نشر موقع مجلة “بوليتكو” مقال رأي لنورين سي فينك المديرة التنفيذية بمركز صوفان وكولين بي كليرك، زميل البحث البارز في نفس المركز ومقره نيويورك، حذرا فيه من تدفق المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا و”هذه لحظة تثير القلق”. وقالا إن التطوع للقتال من أجل الحرية قد يكون عملا نبيلا لكنه يضيف مخاطر لوضع متفجر.
وأشارا إلى أن الوضع هناك يردد صدى الحرب الأهلية الإسبانية عندما تطوع آلاف من الأجانب المثاليين للقتال ضد الفاشية، فقد جذبت حرب حكومة أوكرانيا ضد الرئيس فلاديمير بوتين متطوعين أجانب عبروا عن استعدادهم للدفاع عن حكومة أوكرانيا المنتخبة. وأعلن الرئيس الأوكراني في الأسبوع الماضي عن إنشاء الفيلق الدولي للمتطوعين و”هذا سيكون دليلا رئيسيا على دعمكم للبلد” كما قال. ومع تزايد الأدلة على الجرائم الروسية، تشير التقارير إلى استجابة الكثيرين للدعوة، ومعظمهم من الأوكرانيين في الشتات، مع آخرين جاءوا من مناطق بعيدة. وبحسب الرئيس فولدومير زيلنسكي فقد سجل أكثر من 16.000 متطوع أجنبي في الأسبوع الأول من النزاع. وقبل أيام قدر وزير الخارجية ديمتري كوليبا الرقم بحوالي 20.000 متطوع.
وجاء المتطوعون من دول تضم الولايات المتحدة وكندا وجورجيا وجمهورية التشيك وفرنسا وبلجيكا والسويد وبيلاروسيا. بل وقدم عدد من القادة مصادقة على مشاركة مواطنيهم في حرب الوكالة ضد بوتين. وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس إنها تدعم البريطانيين الذاهبين للقتال في أوكرانيا لأن من يقاتلون الروس هم “يقاومون من أجل الحرية والديمقراطية وليس فقط من أجل أوكرانيا بل وأوروبا” (مع أنها تراجعت عن موقفها لاحقا). وقال رئيس وزراء الدانمارك ميتي فردريكسن “إنه خيار يمكن لأي شخص عمله، وهذا ينسحب على الأوكرانيين الذين يعيشون هنا بل وعلى الآخرين الذين يعتقدون أنهم يستطيعون المساهمة في النزاع”. ولا يحتاج بعض الدنماركيين السؤال مرتين.
ومهما كانت اللحظة وغريزة المساعدة نبيلة إلا أن المحاربين المتطوعين في النزاعات قد يجلبون معهم تداعيات غير مقصودة قد تعقد الصورة أكثر مما يقدمون من مساعدة. وظاهرة المقاتلين الأجانب ليست جديدة، ففي العصر الحديث شاهد العالم عددا من الأمثلة التي جذبت فيها الحروب الأجنبية متطوعين. وهذه تضم النزاع في أفغانستان (مرتين) والبوسنة والشيشان والعراق بأعداد مختلفة. بالإضافة إلى سوريا بعد الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد وظهور تنظيم الدولة الإسلامية الذي جلب إليه أعدادا كبيرة من الغرب وحول العالم. ورغم الاختلاف بين ظاهرة التطوع لأوكرانيا والتطوع في صفوف تنظيم الدولة إلا أن التنظيم جذب ما بين 2011- 2016 أعدادا من المقاتلين الأجانب وصل عددهم حوالي 40.000 مقاتل ومن 110 دول حول العالم، وكشف هذا عن مخاطر المتطوعين الأجانب.
وعادة ما ترتفع حوادث الإرهاب والموت وبشكل كبير في مواقع النزاع. وتكون الآثار اللاحقة للمشاركة خطيرة على الدول بعد عودة المقاتلين وهم يحملون معهم صدمات الحرب إلى بلادهم. وفي الحالة الأوكرانية، فدعم قادة الغرب للمتطوعين من بلدانهم قد تتخذه روسيا كدليل على أن دول الناتو منخرطة بشكل عملي في القتال ضدها.
ويقول الكاتبان إن الصدمة والرعب من سياسة الأرض المحروقة التي تبناها الروس في أوكرانيا أدت لتعبئة مفهومة من أجل الدفاع عن حكومة كييف. وهناك تقارير تشير إلى أن المتطوعين يتجمعون بطريقة سريعة ووتيرة أعلى من تطوع المقاتلين في العراق وسوريا عام 2014- وهما آخر مثال عن التدفق الضخم للمقاتلين.
ويحدد الكاتبان عددا من المخاطر وراء المتطوعين الأجانب وما يجلبه هذا على بلادهم. ومنها تباين طبيعة المتطوعين المتجهين إلى أوكرانيا، بعضهم لديهم خبرة قتالية، ولكن أعدادا من المدنيين يذهبون إلى هناك بدون أي خبرة أو معرفة بقوانين الحرب تضبط سلوكهم، وربما واجهوا مخاطر. وربما تم استخدام هذا الصنف بعد بناء شبكات التجنيد والخطوط اللوجيستية لإرسال متطرفين مباشرة إلى ساحة المعركة.
أما الأمر الثاني، فتدفق المتطوعين الأجانب قد يطيل أمد الحرب. وفي الحالة الأوكرانية فمن الصعب في هذه المرحلة المبكرة، معرفة الأثر الذي سيتركه المتطوعون الأجانب على ساحة المعركة. إلا أنه كلما زاد اللاعبون الخارجون في النزاع كلما طال أمد الحرب وزادت دمويتها.
وفي بعض الحالات يمكن للمقاتلين الأجانب اختطاف نزاع محلي بطبيعته وتحويله إلى معركة عابرة للحدود، كما في الشيشان. فقد أدى تدفق الجهاديين الأجانب إلى تحويل معركة من قضية قومية إلى دينية، بشكل منح الكرملين انتصارا دعائيا. وبنفس السياق استخدم بشار الأسد في سوريا وجود المقاتلين الأجانب كذريعة لوصف المعارضين له بالإرهابيين.
وهناك آثار أخرى ناجمة عن مشاركة المتطوعين الأجانب في الحروب الخارجية، فكما في السابق سيعود المتطوعون في أوكرانيا بخبرات قتالية وعزيمة، ومع أن البعض منهم لن يتسبب بمشاكل حالة عودته، لكنه ينتظر المشاركات في نزاعات أخرى. وقد يحتاج آخرون لرعاية خاصة، مثل إعادة التأهيل والدمج في المجتمع نتيجة لتعرضهم لآثار ما بعد الصدمة. وربما كان للبعض منهم تظلمات ضد حكومتهم التي لم تفعل الكثير لأوكرانيا أو تعرضوا لأفكار اليمين المتطرف الذي آمنت به بعض حركات المقاومة الأوكرانية.
ولاحظ الخبير في الإرهاب دانيال بيمان أن “محور الحرب قد يحول المتطوع الأجنبي المثالي إلى شخص متأثر بأيديولوجية راديكالية. وربما ذهبوا لقتال عدو، ولكنهم يعودون من ساحة الحرب وقد اختلطوا بالراديكاليين ويحملون أفكارهم وعلى علاقة بشبكاتهم”.
وكما تعلم النزاعات السابقة فالتطوع الحالي لأوكرانيا يفرض على البلد عددا من القضايا القانونية والعملية التي يجب التفكير بها. ويجب على الحكومات وضع معايير واضحة تتعلق بطريقة مشاركة المتطوعين وتسجيلهم في منظمات رسمية. كما ويجب عليها تقديم المعلومات الأساسية حول القانون الدولي الإنساني وقوانين الحرب المتعلقة بالمدنيين. وربما أنشأت مديرية خاصة لمن يسافرون للقتال وخطوطا هاتفية تساعد الذين يريدون العودة إلى بلادهم. وربما قاموا بمزيد من الجهد لتقديم النصح لمن يريدون التطوع أن مساهمتهم من داخل بلادهم أهم من حضورهم إلى ساحة القتال.
وبعد صعود تنظيم الدولة عام 2014 تبنى مجلس الأمن الدولي قرارين هامين (2178 و 2396) دعا فيهما لمنع جهود التجنيد وسفر الإرهابيين. وطبقت عدة دول سياسات جديدة ردا على هذا ولكن هناك أسئلة لم يجب عليها فيما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني. وعلى المستوى التكتيكي، فالسياسات التي أقرت في السابق لمنع المقاتلين الأجانب السفر إلى محاور الحرب، مثل استخدام الجوازات البيومترية وتسجيل اسم المسافر والمعلومات الأولية عنه، يمكن استخدامها في بناء سجلات مفيدة عن المشاركين في القتال وتسهيل عودتهم وللتواصل معهم. ونظرا للموقف الأوروبي الواحد لمواجهة روسيا فمن الواضح أن التعاون في هذا المجال ممكن.
ولا يزال الوقت مبكرا للحكم على المتطوعين ضد روسيا، لكن أرقام المهتمين كبيرة ولا يحتاج المتطوع إلا أياما للتجهز والسفر. ولو صحت التكهنات عن معركة طويلة فإن تدفق المتطوعين سيستمر ويتطور. وعلى الدول التفكير من الآن عن المخاطر عليها وعلى مواطنيها قبل أن تصاب بالصدمة.
المصدر: “القدس العربي”