
تصب الولايات المتحدة جل اهتمامها بنجاح اللقاء الذي يحضره المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، ومن المتوقع مناقشة قضايا وملفات عالقة بعد اتفاق الـ10 من مارس الماضي، ولا سيما في شؤون تتعلق بالقضايا العسكرية والأمنية، واندماج “قسد” بجسم الجيش السوري الجديد، وتسلم منابع النفط والغاز، علاوة على أهم نقطة عالقة، وهي مطالبة المكون الكردي ممثلة بالإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا بدولة لا مركزية.
بعد أربعة أشهر من توقيع اتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، فتحت العاصمة دمشق ذراعيها لقائد “قسد“، في تطور لافت يمكن أن يمهد لدفع عجلة تنفيذ اتفاق ثنائي بعد تعثره.
وجددت الحكومة السورية رفضها للفيدرالية ودعت القوات الكردية إلى الانضواء في الجيش، وذلك خلال اجتماع عقده الرئيس أحمد الشرع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بحضور المبعوث الأميركي توم براك، بحسب ما أفادت به مصادر كردية ورسمية سورية.
وجرى اللقاء بين الشرع وعبدي أمس الأربعاء لمناقشة الجهود الرامية إلى دمج الإدارة الذاتية الكردية في الدولة السورية، بحسب مسؤول كردي سوري. وقال المسؤول، مشترطاً عدم الكشف عن هويته، إن براك، السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، حضر هذا الاجتماع.
وأوضح أن الاجتماع عقد لبحث “العلاقات بين الإدارة الذاتية (الكردية) وحكومة دمشق، إضافة إلى قضايا اقتصادية وعسكرية”.
وتصب الولايات المتحدة جل اهتمامها بنجاح اللقاء الذي حضره المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، والذي كان متوقعاً أن يناقش قضايا وملفات عالقة بعد اتفاق الـ10 من مارس (آذار) الماضي، ولا سيما في شؤون تتعلق بالقضايا العسكرية والأمنية، واندماج “قسد” بجسم الجيش السوري الجديد، وتسلم منابع النفط والغاز، علاوة على أهم نقطة عالقة، وهي مطالبة المكون الكردي ممثلاً بالإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا بدولة لا مركزية.
بالمقابل يأتي التحرك الأميركي وسط توترات متصاعدة شمال شرقي البلاد، ولا سيما بعد ظهور تنظيم “داعش” في مرحلة حرجة مع وصول السلطات الجديدة للحكم في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، واستغلال فلول دولة الخلافة لهشاشة الوضع الأمني لتنفيذ عمليات في الداخل السوري.
ميزان القوى
ويرى الباحث بالقانون الدولي فراس حاج يحيى في حديثه لـ”اندبندنت عربية” بأن اللقاء الثلاثي يحمل دلالات واضحة على تغير ميزان القوى في الملف السوري لصالح الحكومة المركزية الجديدة في دمشق بعد سقوط النظام السابق وحصول تحول في الموقف الدولي، بما في ذلك من طرف واشنطن، نحو دعم الاستقرار عبر المؤسسات الوطنية الشرعية.
ويضيف حاج يحيى “كما أن اللقاء يسبق إطلاق حملة أمنية رباعية، ومن الواضح أن مشاركة ’قسد‘ فيها لا تأتي من موقع قوة، بل كجزء من ضغوط تمارسها الولايات المتحدة نفسها لدفعها نحو الانخراط في المشروع الوطني الجديد، ومغادرة منطق الانفصال أو الاحتفاظ بالسلاح خارج إطار الدولة، والرسالة من اللقاء واضحة، المركز هو من يقود المرحلة، والحكومة الانتقالية هي العنوان الشرعي والوحيد لأي تنسيق أمني أو سياسي”.
ويصف باحث القانون الدولي اتفاق مارس (آذار) أنه كان خطوة أولى لعودة “قسد” لكنف الدولة، لكنه كشف عن تعنت في بعض الملفات الحساسة، أبرزها رفض بعض مكونات “قسد” التخلي عن السلاح الثقيل، والتباطؤ في تسليم حقول النفط وإدارتها مركزياً، والتحفظات على دمج القوات ضمن هيكلية الجيش الوطني.
وأضاف المتحدث “لكن بعد تغير المعادلة الإقليمية والدولية، ومع موقف أميركي أكثر انسجاماً مع الحكومة الانتقالية، فإن اللقاء الثلاثي يشكل فرصة لإغلاق هذه الملفات، والضغوط الأميركية على ’قسد‘ واضحة، كما أن المناخ العام لم يعد يسمح بمناورات أو طروحات انفصالية، ولعل نجاح اللقاء مرهون بمدى استجابة قسد للشروط الوطنية لا العكس”.
ويتوقع حاج يحيى “توحيد المؤسسات تحت سلطة دمشق، مع تقديم ضمانات سياسية لجميع المكونات ضمن إطار الدولة الواحدة، أما ’قسد‘ اليوم فليست في موقع يخولها فرض شروط، بل عليها الاندماج في المشروع الانتقالي أو المخاطرة بالعزلة والتهميش”.
ويعتقد بأن التنسيق الأمني سيزداد، لكن على أساس خضوع القوى المحلية للسلطة المركزية، وهناك إرادة جلية لدى الحكومة الانتقالية لإعادة بناء سوريا موحدة قوية غير قابلة للتقسيم أو التفتيت، وأضاف قائلاً “أما من جهة الولايات المتحدة فأرسلت رسائل غير مباشرة تفيد بأنها لم تعد مستعدة لرعاية كيانات خارجة عن الدولة، بل ترى أن الحل المستدام يمر عبر دعم السلطة الشرعية التي تمثل جميع السوريين”.
من جهته يجزم الباحث السياسي المتخصص في الشأن السوري أحمد مظهر سعدو بإدارة أميركية تدفع نحو إعادة العلاقة بين “قسد” والرئيس الشرع إلى حالة تطبيق الاتفاق، بعد إدراك “قسد” أن الولايات المتحدة لم تعد تقبل أي حكم في سوريا إلا حكم حكومة دمشق، وبالتالي لا بد من تأكيد أهمية تطبيق الاتفاق.
اتفاق الـ10 من مارس
في غضون ذلك ترك اتفاق 10 مارس ارتياحاً لدى الشارع السوري لأنه ينهي خلافات مفصلية وتحقن الدماء، وتضمن جملة من البنود أبرزها دمج مؤسسات قوات سوريا الديمقراطية (تحالف عسكري يضم مكونات عرقية ودينية متنوعة في شمال شرقي سوريا) ضمن الدولة السورية، وتمكين الحكومة المركزية من الإشراف على المعابر والمطارات، إضافة إلى إدارة مشتركة لحقول النفط والغاز، والاعتراف الدستوري بالأكراد كجزء أصيل من النسيج السوري مع ضمان حقوقهم كاملة، ورفض أي خطاب تحريضي أو تقسيمي.
وكان لـ”قسد” دور بارز وشريك محلي إلى جانب قوات التحالف الدولي بزعامة واشنطن في إنهاء تنظيم “داعش” (2014 ـ 2019)، ولا تزال تلاحق خلاياه النائمة والنشطة في البادية السورية، بينما تخضع حقول وآبار نفطية وغازية في الشمال الشرقي تحت إشرافها.
وظلت مركزية الدولة العائق الأكبر للاندماج، إذ ينظر الباحث السياسي سعدو إلى أنه من الأمور التي لا تزال “قسد” متمسكة بها، وهي خارج الاتفاق، “اللامركزية السياسية”، وهذا ما لا يمكن أن تقبله دمشق أبداً، وفق رأيه.
وتابع الباحث السياسي رداً على تساؤل حول بنود الاتفاق التي لم تنفذ “كثيرة جداً، ولا تزال ’قسد‘ عصية عن أن تدخل في الجيش السوري، وكذلك ترفض الاندماج في المؤسسات المدنية للدولة السورية، وبقاء السلاح بأيدي ’قسد‘ كميليشيات خارج إطار الدولة”.
ويتوقع سعدو مستقبل العلاقة نحو الاندماج كلياً في الدولة السورية، أو حرباً عسكرية بعد نهاية العام الحالي، وهذه الفترة المخصصة لإنفاذ الاتفاق، “الأميركان يريدون حلاً سلمياً، وكذلك الرئيس الشرع، أما إذا تعثرت الأمور فلا حل إلا الحل العسكري، وهو أيضاً ما لا يريده السوريون حتى لا يخسروا مزيداً من الدماء”.
ولا تزال حكومة دمشق وقوات “قسد” تتبادلان الإشارات الإيجابية على رغم تعثر تطبيق الاتفاق، ولعل مظلوم عبدي صرح في وقت سابق بأعقاب توقيع اتفاق مارس، قائلاً “نعتبر فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها وتضمن حسن الجوار”.
المشهد السياسي
ويأتي هذا اللقاء بالتزامن مع تعهد زعيم حزب “العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان بانتهاء الكفاح المسلح بصورة طوعية، والانتقال إلى المرحلة القانونية والسياسة الديمقراطية، وجاء في تسجيل مصور بثته وكالة “الفرات للأنباء” المقربة من الحزب إلى أنه تشكل لجنة داخل البرلمان التركي من أجل نزع السلاح بصورة طوعية وفي إطار قانوني.
سبق ذلك إعلان حزب “العمال الكردستاني” حل نفسه في الـ12 من مايو (أيار) الماضي، في خطوة تاريخية أنهى فيها صراعاً مريراً في وجه تركيا التي تصنفه حزباً “إرهابياً”، فضلاً عن اعتبار قوات سوريا الديمقراطية حزب متحالف مع حزب العمال وامتداد له.
إزاء ذلك تحدث رئيس حزب “الوسط” الكردي شلال كدو عن وجود أجواء إيجابية، وسط لقاء مهم يأتي بوساطة أميركية – فرنسية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ولعل المناخ الإقليمي مساعد في تنفيذ بنوده، وإن كان هناك بعض المطالب بما يخص المدة الزمنية، وكذلك أمور أخرى مثل اللامركزية وغيرها.
وأضاف كدو “أعتقد أن ’قسد‘ ستكون في نهاية المطاف جزء من الجيش السوري، إذ لا يجوز أن يكون لسوريا أكثر من جيش واحد، وبالتالي فإن الأجواء العامة وصورة المشهد بين ’قسد‘ ودمشق إيجابية إلى حد كبير، ومن غير المستبعد أن يكون هناك توافق لتذليل معظم الأمور العالقة بين الجانبين، وفي نهاية المطاف فإن سوريا ستشهد الاستقرار والتنمية وإعادة الإعمار”.
دمشق وأوراق القوة
ولعل التطورات الإقليمية الحاصلة، ولقاء الشرع مع ترمب في الرياض مع رفع العقوبات عن البلاد، ولا سيما قانون قيصر (2019) والتقارب الأوروبي، وكل ما سبق من بث رسائل سورية عن حسن الجوار ومد يد العلاقات الدبلوماسية والسياسية بعد هواجس وصول إدارة لها خلفيات جهادية ومع كل التطمينات، رآها متابعون أوراق قوة لحكومة دمشق.
المصدر: ” (اندبندنت عربية)