إسرائيل على أعلى شجرة في القمر

أحمد عمر

 

الدول مثل البشر طباعاً وأعماراً، و”الناس على دين ملوكهم” قولٌ فيه صِحّة، قال الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى في الطبائع: “وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ / وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ”، وقد كشفت إسرائيل التي تريد الاندماج في ما حولها تودّداً أو دفعاً لوحشة الاغتراب، أو إنساءً لجريمة الاحتلال أو تكسّباً وتدسيساً عن احتمال عودتها إلى الغيتو (ما أحلى الرجوع إلى ربوع الوطن وثلوثه)، هذا هو الطبع الذي جاهدت في إنكاره طويلاً، والطبع يغلب التطبّع، والفأر يستحيل عليه التسبّع.

المتأمل في مصائر الدول الكبرى، مثل روسيا القيصرية التي تحوّلت إلى الاشتراكية، أنَّ زعماءها كانوا قياصرةً لهم من الأمر مثل ما لقيصر، وإن كان لقب القيصر هو الرفيق، وليس من الرفق في شيء، وأنَّ الصين الإمبراطورية التي تحوّلت إلى الاشتراكية احتفظت بجلال الإمبراطور ابن الشمس وسلطانه وسطوته، وإن ادّعى الاشتراكية.

وقد برع “العقيد” الإسرائيلي في فنِّ الخداع، أو أن العالم انخدع له، فتقنّع بقناع الديمقراطية والإنسانية والمسكنة، حتى زعم حكّامها أنَّ جيشهم “أحسن الجيوش أخلاقاً في العالم”، وما حُسن أخلاق جيشه الذي يلهو بتدمير الحضر وقتل البشر واللهو بالدماء، وقتل الأطفال والنساء سوى تجنبه معاقبة غزّة بالقنبلة النووية، لأنه إن استخدمها أضرّ بنفسه، وقضى على نفسه وأنسه، وأفسد ماء غلاف غزّة ونباتها وطيرها وسماءها وسحابها.

انكشف القناع عن “العكيد” الإسرائيلي المحتال الذي أنذر قومه من عزلة بعد عقوبات أوروبية، وتذكّر إسبرطة الكبرى، التي انتهت نهايةً مأساوية. لقد ثارت مظاهرات في معظم عواصم العالم حتى في طوكيو البعيدة، وكان أعظمها في إيطاليا وإسبانيا. إن الناس عندما ترى فيلماً تتنصر للبطل على الأشرار، والأشرار هم الأشرار، ولن يستطيع أفضل النقّاد جعل الشرير بطلاً، وقد حاول “آكل السفرجل” (صوته مغصوص) خداع العالم بأن أهل غزّة هم الأشرار، فانكشفت خدعة الفوتوشوب التي زعمت حرق أطفال واغتصاب نساء، ومضى الناس إلى التاريخ، فالحرب سبب من أسباب السياحة في التاريخ والجغرافيا، فمضوا إلى الاحتلال وأسبابه، فالتاريخ لم يبدأ في 7 أكتوبر (2023). كانوا يبشّرون بالشرق الأوسط الجديد، فإذا بالشرق الأوسط الجديد هو إسبرطة القديمة، وأن الاتفاقات الإبراهيمية محاولة لنزع عقيدة الأغيار، وأن التطبيع كان يعني أن تصير إسرائيل أختاً شقيقة، لكن في قلعتها، وحصنها، وراء أسوارها، تحت قبتها الواقية، وعلى تلّتها الراقية. وكان اليهود يسكنون الحصون في الجزيرة العربية؛ القموص والنطاح والسلالم، إبّان الرسالة، فهم قوم يأبون الاندماج مع مَن حولهم، فاحترقت الخطّة، لن تصير أختاً للعرب من فتكت بغزّة وسورية ولبنان والعراق وإيران واليمن هذا الفتك كلّه. إن إسرائيل يمكن أن تعتزل مثل إسبرطة العظمى في قلعة، وهذا هو طبع الغزاة الأصيل، وذُعر رجال أعمال إسرائيليون من تصريح نتنياهو، فحاول تلطيفه، بالزعم أنه قصد الاعتماد على الذات في الصناعات الدفاعية، فهي دولة تعيش على مساعدات أميركا وتجارتها المفضّلة هي مع الغرب، لكن هذه هي حقيقة أصحاب القلاع والحصون والمعازل، وشعب الله المختار، الديانة الإبراهيمية موجهة لدين الخصم، أمّا دين “الشعب المختار” فدين عرقي لا يرثه اليهودي سوى من الأم، الأب محروم من توريثه لأبنائه.

التطبيع عند الغزاة: بدلوا طباعكم أيها العرب، أمّا نحن فنبقى على طبعنا.

جاء في “البداية والنهاية” أنه “لما فتح عمر بيت المقدس، وتحقّق موضع الصخرة أمر بإزالة ما عليها من الكناسة، حتى قيل: إنه كنسها بردائه. ثمّ استشار كعباً (الأحبار) أين يضع المسجد، فأشار عليه بأن يجعله وراء الصخرة، فضرب في صدره وقال: يا ابن أمّ كعب ضارعت اليهود (كان ضارع اليهود يريد جمع القبلتين وتحقيق الاتفاق الإبراهيمي قبل 1400 سنة) وأمر ببنائه في مُقدّم بيت المقدس”.

عندما قرأتُ الرواية صغيراً ظننتُ أنّ عمراً سأل عن الصخرة ليكسر رأس ابن أمّ كعب عليها.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى