجال الصناعات الزراعية والتحويلية.
معالجة وضع أصحاب الحقوق من المالكين السابقين والمنتفعين اللاحقين من أراضي الاصلاح الزراعي وماذا عن استمرار تطبيق الخطة الزراعية بحسب المناطق وتأمين مستلزمات الانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.
وماذا سيكون مصير الجمعيات التعاونية الزراعية ؟ وبأية مرونة سيتم اعتماد وتطبيق الخطط الزراعية والتسويق الزراعي ؟ وهل سيترك النظام التعاوني الزراعي حراً ؟ وبأية شروط ؟
وماذا عن إعادة تأهيل منشٱت وأقنية ونظم الري ؟
فالزراعة المروية هي اساس الانتاج الزراعي في سوريا إذ تشغل المناطق نصف الجافة والجافة والشديدة الجفاف ٨٩٪ من مساحة سوريا. والندرة المائية ( الطلب على المصادر المائية الثابتة المتجددة البالغة حوالي ٢٣ مليار متر مكعب كمتوسط سنوي يفوق المتوفر منها) تجعل من ترشيد الري واستعمالات المياه محور سياسة الري والسياسة الزراعية: الاستفلال المتوازن للموارد المائية، حفظ المياه الجوفية، اختيار الزراعات بالاعتماد المنهجي على المقارنة المائية-الإقتصادية بينها وعلى قانون الميزة النسبية. من هنا أهمية وضع استراتيجية وطنية للزراعة والري تأخذ بعين الاعتبار التوازن ما بين المصالح الاقتصادية الوطنية ومصالح الأفراد. وتبقى إمكانيات الانتاج في المناطق البعلية والبادية كبيرة : التشجير المثمر والحراجي، تنظيم المراعي، مكافحة التصحر….
التأهيل المهني وتنوع النشاطات الإقتصادية في الأرياف وإعادة إعمار المناطق الريفية والإسكان أبنية منشٱت بنى تحتية.. قضايا بنيوية في التخطيط الإقليمي.
ولا بد من تقييم ونقد السياسات الزراعية السابقة وٱثارها الاقتصادية والاجتماعية وتقييم ما تم تحقيقه منها على مستوى الحسابات القومية والوضع المعيشي للأسر الريفية ودراسة الإشكاليات التي واجهت مساراتها وكذلك تقييم دور المنظمات النقابية غرف الزراعة واتحاد الفلاحين.
* الإسكان والتطوير العقاري:
أكثر من نصف سكان المدن الكبرى دمشق حلب حمص.. يقطنون في مناطق سكن عشوائي تعرضت للقصف وللزلزال. ولا يمكن قبول الحل بإعادة إعمار المناطق غير المرخصة العشوائية بعودة المهجرين منها لإعادة بناءها. فإن ذلك إن تم فإنه يعتبر إعادة إنتاجها كعشوائيات. ويجب اجتراح الحلول بتقديم مساكن بديلة على أراض جديدة و/ أو إعادة تخطيط وتنظيم أراضي العشوائيات وفق ٱليات فنية وقانونية واضحة والتقيد بذلك وتنفيذه عمليا في إطار المخططات التنظيمية بما يحفظ حقوق مالكي الأراضي القانونيين والوضع الانساني والمادي للقاطنين عليها. على أن يؤخذ بالدراسة النسيج العمراني الاجتماعي وعلاقته بالبيئة المحيطة للسكان والمحافظة بقدر الإمكان على الأراضي الزراعية باعتبارها ثروة وطنية. ونشير هنا بأنه وبكل أسف ما زالت ترتكب الكثير من مخالفات البناء كالتشييد غير المرخص على أراض لمالكيها أو لغيرهم او رفع طوابق اضافية على أبنيتها مما بشكل خطرا يتهدد حياة الناس ويزيد موضوع تنظيم العشوائيات تعقيداً.
ويجب تفعيل دور الشركات الوطنية العاملة في كافه القطاعات بالتنسيق مع دور الدولة الأساسي والقاعدي والاستراتيجي في إعادة الإعمار والتنمية وتنظيم مناطق جديدة للسكن تلبية للطلب المتزايد عليها. يوجد في البلاد شركات وطنية وكفاءات مهنية علمية يجب إعطائها دورا رئيسيا. كما يجب التأكد من مصداقية تلك الأجنبية التي يتم معها توقيع مذكرات التفاهم المبدئية والتعاقد من ناحية السمعة والسيرة الفنية والمالية. ومراقبة طرق التعاقد والتنفيذ وفق إجراءات قانونية واضحة.
وتبقى المسألة الكبرى في تحديد مناطق التطوير العقاري في حلب اي تحديد مناطق التوسع السكني الجديد وإقامة الخدمات الاساسية فيها من مولات وأسواق تجارية ومدارس ومشافي ودور عبادة… كيف سيتم ذلك والمخططات التنظيمية في أكثر الحالات مغيبة ؟ أي بغياب مخطط تنظيمي تفصيلي ومعتمد من المحافظة والبلدية والخدمات الفنية.
ففي حلب جرى ٱخر تعديل على المخطط التنظيمي لتوسع المدينة منذ سنوات عديدة وبقي كما هو وليس هناك أية دراسات تفصيلية لمعظم مناطق التطوير العقاري التي تم تحديدها. فكيف يمكن لأصحاب الأراضي بما فيها مديريات أملاك الدولة والبلدية البناء عل. ملكياتهم وإعمارها ؟ علما بأنه هناك ثمة مناطق تنظيمية جاهزة منذ فترة بعيدة للبناء والإعمار وتعذر التنفيذ بسبب الظروف الأمنية غرب الزهراء W3 وكاستللو طريق البلليرمون وكاستللو الشقيف N4.
والحديث عن مناطق سكنية جديدة غرب المدينة فقط وطرحها للاستثمار العقاري يبقى قاصرا فهناك أراض شاسعة غير مسكونة في شرق وشمال حلب أكثرها صخرياً وغير زراعي وهي مناطق قابلة بيسر للتخطيط العمراني والبناء السكني وإقامة المنشٱت الخدمية والسياحية والتوسع الصناعي كذلك.. كمثل المنطقة العقارية البريج لا سيما تلك المتاخمة للمنطقة الصناعية الشيخ نجار.
حلول أزمة السكن لتأمين منازل باسعار شراء مناسبة أو بقيم تأجير متناسبة مع دخول قطاعات واسعة من المواطنين عديدة : إنهاء إنجاز المخططات التنظيمية العامة وخاصة التفصيلية للبناء عليها من قبل أصحاب الأراضي او شركات التطوير العقاري، تفعيل جمعيات التعاون السكني، وتنفيذ البنى التحتية تفعيل جمعيات التعاون السكني، بناء مساكن شعبية وشبابية، وكذلك أن يكون للدولة دورا فعالاً في التخطيط والإدارة لتأمين سكن منخفض الإيجار للطبقات المحدودة الدخل وذلك من خلال مؤسسات حكومية او مشتركة تدير هذه المساكن. وفي جميع الأحوال فإن تيسير القروض المصرفية التشجيعية يدعم جميع هذه الجهود.
وكذلك لا بد من حلول إسعافية في إعادة أهل الريف الى قراهم وبلداتهم المهدمة وإعادة إعمار القرى وتنفيذ المخططات التنظيمية في القرى والمدن الكبيرة والصفيرة في المحافظات وتنمية النشاطات الزراعية والإقتصادية الأخرى فيما يمكن أن يتم بصورة عاجلة بمساهمة وجهود أهاليها وبدور الدولة في توفير متطلبات البنى التحتية والخدمات الأساسية. وهذا يتطلب خططاً إسعافية أولية ضمن برنامج وخطة طريق كتأمين صندوق اسعافي للبناء السكني وتوفير مواد بناء تقليدية (حديد أسمنت بلوك بحص) وبإشراف لجان فنية وادارات لا مركزية.
* القطاع السياحي:
السياحة واعدة في سوريا وهي تؤمن دخلا للبلاد وللأيدي العاملة. العمل على إقامة فنادق جديدة وتأهيل القديمة ترميم المباني الأثرية والأسواق التراثية وتأهيلها واستثمارها بالتعاون في هذا المجال مع جمعية العاديات ولجنة حماية حلب القديمة ومديرية الٱثار والمتاحف والمهندسين المعنيين في نقابة المهندسين.. ولا بد هنا من المطالبة الدولية بإعادة الآثار المهربة الى خارج البلاد وحماية ما هو داخلها من أي إعتداء او سرقات.
* قضايا معيشية وحياتية للمواطن تتطلب حلولا ناجعة :
تنظيم النقل والسير والمواصلات، المصارف وعملها وتأمين السيولة المصرفية والإيداعات والقروض وشركات تحويل الأموال، شفافية المعاملات الإدارية والمنظومة الضريبية، إيصال مياه الشفة ومعالجة الصرف الصحي، توفير الطاقة الكهربائية لكافة القطاعات، ترميم الطرقات والشوارع والحدائق والساحات وربط الأحياء ببعضها.
تجهيز أبنية التعليم ودعم المؤسسات التعليمية والجامعية والبحث العلمي، تأهيل الملايين من الأحداث الذين ولدوا وعاشوا تحت الخيام او في ظروف النزوح الصعبة ولم يتثنى لهم التعليم او إكمال الدراسة ويجب دمجهم في المجتمع المدني وسوق العمل ودراسة مشاكل العمالة وتأهيلها وتأمين العمل لمئات الألوف من العاطلين عن العمل. وفي كل ذلك يكمن دور الدولة.
وأذكر هنا كلمات المفكر العربي الكبير الشيخ عبد الرحمن الكواكبي : “إن فقد التربية هي المصيبة الكبرى في الشرق.. وفي الحكومات المنتظمة فهذا يكون دور الدولة.. إذ تتولى السلطة التربية والتعليم وسن القوانين الاجتماعية والعناية الصحية ورعاية العاجزين والاهتمام بالمجالات الثقافية والفنية والتخطيط العمراني”.
٩- أسس هوية اقتصادية مقترحة لسوريا:
لا يمكن فصل الهوية الإقتصادية لبلد ما عن واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي إضافة لاقتصادها. فالهوية الإقتصادية تعبر عن نفسها بطريقة التصرف بالموارد الاقتصادية الطبيعية والبشرية والمالية للدولة ما بين القطاع العام او الخاص او الجمع بينهما ونظام ملكية او استثمار هذه الموارد بين القطاعات. وبحسب الخيار السياسي لنظام الحكم في استخدام الموارد المحدودة المتوفرة له تتحدد وجهة النظام الإقتصادي للدولة وبالتالي الهوية الإقتصادية لها: نظام السوق الحر، ام نظام الاقتصاد الموجه ام النظام المختلط وبأية طريقة يجري تطبيق ذلك.
* دور أساسي تشاركي للدولة في إقامة نظام اقتصادي وطني
الدولة مدعوة للقيام بدورها الأساسي : تأمين سلامة المواطنين وحمايتهم وحماية قيم مواطنيتهم ومصالحهم. سوريا اليوم بحاجة الى اصلاح تجديدي فعلي في كافة المجالات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدستورية والتشريعية والقانونية. بحاجة حيوية الى “عقد اجتماعي” جديد صلب قائم على أسس ديموقراطية لتتمكن من إقامة نظام اقتصادي وطني يلبي متطلبات التنمية والإعمار وحاجات المواطنين الأساسية. ففي مناخ الديموقراطية تجب مناقشة الخطوط الكبرى لمستقبل سوريا. مشاورات واشتراك جميع المواطنين في مناقشة القضايا التي تخصهم وتعنيهم، على المستويين الوطني والمحلي، عبر من يمثلهم من منظمات مجتمع أهلي ونقابات علمية واتحادات وغرف مهنية وأحزاب سياسية. ذلك لا غنى عنه لإختيار نظام اقتصادي واجتماعي وطني يؤكد دور الدولة التشاركي مع المواطنين بكافة فعالياتهم ؤيعتبر القاعدة الأساسية لقيام جمهورية تبني اقتصادها ومجتمعها وتحافظ عليهما وتعمل على نجاحهما وتقدمهما المستمر.
* حريات سياسية واقتصادية واجتماعية وفق دستور دولة ديموقراطية،:
العقد الاجتماعي او الدستور القائم على أسس الديموقراطية يكفل الحريات الفردية والجماعية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين ومنها حق العمل. كما أنه يتيح حربة ممارسة النشاط النقابي المهني وتعددية الأحزاب السياسية وتنافسها السلمي في طرح برامجها الإقتصادية الانتخابية لتداول السلطة ضمن إطار الدستور والقوانين الصادرة وفقه.
* استقطاب كافة الفعاليات الاقتصادية وحشد كافة الإمكانيات الممكنة وفق خطة وطنية:
إن الوضع الراهن لسوريا يستدعي استقطاب ما أمكن من فعاليات وخبرات اقتصادية سورية في الداخل والخارج وحشد كافة الإمكانيات لبناء البلاد. فالصناعة والزراعة والسياحة والتشييد والبناء وباقي القطاعات لا يمكن لها أن تقوم على أسس التنمية المستدامة الا في إطار تخطيط إقليمي تقوم به الدولة ومؤسساتها وبتشاركية واسعة على مدى كافة مناطق البلاد. وهذا يستدعي تشكيل لجنة وطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تقوم باعداد خطة متكاملة مرحلية واستراتيجية لدراسة وتنفيذ المشاريع الاستثمارية والخدمية والبنى التحتية المختلفة قبل طرح خرائط الإستثمار لرؤؤس الأموال الأجنبية وكذلك المحلية التي يجب ان تعمل في إطار هذه الخطة الوطنية. استقطاب رؤوس الأموال السورية في الداخل ومن الخارج يجب أن يكون له الأولوية. وكذلك التحقيق الشفاف لاسترجاع كافة أموال المسؤولين السابقين ومن كان يعمل في ركب أشغالهم الفاسدة وإعادتها إلى أموال الخزينة العامة.
* دور الأحزاب السياسية (المتنافسة او المتحالفة) في طرح برامجها في الانتخابات البرلمانية والمحلية ورسم السياسة الاقتصادية في البلاد
تتنافس الأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية والمحلية على اساس برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويهدف كل حزب او تحالف سياسي الى الفوز ليطرح برنامجه على البرلمان او المجلس المحلي ويرسم تبعا لهذا البرنامج خطوط السياسة الاقتصادية للبلاد. والسياسة الاقتصادية المطروحة يجب أن تكون متناسبة مع النظام الاقتصادي مهما كان الاتجاه السياسي للفائز في الانتخابات.
فالنظام الإقتصادي للدولة يتم وضعه كما أسلفنا باتفاق وطني طبقا للإجماع الدستوري. أما السياسة الإقتصادية فقد تتغير بحسب توازن القوى السياسية في البرلمان. فمثلا يطرح اليمين برنامجه كما يطرح اليسار والوسط برامجهما كذلك. والبرنامج الذي يفوز في الانتخابات يصبح له بالإمكان ان يطرح سياسته الإقتصادية ويناقشها ليتم تبنيها في البرلمان ولكن دوما في إطار النظام الإقتصادي الوطني المعتمد. أما أصوات الأقلية البرلمانية فتبقى مسموعة ومقبولة ضمن المناقشات لا سيما النقدية لمسار تنفيذ السياسة الاقتصادية.
١٠- نحو النهوض :
على الرغم من الإشكاليات الراهنة التي تواجه الاقتصاد السوري فإن إمكانيات إيجاد الحلول لها والنهوض بكافة قطاعات الاقتصاد متوفرة. وما اقترحته عبر هذه الدراسة العامة كأسس هوية اقتصادية لسوريا هو إقامة نظام اقتصادي مختلط يقوم على اقتصاد السوق التنافسي غير الاحتكاري ويكون فيه للدولة “الديموقراطية الاجتماعية” القائمة على ‘عقد اجتماعي” اي دستور جديد وصلب دورا اساسيا واستراتيجيا وتشاركيا مع فعاليات المواطنين في عبور هذه المرحلة إلى آفاق واسعة واعدة بالازدهار.
حلب 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2025






