من إدلب إلى معتقلات النظام فشوارع دمشق.. كيف يرى “أبو سكينة” سوريا وطنا؟

حنين عمران

بلغةٍ عربية ركيكة اكتسبها خلال سنوات عيشه في سوريا على جبهات “الرباط” كما يسميها، وبين “الأخوة” كما يصفهم في معتقلات النظام المخلوع، يعبّر (أبو سكينة) عن تفاؤله بقرار الحكومة السورية الأخير المتعلق بدمج المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش السوري الجديد، يقول (أبو سكينة) في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: “نحنُ مبسوطين! وين نروح إذا لم يسمحوا لنا بالبقاء مع إخوتنا في سوريا؟ نحنُ الآن لسنا خائفين”.

وصل محمد يوسف رحيم سليمان والمكنى بـ أبو سكينة، إلى سوريا في بداية عام 2016 “من أجل مساعدة المسلمين السوريين والجهاد في سبيل الله” بحسب كلامه وكان قبل ذلك في كوريا الجنوبية التي سافر إليها عام 2012 بهدف العمل. وقد كان أبو سكينة منضماً إلى مجموعة (الإمام البخاري) ، وينحدر في أصوله من أوزباكستان، وانضمّ لاحقاً في عام 2018 إلى الحزب الإسلامي التركستاني (غرباء) المنضوي تحت هيئة تحرير الشام في إدلب. يبلغ أبو سكينة من العمر 34 عاماً وقضى في إدلب 4 سنوات قبل أن يأسره النظام في 25 شباط 2020 في معركة بمنطقة كفرعويد بريف إدلب.

 

“الضوء الأخضر” لدمج الأجانب

في 17 أيار، أمهلت وزارة الدفاع السورية الفصائل العسكرية 10 أيام لحلّ نفسها والانضمام من دون شروط إلى الجيش السوري الجديد. استجاب الحزب الإسلامي التركستاني للقرار، معلنًا حلّ نفسه واندماجه ضمن الجيش، مؤكدًا ولاءه للدولة وقطع صلاته بالخارج، وفق بيان وتصريح لقادته لوكالة رويترز.

القرار جاء بعد تحول في موقف إدارة ترمب، التي أوعزت بدمج المقاتلين الأجانب ضمن عملية “إعادة هيكلة الجيش”، بعد أن كان استبعادهم شرطاً لرفع العقوبات. هؤلاء المقاتلون، وبينهم الإيغور، كان لهم دور بارز في المعارك ضد النظام المخلوع، وامتازوا بالانضباط والخبرة.

مصادر في وزارة الدفاع رأت أن دمجهم يجنّب خطر انضمامهم لتنظيمات متطرفة مثل داعش والقاعدة، في ظل رفض بلدانهم إعادتهم. وتم بالفعل تجنيد 3500 مقاتل أجنبي ضمن “الفرقة 84” التي تضم جنسيات متعددة من آسيا الوسطى وروسيا.

أحد المقاتلين، “أبو سكينة”، قال لتلفزيون سوريا إن إدلب هي وطنه الحقيقي، وإنه مستعد للعيش في أي مكان بسوريا، مشددًا على ارتباطه العاطفي بالسوريين.

تنظيم للمؤسسة العسكرية أم زعزعة لوطنية الجيش؟

أثار قرار دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد انقسامًا واسعًا في الأوساط السورية. ففي حين يرى بعضهم في القرار خطرًا على الهوية القومية ووحدة الجيش، يحاجج آخرون بأحقية هؤلاء في المشاركة، نظرًا لدورهم السابق في قتال النظام المخلوع، أو لأنهم مسلمون يمكن اندماجهم في دولة تعتبر الإسلام مرجعيتها.

يرى التيار الرافض أن دمج الأجانب يهدد بنية الجيش الوطنية، القومية والعقائدية، ويخلق تبعية محتملة لقوى خارجية. في المقابل، يرى تيار آخر أن دمجهم يحدّ من مخاطر تحولهم إلى خلايا متطرفة منتشرة دوليًا.

الصحفي حسام جزماتي لخّص المواقف بثلاثة آراء: مؤيدون يمنحونهم “حصة” في الدولة الجديدة. وسطيون يرون الاكتفاء بالسماح لهم بحياة مدنية. رافضون يعدّونهم “إرهابيين” يجب ترحيلهم.

جزماتي عبّر عن تأييده للرأي الثاني، منتقدًا غياب النقاش الوطني، وإقدام أميركا على الموافقة على الدمج والتجنيس بشفافية، بما يتماشى مع شروطها.

أما الصحفي باسل المحمد، فرأى في القرار فرصة لبناء جيش جديد قائم على الولاء للأرض والانضباط، واختبارًا لهيبة الدولة في ضبط عناصرها. واعتبر أن الخطوة تؤسس لنموذج سياسي وأمني جديد، يُحتوي فيه الخطر بالتنظيم لا القمع.

ورغم الأبعاد السياسية والاستراتيجية، تبرز مخاوف اجتماعية من تأثير وجود هؤلاء المقاتلين، خاصة بالنظر إلى ارتباط بعضهم سابقًا بتنظيمات متطرفة، في حين يرى آخرون أنهم مسالمون ويمكن دمجهم مجتمعيًا.

 

تضحية في سبيل الله أم حُباً في سوريا؟

أبو سكينة الذي تنقل بين معتقلات النظام في حلب ودمشق، يصف ما فعله بأنه “تضحية في سبيل الله والمسلمين” ولا يتوانى في التعبير عن محبته للسوريين كلما سنحت الفرصة بذلك خلال لقاء موقع تلفزيون سوريا به. وعن دوافعه للمجيء إلى سوريا، أوضح بأنّه ينفذ وصية الرسول لبلال حينما أخبره بأنه إذا ازدادت الفتن في الدنيا فليأوي إلى الشام لأن بلاد الشام مأوى الإيمان في أوقات الفتن.

أبو سكينة بسحنته الآسيوية، ظنّه عناصر النظام المخلوع “صيداً ثميناً” حينما تمكّنوا من اعتقاله؛ فكان ذلك إثباتاً لسرديات النظام بأنّ الثورة السورية ليست ثورة بل هي حراك متطرف وأنّ المعتقلين بما فيهم الأجانب يحملون جميعاً صفة “إرهابي”. وفي مقطع مصوّر يوثق عملية اعتقال أبو سكينة، تجمع حوله عناصر النظام وبدأوا بشتيمته والسخرية منه، في حين ينزف رأسه بعد تعرضه للإصابة في عينيه وأذنيه وصدره بعد غارة على موقع “رباط” مجموعته.

ونُقل أبو سكينة إلى مطار كويرس حيث تمّ التحقيق معه تحت التعذيب على الرغم من إصابته البالغة، قبل أن ينقل بطائرة عسكرية إلى مطار المزة العسكري في دمشق ويوضع في الهنغار (019) ثم الهنغار (017)، ليعاد التحقيق معه من قبل ضباط روسيين بوجود مترجم ليحال بعدها إلى التحقيق من قبل ضباط سوريين، كان الأسوأ بينهم بحسب روايته هو المحقق (أبو عرب).

أخبرهم أبو سكينة في جميع جلسات التحقيق بأنّه مصوّر صحفي مع المجموعات المقاتلة ولا علاقة له بالقتال، ليتم تحويل بعدئذِ إلى القضاء العسكري ويودع في سجن عدرا للرجال عندما أحيلت إضبارته إلى محكمة الإرهاب وتحديداً عند القاضي (عمر المصري). ومنذ شهر اعتقاله في شهر شباط/فبراير 2020 وحتى شهر شباط/ فبراير 2023 بقي أبو سكينة يتنقل بين السجون إلى أن أعطي “إخلاء سبيل” في محكمة الإرهاب وهو إخلاء سبيل شكلي يُعطى لجميع مع لديهم “استعادة” إلى الأفرع الأمنية ولا سيما إلى فرع مطار المزة العسكري “فرع التحقيق”.

وبقي أبو سكينة بعد ذلك في معتقل مطار المزة حتى يوم سقوط نظام الأسد. ويروي أبو سكينة قصته متحدثاً عن صنوف التعذيب والتجويع والضرب منذ عهد العميد سالم داغستاني، وكونه بقي في المنفردة لمدة 10 أشهر قبل أن ينقل إلى “الجماعية” ليكون شاهداً على آلام غيره من المعتقلين في جلسات التعذيب ومحاولات بعضهم الانتحار، لكنه كان مقتنعاً بأنّ ما فعله كان من أجل “الأخوة” السوريين “في وجه الظلم”. وبسؤاله إذا ما كان قد تراجع عن قناعاته أو غيّر فكرته حول “الجهاد”، يجيب أبو سكينة بأن كلّ ما عايشه من صنوف الترحال والرباط والتعذيب في الاعتقال لم يزده إلا إصراراً على دربه وإيماناً بأن ما فعله هو الصحيح.

يقول أبو سكينة: “لقد طلبوا مني بتاريخ 23 آذار 2021 تصوير مقطع فيديو أتوسل فيه لإخراجي مقابل صفقة مبادلة بينهم وبين هيئة تحرير الشام، وكان العميد سالم داغستاني والعقيد طارق والمحقق أنس موجودين في حينها، لكن المبادلة لم تتم وبقيت حتى سقوط بشار.. كان من الممكن أن أقضي بقية عمري في السجن”. ولا يخفي أبو سكينة غصّته إذ يروي قصة المبادلة غير المعقودة، ويصفها بأنّها من المواقف العصيبة والأشدّ ألماً من التعذيب بالنسبة إليه؛ فبعد تصويره الفيديو وإعطائه الوعود بأنّه سيخرج خلال أسبوع، بقي أبو سكينة رهين الانتظار يعدّ الدقائق في انتظار حريّةٍ لم تكن إلا وهماً.

“المهاجرون” بين المخاوف والمطالب

عاد أبو سكينة بعد سقوط النظام إلى إدلب “التي يحب” كما يصفها. وقد احتضنه رفاق السلاح ومُنِح بيتاً وراتباً بعد قرار الدمج في الجيش السوري. كما حصل على “إخراج قيد” من دائرة النفوس. وعن شعوره بالغربة، لم يتردد أبو سكينة في التصريح عن كونه ينتمي إلى سوريا لا إلى مكان آخر، فقد مزّق هويته الأوزبكية منذ عام 2016 حينما قرر المجيء إلى سوريا وحتى “لا تسوّل له نفسه” التراجع إلى الوراء بحسب قوله.

وقد زار دمشق عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة، وبينما كان يتجول في حي الميدان الدمشقي، التقى بمجموعة من الأهالي، الذين كانوا خائفين بحسب كلامه؛ إذ استهجن بعض الناس من وجود الأجانب ولا سيما في دمشق، على عكس إدلب الذين اعتادوا وجودهم.

 لكنه يؤكد أن ذلك نتاج “الجهل” كما يصفه؛ ويقصد بالجهل “عدم معرفة الناس بهم”، أي إنّ هناك صورة نمطية عن كلّ الأجانب الذين توافدوا إلى سوريا خلال سنوات الثورة السورية ولا سيما من ذوي السحنة الآسيوية واللحى.

يقول “السوريون في الشام لا يميزون بيننا وبين داعش، لكن عندما يتعرفون إلينا يحبوننا، حتى أن بعضهم دعانا إلى بيته، ونحن كلما التقينا بهم في زياراتنا إلى الشام نطمئنهم ونتقرب منهم”.

ويرى أن تقبّل وجودهم في المجتمع السوري هو مسألة وقت فقط ولا سيما أن 30-45 من السوريين يحبونهم ولا سيما الذين عانوا من النظام السابق.  ومَن لا يتقبلهم بحسب كلامه فهم من المتأثرين بالرواية الأسدية حولهم. يقول أبو سكينة “نحن نسير وفق وصية ومنهج الرسول ولا نقبل بالظلم والإساءة لأحد وهذه هي أفكارنا. وإذا اعترض أحد نسأله: هل رأيت ظلماً منا؟ نحن لسنا داعش ولا نتفق معهم لكن الناس يظنون بأننا مثلهم وهذا بسبب الجهل”.

وفي موقف حصل معه في منطقة الدحاديل في دمشق، يروي بأنّ كثيراً من الناس يتعاملون معهم بلطف لكونهم “مسلمين مجاهدين”، لكن أشخاصاً من الساحل السوري كانوا متوجسين بعض الشيء في البداية، لكنهم سرعان ما ألفوا مجالستهم بعد محادثتهم والتعرف إليهم.

ويعيش بعض المهاجرين اليوم، مخاوف أمنية، مرتبطة من اغتيالات قد تطولهم، كما أنهم قلقون على عائلاتهم في بلدانهم الأصلية؛ إذ أوضح أبو سكينة أن أجهزة الاستخبارات في دول مثل أوزباكستان وداغستان وروسيا، تلاحق أهالي المقاتلين أو “المجاهدين” الذين سافروا إلى دول أخرى، وتقوم أجهزة الاستخبارات باستجواب أهلهم بشكل دوري كما يطالبونهم باستقدام أبنائهم بالحيلة أو بالطلب المباشر.

يقول أبو سكينة “أفكر في إحضار أهلنا فيما لو سمحت الفرصة بذلك؛ لأنني أشتاق إليهم وأريد لهم العيش في بلاد المسلمين هنا. في أوزبكستان يمنع ارتداء العباءة والنقاب للنساء وممارسة بعض الطقوس الدينية وهذا الأمر سيئ”.

ويحمل أبو سكينة آمالاً كبيرة من الحكومة السورية بشأن الجنسية وإحضار عائلات “المهاجرين” إلى سوريا، “من الممكن أن تساعدنا الحكومة السورية في ذلك؛ فـ “أبو محمد” لا يكذب حينما قال إن منح الجنسية للأجانب هو شرف”.

لا يتوانى أبو سكينة في تشجيع الشباب على “الجهاد” لكن بشرط أن يكون ذلك “دفاعاً عن الإسلام ولقطع يد الظلم عن المسلمين” بحسب كلامه، ويعتبر نفسه جزءاً من المشروع السوري الجديد كما يعتبر أطفاله جزءاً من مستقبل سوريا.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى