
“أعيدوا لنا الحجر فهو دليل وجودنا قبل الجميع في القدس، مدينتنا التي لن نفرط بها”. هذا هو عنوان التوتر الإسرائيلي – التركي الجديد الذي اندلع الأسبوع المنصرم بسبب “نقش سلوان”، اللوحة الحجرية التي حفرها عمال النفق بعد الانتهاء من أعمال إيصال مياه “نبع جيحون” إلى بركة سلوان، في القدس المحاصرة من قبل الملك سنحاريب الآشوري قبل نحو 3 آلاف سنة.
النقش لا يحمل إشارات دينية مباشرة، إلا أن قيمته السياسية تنبع من العثور عليه في القدس الشرقية، ومن ارتباطه التاريخي بفترة الهيكل الأول، بحسب الرواية الإسرائيلية. لهذا السبب، تسعى إسرائيل لتوظيف النقش كـ”وثيقة أثرية” تعزز مزاعمها بالوجود اليهودي المبكر في المدينة، وتخدم روايتها حول “أقدمية السيادة”.
لكن السؤال يبقى: هل يحتاج بنيامين نتنياهو فعلًا إلى “حجر سلوان” ليبرر سياسات التدمير والتهويد التي يقودها اليوم في القدس المحتلة، وينقذ نفسه من كل الجرائم وحروب الإبادة التي ترتكب هناك ضد الشعب الفلسطيني؟ وهل سيوفر له حجر، مهما كانت أهميته، محاولات الالتفاف على القرارات الأممية والدولية وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في دولتهم وعاصمتهم؟
هو يريد هذه المرة أن يستقوي بتواجد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بجانبه في احتفال “افتتاح النفق القديم”، داخل القدس الشرقية ليطالب تركيا بتسليم النقش الحجري الذي نقله العثمانيون قبل 145 سنة من القدس الشرقية إلى إسطنبول، بعد محاولات متكررة لسرقته وتسييسه عبر التاريخ، سواء لأغراض دينية أو دعائية. هدفه الأول والأخير هو الإعلان من هناك “أن القدس هي عاصمة لإسرائيل، ولن تُقسّم أبدًا، وأن ما يُسمى الدولة الفلسطينية لا وجود لها”.
حصة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كبيرة ومحفوظة طبعًا، طالما أنه يذكر يوميًا بحقوق الشعب الفلسطيني وعاصمتهم القدس: “سيد أردوغان، القدس لنا، وستبقى لنا إلى الأبد”.
ملفت أن يكون أول من سارع لدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن يهودية مدينة القدس هو وزير الصحة اليوناني أدونيس جورجياديس. والسبب سياسي قبل أن يكون تاريخيًا أو دينيًا كما يبدو: “تركيا دولة عدوة، وإذا ما وقفنا بجانب حليفنا الاستراتيجي الإسرائيلي اليوم، فسنجده بجانبنا غدًا عندما نحتاجه”.
ملفت أن يكون أول من سارع لدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن يهودية مدينة القدس هو وزير الصحة اليوناني أدونيس جورجياديس. والسبب سياسي قبل أن يكون تاريخيًا أو دينيًا كما يبدو: “تركيا دولة عدوة، وإذا ما وقفنا بجانب حليفنا الاستراتيجي الإسرائيلي اليوم، فسنجده بجانبنا غدًا عندما نحتاجه”.
الترجمة العملية لما يبحث عنه نتنياهو بدلًا من الوصول إلى اللوحة التاريخية التي كانت حتى الأمس موجودة في متحف إسطنبول للآثار القديمة، وباتت بعد الآن تحت الحراسة الأمنية المشددة، ظهرت إلى العلن قبل يومين مع إرسال تل أبيب منظومة دفاع جوي ورادارات حديثة إلى قبرص اليونانية، في محاولة لمحاصرة تركيا جنوبًا في شرق المتوسط، وتحويل القسم اليوناني من الجزيرة إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية على مرأى ومسمع الاتحاد الأوروبي، الذي قبل جنوب الجزيرة دولة عضوة في الاتحاد في العام 2005، ويريد تمكين إسرائيل من موطئ قدم دائم في جنوبها، بدلًا من دعم جهود حل المعضلة القبرصية.
تصريحات نتنياهو الأخيرة تأتي في سياق سياسي، ولا تحمل معها مؤشرات باتجاه أي تحرك دبلوماسي أو قانوني لأخذ اللوحة الحجرية. الدليل هو تكرار الدبلوماسيين الإسرائيليين أنه لا توجد جهود حالية للمطالبة رسميًا بالحجر، وأن القضية ليست على جدول الأعمال الحالي للحكومة الإسرائيلية لأن الرد التركي الرسمي بات معروفًا. الوصول إلى “النقش الحجري” ما هو إلا ذريعة للتصعيد أكثر فأكثر مع أنقرة، لأن نتنياهو يعرف أكثر من غيره، وبعد 5 محاولات إسرائيلية فاشلة، أن تركيا لن تسلم الحجر الذي نقلته من القدس الشرقية إلا للفلسطينيين أصحاب الحق في المدينة.
يستفيد نتنياهو من وقوف واشنطن بجانبه حتى النهاية في حربه الإقليمية المدمرة. لا يريد أن يقرأ ارتدادات ما يفعله سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. يحاول إلزام الإدارة الأميركية بتبني كل ما يقول ويفعل على أكثر من جبهة مشتعلة، والدليل تواجد وزير الخارجية الأميركي بجانبه وهو يعلن انتهاء مفعول القرارات الأممية حول القدس.
اختيار نتنياهو إطلاق مطالبه من قلب النفق ليس مجرد احتفال أثري، بل محاولة لاستخدام السرد اللاهوتي كرافعة سياسية، لربط الأرض بالحقيقة التوراتية، وتحويل الحجر إلى مفتاح رمزي “لحق إلهي” مزعوم.
الهدف هو لعب ورقة الحجر التاريخي لتعزيز إسرائيل روايتها حول حقها التاريخي والأقدمية بتواجدها في القدس، مراهنة على قصة حفر النفق بشقها اللاهوتي، ومن خلال ذلك إثبات امتلاكها لمفتاح المدينة.
القضية إذًا قد تكون أبعد من محاولة الوصول إلى “نقش سلوان”، بقدر ما هي العمل على إشعال أزمة جديدة مع أنقرة. إسرائيل قد لا تريد الحجر، بل تحويله إلى ورقة اصطفاف ودعم سياسي لها. فهي تعرف أن احتمال تحوله إلى سلاح ضدها عندما تتحرك تركيا إقليميًا ودوليًا لتذكيرها بالتزاماتها السياسية والقانونية في موضوع القدس قائم في كل لحظة. وأن القدس الشرقية، حيث تم العثور على النقش، كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية آنذاك، وهي الآن جزء من فلسطين المحتلة.
ما يقلق نتنياهو أكثر هو أن تدمج تركيا قضية القدس في إطار دعمها للقضية الفلسطينية ومواقفها الرافضة للسياسات الإسرائيلية هناك، وأن تتحول بذلك ورقة “نقش سلوان” إلى فرصة سياسية وقانونية بيد أنقرة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين بعاصمتهم القدس، وتصبح صراعًا أعمق حول السيادة التاريخية والدينية على المدينة. التأكيد اليومي من قبل القيادات التركية على أن القدس ليست مجرد مدينة، بل قضية مركزية وميراث لأكثر من ديانة، يعطي بعض المؤشرات حول ما قد تقدم عليه أنقرة بهذا الاتجاه.
القضية أبعد وأهم من أن تكون مجرد قضية قطعة أثرية تحاول إسرائيل استردادها من أنقرة. وتركيا ستستمر في اعتبار اللوحة من التراث العثماني ولا تُخضعها للمطالب الإسرائيلية. فتسليم اللوحة قد يُستخدم من قبل إسرائيل كإنجاز تاريخي وديني ودبلوماسي كبير، يعزز من صورتها كدولة قادرة على استعادة تراثها، في حين هدف تركيا ومفاجأتها في القريب قد يكون تحويل حجر سلوان إلى وثيقة تدين إسرائيل التي تطالب بما هو ليس لها وتنتظر تسليمها لأصحابها الحقيقيين في فلسطين عند إعلان القدس عاصمتهم. “نقش سلوان” قد يكون آخر ما تريده إسرائيل على الورق، لكنه قد يصبح أول ما يفتح باب المحاسبة في المحافل الدولية.
المصدر: تلفزيون سوريا







كلام زعيم الإرhاب الدولي نتnياهو “أعيدوا لنا الحجر فهو دليل وجودنا قبل الجميع في القدس، مدينتنا التي لن نفرط بها”. كلام حق يراد به باطل، الذي فعله ويفعله من قتل وتدمير وإبادة جماعية بفلسTين إحتاج لهذه الرقيم ليبرره؟ إنه يبحث عن سبب لرفع مستوى التوتر مع تركيا/اردوغان وليدعم اليونان بمواجهتها، الإستخدام السياسي المتعدد الأوجه للرقيم له أبعاد للطرفين.