مساكن السومرية: قضية حقوق مغتصبة

علي بكر الحسيني

يعود الجدل اليوم مجدداً حول مساكن حي السومرية في دمشق، في وقت تحاول فيه بعض الأصوات تصوير الأمر وكأنه استهداف لطائفة بعينها أو فئة محدّدة ، غير أنّ الحقيقة أوضح من كل هذا الغبار المفتعل .

فنحن أمام قضية حقوق مصادَرة منذ عقود، ضحاياها أهالي معضمية الشام، والجاني الأبرز فيها رفعت الأسد وأجهزته، ضمن مشروع منظّم لابتلاع الأرض وإحكام السيطرة.

أولاً: بداية الحكاية :

كوني نسيب عائلة معضمانية منذ القدم ( آل معتوق ) ، و من خلال حواراتي مع الكثيرين من أصحاب الأرض الذين يملكون ( سندات ملكية ) و مازالت لديهم لغاية الآن ، حيث يتفق كبار السن من أهالي المعضمية، ممن عايشوا الوقائع عن قرب، على أنّ أراضي السومرية وما جاورها كانت ملكاً موثّقاً للأهالي، بورق “الطابو الأخضر” الذي يمتد تاريخه حتى العهد العثماني. ومع وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1971، فُتح الباب واسعاً أمام شقيقه رفعت ليطلق أوسع عملية سطو عقاري في تاريخ دمشق الحديث.

ولم يكتفِ رفعت بالإستيلاء بالقوة، بل حاول في البداية أن يغطي جريمته بغطاء “الشراء”، فعرض على أصحاب الأراضي 10 ليرات سورية فقط للمتر الواحد – وهو مبلغ زهيد حتى بمقاييس السبعينيات – ، وحين رفضوا عمد إلى إيداع المبلغ في المصارف السورية و كأنه أوفى بما عليه . ثم مضى خطوة أبعد من ذلك إذ حوّل الأرض إلى مجمّعات سكنية وزّع شققها على ضباط سرايا الدفاع وعناصرها بأقساط زهيدة لا تتجاوز 75 ليرة سورية شهرياً، في واحدة من أبشع صور النهب المنظّم المقنّع بواجهة قانونية زائفة.

ثانياً: خريطة السطو على الأرض :

لم يكن الإستيلاء مشروعاً واحداً بل خطة كاملة غيّرت وجه المعضمية ، فقد كانت مساحة البلدة عام 1970 تقارب 49 ألف دونم، وبحلول عام 1987 تقلّصت إلى 11 ألف دونم فقط، أي أنّ نحو 77.6% من الأرض ابتُلعت.

( قد يكون هناك أراضٍ أخرى نسي الشهود الذين إلتقيتهم من ذكرها ) .

و فمايلي أبرز المعالم التي قامت فوق الأرض المصادَرة :

1-مساكن الضباط:

و هي مجمّعات سكنية فاخرة خُصّصت لكبار ضباط الجيش والأمن على حساب أراضي المعضمية.

2-مساكن السومرية

: نُسبت لسومر ابن رفعت، وكانت باكورة السطو؛ و هي مجمّع مغلق لضباط سرايا الدفاع.

3-عشوائيات السومرية :

كُتل غير منظمة نمت خلف المساكن الرسمية فوق الأراضي المغتصبة.

4-مساكن الحرس الجمهوري (جسر المشاة – طريق بيروت) :

و هي قاعدة أمنية متقدمة على الطريق الدولي.

5-الحي الشرقي :

إقتطاع واسع للأرض و قد أُلبس لبوس المؤسسات الخدمية ، بينما هدفه إحكام السيطرة.

6-الحي الشمالي:

توسّع عمراني أحاط بالمعضمية من جهة الشمال.

7-الحي الغربي:

إقتطاع واسع من الجهة الغربية للمعضمية، حُوِّل إلى أبنية سكنية و مؤسسات ظاهرها خدمي وباطنها أمني، لتطويق المدينة من جهة طريق المزة – كفرسوسة .

8-منشآت الطاقة الذرية:

واجهة علمية تخفي حقيقة أمنية–عسكرية ابتلعت مساحات كبيرة.

9-مساكن يوسف العظمة:

مشروع سكني على أرض مصادَرة سُمّي باسم وطني لستر الجريمة.

10-مساكن البحوث العلمية:

شقق للعاملين في مؤسسات ذات طابع أمني أكثر من علمي.

11-مساكن ثلاث خمسات (555):

مخصّصة لوحدة عسكرية خاصة.

12-مساكن الرابعة والجاهزية:

أبنية لضباط الفرقة الرابعة وعناصر الأجهزة الأمنية.

13-مساكن الشرطة (كتلتان):

الأولى قرب مؤسسة الإسمنت، والثانية على أوتوستراد 40.

14-رحبة الأمن الجنائي:

مركز لوجستي بمحاذاة محطة الكهرباء.

15-رحبة 470:

في قلب المعضمية، وإلى جانبها إدارة الحرب الكيمياوية.

16-مركز منظمة التحرير الفلسطينية:

أقيم داخل الأراضي المصادَرة ضمن شبكة التحصينات.

17-الفرقة الرابعة:

إبتلعت جبال المعضمية وحوّلتها إلى ثكنة عسكرية محصّنة.

18-واحة المهندسين / مساكن العراقيات:

مشروع سكني ضخم بُني على أرض مسلوبة وسُوّق كجمعية شرعية.

19-مساكن الزهريات:

كتلة عمرانية جديدة فوق أراضٍ زراعية مغتصبة.

20-مساكن المروحيات: خُصصت لضباط الطيران والمروحيات العسكرية.

21-مبنى الأمم المتحدة:

مبنى دولي فوق أرض صودرت من الأهالي.

22-مبنى الاتصالات:

مؤسسة خدمية على أرض مغتصبة وُظفت لصالح السلطة.

23-مبنى الاقتصاد (وزارة الاقتصاد سابقاً):

مقر حكومي على أرض مسلوبة.

24- فندق ياسمين روتانا (رامي مخلوف): فندق فاخر أقيم على أرض مسلوبة، ذروة إستثمار النهب لصالح العائلة الحاكمة.

25-جزء كبير من أوتستراد المزة الذي يبدأ من أمام فندق رامي مخلوف المذكور أعلاه بإتجاه جديدة عرطوز .

26-مطار المزة العسكري، والذي وضعت فرنسا يدها على جزء منه عام 1935، وقام نظام البعث بمصادرة جزء أخر عام1967، وتحويله لمطار مشترك،عسكري -مدني، وعند إستلام حافظ الأسد للحكم عام 1971 ، صادر المزيد من الأراضي بمحيط مطار المزة من جهة المعضمية، وبدأ بناء مطار دمشق الدولي وأغلق المطار المدني القديم عام 1973 وإفتتح مطار دمشق الدولي الحالي .

و بحلول عام 1987، ألغى حافظ الأسد صفة “الإستملاك” و حُوِّلت الأراضي إلى ملكية رسمية لمحافظة دمشق؛ خطوة ظاهرها القانون وباطنها تثبيت لسطوٍ حرَم الأهالي من معظم أرضهم التاريخية.

ثالثاً: البعد الطائفي المزعوم :

يحاول البعض اليوم دفع الملف باتجاه التحريض الطائفي، وكأنه إستهداف لطائفة بعينها. فصحيح أن المستفيدين الأوائل كانوا من لون واحد مقرّبين من سرايا الدفاع، لكنّ الكثيرين منهم باعوا شققاً لسنّة ومسيحيين ومرشديين ، ومع ذلك تبقى الحقيقة الثابتة أن الأرض مغتصبة، والبيع والشراء جريا بلا سند قانوني.

رابعاً: الشراكة في الجريمة :

لا يُعفى من الجريمة المشتري الذي اقتنى شقة وهو يعلم أنّ البيع بلا طابو أخضر ، فالجميع في سوريا يدرك أنّ الطابو الأخضر هو الدليل الوحيد على الملكية الشرعية المتسلسلة عبر الأجيال. وبذلك يصبح المشتري شريكاً في السطو حين يحتمي بالعصابة الأسدية بدل القانون.

خامساً: ما المطلوب اليوم؟

الحل ليس بالتحريض ولا بتسويق المظلومية الإنتقائية، بل بالعودة إلى القانون والعدل ، و على الدولة أن تفتح السجلات وتجيب على التالي :

1-من هو البائع الأول؟

2-هل كان يملك أصلاً حق التصرف؟

3-كم بيتاً أو شقة جنى من المال الحرام؟

(ويمكن العودة إلى المديرية العامة للمصالح العقارية – في شارع 29 أيار بدمشق – أو فروعها في المحافظات للتحقق والتوثيق).

إنصاف الأهالي واستعادة الحقوق :

إن رد الحقوق مباشرةً ، أو عبر تعويض عادل وشفاف – هو السبيل الوحيد لإغلاق هذا الملف. أما جرّه نحو الإصطفافات المذهبية فليس إلا استمراراً للجريمة بأقنعة جديدة.

تحوّلت معضمية الشام من بلدة زراعية مترامية الأطراف إلى مساحة محاصَرة بالكتل السكنية والمقارّ الأمنية والعسكرية ، و كل حجر إسمنت في مساكن السومرية وما جاورها، يبقى شاهداً على حقّ مغتصب لم يُرَدّ بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى