بعد عطالة زادت على تسعة شهور بسبب رخاوة وميوعة الموقف الدولي، ومماطلة وتسويف نظام الأسد الصغير، وجائحة الكورونا، بدأت اللجنة الدستورية المصغرة اجتماعاتها وأعمالها لصياغة مشروع دستور سوري جديد، يكون أحد مخرجات الحل السياسي، وفق خطة المبعوث الدولي السابق دي ميستورا، الذي اختار البدء في العملية السياسية، بحسب ما تفتقت عبقريته، والتي نصت عليها القرارات الدولية ذات الصلة، وخصوصًا بيان جنيف 1والقرار 2254، من خلال تشكيل اللجنة الدستورية، باعتبارها واحدة من السلال الأربع، مقدمًا إياها على غيرها من السلال، هيئة الحكم الانتقالي، ودستور جديد، وتنظيم انتخابات حرة، وأخيرًا محاربة الإرهاب، التي اقترحها، ووافقت عليها الأمم المتحدة وألزمت بها مختلف الأطراف كاستحقاق دولي.
البدعة الخرقاء، خصوصًا لجهة تشكيل اللجنة أعطت النظام حق “الثلث المعطل”، وهي أتت نتيجة دمج بين مسار الأستانة وسوتشي الروسي، الموازي وسيء الصيت، والمسار الدولي، وعليه فقد بقيت، منذ البداية، موضع تشكيك بجدواها وقدرتها على إحداث تحول وانتقال سياسي في سورية، ينهي نظام الأسد الاجرامي، ويفكك منظومة القتل والإجرام والفساد.
تأتي الجولة الحالية في ظل عطالة وشلل تأمين للهيئة العليا للمفاوضات، التي يفترض أن تكون مرجعية المعارضة في العملية التفاوضية برمتها، وهي تعاني ما تعانيه من تعثر وتخبط، والمحاصرة بأزماتها وارتهانها، وفقدانها للمصداقية في حدها الأدنى، وعلى وقع تصعيد جديد في ريف محافظة إدلب وحشود كبيرة لقوات النظام وحلفائه، ربما ينهي اتفاق أو تفاهم آذار/ مارس الماضي بين الأطراف الثلاثة الضامنة لوقف إطلاق النار. بحسب قول المبعوث الدولي، غير بيدرسون، قبل بدء الاجتماعات، فإنه من غير المتوقع، أن تحقق هذه الجولة، كسابقاتها، أي تقدم مأمول ومنتظر، مما يبدد سلفًا أي رهان ذي جدوى على وقف معاناة السوريين، ومأساتهم المستمرة منذ ما يقرب من عشر سنوات وحتى الآن، والاجتماعات التي مقررًا لها أن تنتهي يوم السبت، 29_ 08 بدأت بمشكلة إصابة أربعة أعضاء من وفد النظام والمعارضة والمجتمع المدني، بفيروس الكوفيد 19، والذي بسببه توقفت المحادثات لمدة يومين، وهي تدور في منحيين مختلفين، بحسب مصادرنا الخاصة، ففي الوقت الذي تصر المعارضة على مناقشة أسس العملية الدستورية، يتحدث وفد النظام عن مفهوم الوطنية السورية ومقتضياتها، والتأكيد على ثوابتها.
ما يجري في جنيف الآن كان الأسد القاتل، نفسه، دقيقًا في توصيفه له قبل أسبوعين عندما ألقى كلمته في افتتاح مجلس “شعبه”، وقال إنها(خزعبلات سياسية)، لمعرفته بما يدبر من حيل، وما لديه من قدرات تمكنه من الخداع والمناورة، وكيف يجتر الوقت مراهناً على تغير في الموقف الدولي الذي ينتظر توافقات واستحقاقات كبرى، أهمها الانتخابات الأميركية القادمة، ما يمنحه فرصة البقاء والاستمرار، وهو الذي ماطل ثلاثة شهور مع المبعوث الدولي حتى اتفق معه على جدول أعمال هذه الجولة، والتي عطلتها جائحة الكورونا ستة شهور إضافية.
عموم السوريين لا ينظرون بجدية واهتمام إلى محادثات جنيف إدراكًا منهم لعدم جدواها، ومعظمهم يوقنون أن هذا كله نوع من العبث غير المجدي، ولن يفتح أمامهم طاقة أمل على مستقبلهم.
اختصار العملية السياسية برمتها في اللجنة الدستورية ملهاة لن تقدم شيئًا للسوريين وهي لا تعدو رفع عتب عن المجتمع الدولي الذي يحاول أن يبرئ ذمته من دم السوريين بهذا الحراك الدبلوماسي دون طائل، فبعد ثلاث جولات من المفاوضات يمكن القول إننا لانزال نراوح في المكان، بانتظار القادم والمجهول. لن يحقق السوريون شيئًا من آمالهم وأحلامهم في مسار سياسي يعترف رعاته الدوليون بعدم جدواه، وذلك ما قاله غير بدرسون في إحاطة إلى مجلس الأمن.! مما يفرض علينا كسوريين البحث في طرق أخرى لخلاصنا.