هل تفتح مذكرة التوقيف ضد بشار الأسد الباب أمام ملاحقته دولياً؟

في خطوة تاريخية، أصدر قاضي التحقيق السابع في وزارة العدل السورية مذكرة توقيف غيابية بحق رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، موجِّهاً إليه تهم القتل العمد تمهيداً للجناية، وقتل شخصين أو أكثر قصداً، إضافة إلى ارتكاب أعمال تؤدي إلى إثارة الحرب الأهلية والتعذيب المفضي إلى الموت.

وبموجب المواد 533 و534 و535 و298 من قانون العقوبات السوري، يواجه الأسد أحكاماً قد تصل إلى الإعدام، ما يشكّل إشارة واضحة من السلطات السورية إلى جدّية فتح باب المحاكمة، وربما تمهيد الطريق لتعميم المذكرة عبر الإنتربول الدولي، بما يعزز إمكانية ملاحقته خارج البلاد.

سنوات من الجرائم والانتهاكات في سوريا

عاش السوريون خلال حكم الأسد حقبة مظلمة اتسمت بأبشع أشكال القتل والتعذيب والتجويع، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، بما فيها الأسلحة الكيماوية. وعلى مدى أكثر من عقد، سعى النظام لقمع المطالب الشعبية بالحرية والكرامة بشتى الوسائل، إلا أن كل تلك المحاولات فشلت أمام إرادة السوريين في التحرر.

وتؤكد بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن الأسد مسؤول عن مقتل ما لا يقل عن 200 ألف مدني، بينهم 15 ألفاً قضوا تحت التعذيب، وإخفاء 96 ألفاً قسرياً، وتشريد قرابة 13 مليون مواطن. كما أسهمت جرائمه في انهيار البنية التحتية وتدمير نصف مدن البلاد، فضلاً عن التدهور الاقتصادي الحاد.

ورأى سوريون أن صدور المذكرة يمثل خطوة طال انتظارها لتحقيق العدالة بحق من ارتكب جرائم لا تُحصى ضدهم، مؤكدين أنهم يواصلون المطالبة بمحاكمة الأسد وكل من تورط في تلك الانتهاكات، بالتوازي مع مساعيهم لإعادة بناء وطنهم.

الأبعاد القانونية للمذكرة

أوضح الخبير في القانون الدولي، بسام طبلية، أن صدور مذكرة محلية أمر قانوني تماماً، إذ لم يعد بشار الأسد رئيساً، وبالتالي لا يتمتع بأي حصانة، مشيراً إلى أن الجرائم التي ارتكبها تندرج تحت الخيانة العظمى وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ما يتيح نسبها إليه وفق القانون السوري.

وبيّن طبلية في لقاء مع “تلفزيون سوريا” أن هذه الخطوة تعد بداية لمسار قضائي قد يفتح الباب لتعميم المذكرة عبر الإنتربول، بهدف تقييد حركته دولياً.

من جهته، أوضح عضو الهيئة العامة لفرع نقابة المحامين في حلب، عبد العزيز درويش، أن المذكرة جاءت نتيجة دعوى الحق العام استناداً إلى جرائم ارتُكبت في درعا قبل منتصف عام 2011.

وأشار درويش في لقاء مع “تلفزيون سوريا” إلى أن قاضي التحقيق يملك صلاحية إصدار مذكرة توقيف غيابية بعد استنفاد مراحل الاستدعاء والإحضار، مؤكداً أن الجرائم التي ارتكبها النظام منذ عام 2011 حتى نهاية 2024 لن تمر دون محاسبة، وأن ذوي الضحايا لم يتنازلوا عن حقوقهم.

إمكانية التعميم عبر الإنتربول

شدد طبلية على أن المذكرة يمكن أن تُعمم عبر منظمة الإنتربول بعد التأكد من أن دوافعها قضائية وليست سياسية، ما يتيح اعتقال الأسد أينما وُجد. وأكد أن على سوريا أن تبادر بجمع الأدلة وتوثيقها، وإصدار المذكرة، ثم تعميمها عبر النشرة الحمراء.

ولفت إلى وجود مئات الأدلة والوثائق التي جُمعت منذ عام 2012 ووُضعت في بلجيكا بكلفة تجاوزت 8 ملايين دولار، لتشكّل ملفاً متكاملاً لمحاسبة النظام، موضحاً أنه رغم إتلاف النظام كثيراً من الوثائق، فإن تهريب أدلة كافية إلى الخارج يحول دون إفلاته من العقاب.

وأضاف: “بشار الأسد بصفته رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، كان يجب أن يعلم بما يحدث في سوريا، كما أن وسائل الإعلام نشرت الجرائم، لكنه لم يتخذ أي إجراءات، بل نفى ذلك رسمياً، وهذا دليل على علمه ومسؤوليته القانونية”.

المحاكمة العلنية والملاحقة الدولية

يرى درويش أن القضية يمكن أن تتحول لاحقاً إلى محكمة جنايات علنية في سوريا، وفق القانون السوري الذي يتيح علنية الجلسات إلا في حالات استثنائية. غير أن طبلية أوضح أن وضع بشار الأسد يختلف عن حالة صدام حسين، إذ يحتمي اليوم بروسيا، ولن تسلمه موسكو إلا وفق مقايضات سياسية محتملة، مشدداً على أن أي محاكمة مقبلة يجب أن تكون علنية لإظهار العدالة أمام العالم.

وبشأن الملاحقة الدولية، أشار درويش إلى إمكانية ذلك في دول تتبنى مبدأ الاختصاص الشامل مثل فرنسا وألمانيا، حيث يمكن محاكمة بشار الأسد على الجرائم التي ارتكبها، من القتل العمد والتعذيب وإثارة الحرب الأهلية، كما يمكن لمحكمة الجنايات الدولية النظر في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظامه.

وأكد درويش أن سوريا بحاجة إلى تطوير منظومتها القانونية، بما في ذلك قانون العقوبات لتجريم جرائم الحرب بشكل أوضح. وبحسب الإعلان الدستوري الحالي، لا يملك رئيس الجمهورية صلاحية سن التشريعات، لذا يتعين انتظار انتخاب مجلس شعب جديد لإقرار التعديلات القانونية اللازمة لملاحقة مرتكبي الجرائم الكبرى.

يشار إلى أن مذكرة التوقيف الغيابية بحق بشار الأسد تمثل نقطة تحول بارزة في مسار العدالة السورية، إذ تمنح أملاً جديداً لذوي الضحايا ولملايين السوريين الذين عانوا ويلات الحرب والقتل والتشريد. ومع توافر أدلة دامغة واهتمام دولي متزايد، تبقى مسألة محاسبته رهناً بالتطورات السياسية الإقليمية والدولية، غير أن الخطوة الحالية تشكّل بداية حقيقية لكسر حلقة الإفلات من العقاب وفتح الطريق أمام تحقيق العدالة المنشودة.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى