الجدل حول من انتصر ومن هزم في حرب غزة

معقل زهور عدي

جذب انتباهي هذا الجدل في التعليقات حول من انتصر ومن هزم في حرب غزة , في الواقع لاتنتهي كل الحروب بمنتصر ومهزوم , وربما لايكون سهلا الحكم في مثل تلك المسائل .

لنأخذ حالة حرب روسيا واوكرانيا , فهدف الحرب الواضح بالنسبة لروسيا كان احتلال العاصمة كييف واسقاط الحكومة المعادية لروسيا وتنصيب حكومة صديقة خلال أيام محدودة وبخسائر محدودة وهو سيناريو يطابق تقريبا سيناريو ربيع براغ حين أجهض التدخل السوفييتي العسكري محاولة القيادة التشيكية -” تشيكوسلوفاكيا آنذاك ” -انتهاج سياسة مستقلة إلى حد ما عن موسكو بقيادة دوبتشك والسير بطريق التحول نحو بلد ديمقراطي . وقتها قامت الدبابات الروسية التي اجتاحت تشيكوسلوفاكيا خلال أيام وبخسائر تكاد لاتذكرباعتقال القيادة التشيكية وإحضارها لموسكو وإعادة تشيكوسلوفاكيا للحظيرة السوفييتية .

واضح اليوم أن موسكو لم تحقق هدفها الذي شنت من أجله الحرب حتى الآن على الأقل , وخسرت مئات الألوف من الجنود في حرب مازالت مستعرة منذ سنتين , وتعاني روسيا من عقوبات اقتصادية شلت الاقتصاد الروسي ودفعته للوراء .

يمكن للبعض القول إن عدم تحقيق روسيا لأهدافها في الحرب وتكبدها خسائر فادحة هو هزيمة لروسيا وبالتالي انتصار لأوكرانيا وفق منطق صوري بسيط . لكن مهلا , فروسيا قد احتلت جزءا من أوكرانيا يبلغ حوالي 20% من مساحة أوكرانيا ” معظم اقليم الدونباس ” وتتركز فيه مناجم الفحم ( 56% )من احتياطي الفحم في اوكرانيا والمعادن الاستراتيجية والموارد المائية والأراضي الزراعية الخصبة . كما قامت حتى الآن بتدمير واسع للمنشآت العسكرية والاستراتيجية الاوكرانية , وخسرت أوكرانيا مئات الألوف من الجنود وهاجر منها حوالي عشرة ملايين نحو بلدان عديدة في العالم ولم يتمكن جيشها من استعادة ماخسره في الحرب وتسعى الآن بدون جدوى لوقف الحرب دون التفريط بأراضيها المحتلة . فهل يمكن اعتبارها منتصرة ؟

والخلاصة أنه في الحرب بين أوكرانيا وروسيا لايمكن القول حتى الآن أن روسيا قد انتصرت , فالحرب التي شنتها على اوكرانيا لم تحقق أهدافها ودفعت من أجلها ثمنا باهظا جدا كما لايمكن القول إن روسيا قد هزمت طالما أنها مازالت تحتل اقليم الدونباس وجزيرة القرم وتنزل بأوكرانيا أقوى الضربات كل يوم .

هنا يغدو توصيف النصر والهزيمة غير واضح وغير ذي دلالة , وحتى لو بقي الجيش الروسي في الدونباس وانتهت الحرب فهناك العقوبات الاقتصادية والمواجهة التي سوف تستمر مع الغرب الذي لن يقبل خروج روسيا منتصرة بسهولة .

مثل ذلك يمكن قوله بشأن الحرب في غزة , فدمج التأثيرات بعيدة المدى لتلك الحرب مع نتائجها الواقعية المباشرة قد يخلق صورة نصر مزيفة , فالحرب أزهقت أرواح حوالي مئة الف نسمة , ودمرت أكثر من 80% من غزة وشردت أكثر من مليوني انسان أصبحوا يهيمون على وجوههم لاسند لهم ولا مورد للحياة سوى وكالات الاغاثة فكيف يمكن التحدث عن انتصار ؟

أما حماس فقد وافقت على تسليم السلاح ورفع يدها عن حكم غزة بموجب اتفاق وقف اطلاق النار وانهاء الحرب فهل يمكن اعتبار أنها قد خرجت منتصرة عسكريا أو سياسيا لمجرد أن اسرائيل لم تحقق أهدافها المعلنة في تصفية حماس بالقوة واحتلال غزة عسكريا وتهجير سكانها ؟

لابد من النظر للنتائج غير المباشرة بعيدة المدى بصورة مستقلة عن النتائج المباشرة الواقعية , ولاشك أن النتائج غير المباشرة والبعيدة المدى هامة جدا وتتضمن انقلاب الرأي العام العالمي ضد اسرائيل وانكشاف طبيعتها العنصرية , وكذلك انكشاف محدودية قدرتها العسكرية أمام الغرب ولذلك نتائج سوف تظهر في المستقبل لكن لايمكن النظر لتلك النتائج غير المباشرة بعيدة المدى باعتبارها انتصارا بمعنى الانتصار العسكري أو السياسي وفق الواقع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى