استبق النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون اجتماع “اللجنة الدستورية” المقرر بعد أيام، بتصعيدٍ عسكري في الشمال الغربي من سورية، إذ عاود الطيران الروسي قصف مناطق في محافظة إدلب، بالتزامن مع محاولات تقدم من قبل قوات النظام والميلشيات الإيرانية، تصدت لها فصائل المعارضة السورية. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن اتفاق موسكو المبرم ما بين الروس والأتراك في مارس/ آذار الماضي يترنح، حيث لا يكاد يمر يوم دون خرقه من قبل قوات النظام، بينما تكتفي فصائل المعارضة بالدفاع والتصدي لمحاولات تسلل تنفذها هذه القوات. وفي تصعيدٍ غير مسبوق منذ مطلع مارس/ آذار الماضي، شنّت الطائرات الحربية الروسية حتى ظهر أمس الثلاثاء 12 غارة على الجبال والأحراش المحيطة ببلدتي حربنوش والشيخ بحر في ريف إدلب الغربي، وفق مصادر محلية. من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الطيران الروسي شنّ 17 غارة خلال ساعة واحدة على أماكن في أطراف بلدة معرة مصرين وقرية الشيخ بحر، في حادث هو الثاني من نوعه خلال شهر أغسطس/ آب الحالي، بعدما نفّذ هذا الطيران في الثالث من الشهر الحالي غارة على بلدة بنش، أدت إلى مقتل وإصابة مدنيين.
وبالتزامن مع القصف الجوي الروسي، كانت قوات النظام تقصف بالمدفعية قرية تل واسط في منطقة سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، وبلدة البارة جنوبي إدلب. وأكدت مصادر محلية خرق قوات النظام بشكل يومي وقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سورية منذ بداية الشهر الحالي، ما أدى حتى الآن إلى مقتل 5 مدنيين وإصابة 11 آخرين.
وحاولت قوات النظام، أمس الثلاثاء، التسلل على محور معارة النعسان في ريف إدلب الشمالي الشرقي، بالتزامن مع قصف مدفعي على محور جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي. لكن مصدراً عسكرياً من “الجبهة الوطنية للتحرير”، أكبر تجمع لفصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، أكد التصدي لهذه المحاولة بالتعاون مع فصائل أخرى، كما أشار إلى تكبد قوات النظام خسائر في محاولة أمس، التي جاءت من طريق حلب – إدلب القديم، شرق محور ميزناز، والتي تعد النقطة الفاصلة مع قوات النظام المتمركزة في بلدة كفر حلب، أولى البلدات على الحدود الإدارية بين حلب وإدلب.
ولا تزال محافظة إدلب محكومة باتفاق أبرمه الروس والأتراك في العاصمة الروسية موسكو مطلع آذار/ مارس الماضي، وأرسى دعائم وقف لإطلاق النار تشير المعطيات الميدانية إلى أنه على وشك الانهيار، لا سيما على ضوء التصعيد الذي حدث أمس. واللافت أن تصعيد النظام يستبق اجتماعاً مقرراً للجنة الدستورية السورية، المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، وتضم ممثلين من النظام والمعارضة. ومن المقرر عقد الاجتماع في مدينة جنيف السويسرية، في 24 من الشهر الحالي. ومن المرجح أن يكون التصعيد العسكري من قبل الجانب الروسي هدفه الضغط على المعارضة والجانب التركي للحصول على مكاسب سياسية في مسألة الدستور.
كذلك جاء التصعيد بعد يوم واحد فقط من استقبال رئيس النظام بشار الأسد علي أصغر خاجي، كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة. ونقلت وسائل إعلام النظام عن أصغر خاجي، مطالبة بلاده للجانب التركي تنفيذ جميع الاتفاقات التي تمّت بشأن “منطقة خفض التصعيد” في إدلب بشكل كامل ودقيق، وبسط النظام سيطرته على كامل سورية. كذلك نقلت عنه قوله إن اللجنة الدستورية “تشكلت لأهداف معينة”، زاعماً أنه “لا يحق لأي طرف خارجي أن يتدخل” في عملها. وأضاف “لا يمكن القبول بفرض أي إملاءات لعمل وتوقيت انعقاد هذه اللجنة”. ويعتمد النظام السوري إلى حد بعيد على المليشيات الإيرانية المنتشرة في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، وخصوصاً في مدينة سراقب ومحيطها.
من جهته، رأى العقيد الطيار مصطفى البكور، القيادي في فصائل المعارضة السورية، أن التصعيد الروسي ليس مفاجئاً، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد” أن “الروس يصعدون منذ مدة من خلال الحشود، ومحاولات التسلل والتقدم في أكثر من موقع، وخصوصاً في ريف اللاذقية الشمالي وريف إدلب الشرقي، ومناطق أخرى، ومنها القصف على محيط بنش والقصف بصواريخ أرض أرض وبالطيران على محيط حربنوش”. ويضع البكور التصعيد الروسي في سياق سعي موسكو إلى إبقاء محافظة إدلب في حالة من عدم الاستقرار، لـ”منع عودة المدنيين والضغط على الفصائل الحاضنة الشعبية بانتظار توفر الظروف لبدء عمل عسكري على منطقة جنوب طريق إم 4 (الطريق الدولي الذي يربط الساحل السوري بمدينة حلب ويمر من محافظة إدلب) كمرحلة أولى”. غير أن البكور يستبعد قيام قوات النظام بعمل واسع النطاق على محافظة إدلب “بسبب محدودية قدرة النظام العسكرية وتقييد حركته بالاتفاقات الروسية التركية”. واعتبر أنه “إذا شُنّ عمل عسكري من قبل النظام والروس، فالأرجح أن يكون محدوداً ومحصوراً في منطقة جنوب أم 4، وبالاتفاق مع الأتراك”. وتوقع البكور أنه “في حال تحقيقه (النظام) نجاحاً على الأرض، يمكن أن يوقع هدنة لأشهر عدة، لكي يستجمع قواه، ثم يبدأ عملاً عسكرياً آخر باتجاه منطقة شمال الطريق الدولي أم 4”.
ولا تزال فصائل المعارضة السورية تحتفظ بوجود قوي لها جنوب الطريق الدولي أم 4، الذي فشل الجانبان الروسي والتركي في استعادة الحركة عليه، على الرغم من تسييرهما أكثر من 20 دورية مشتركة عليه منذ توقيع اتفاق موسكو. وتعارض مجموعات متطرفة أيّ وجود روسي على الطريق، بل ترفض مجمل التفاهمات بين موسكو وأنقرة حول الشمال الغربي من سورية. وكانت مجموعة متشددة تطلق على نفسها اسم “كتائب خطاب الشيشاني” قد استهدفت أول من أمس الإثنين بقذيفة “آر بي جي” دورية تركية – روسية على الطريق، ما أدى إلى تضرر عربة عسكرية تركية. وكان الجانبان التركي والروسي يخططان لاستعادة السير والحركة التجارية على هذا الطريق الحيوي، لكن تعقيدات أمنية تحول دون ذلك، وهو ما يفقد اتفاق “موسكو” أهميته، في ظلّ سعي دائم من قبل النظام إلى نسف الاتفاق والعودة إلى العمليات العسكرية في محافظة إدلب، التي باتت تضم آلاف الجنود الاتراك المتوزعين على أكثر من 40 نقطة عسكرية، إضافة الى قاعدة كبرى في مطار بلدة تفتناز العسكري.
ويرى الباحث السياسي أحمد أبازيد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن محافظة إدلب “لا تزال تحت التهديد العسكري على الرغم من الاتفاق التركي – الروسي”، معرباً عن اعتقاده أن التصعيد الأخير “قد يكون في إطار الضغط الروسي على تركيا، أكثر منه في إطار التمهيد لعمل عسكري برّي واسع”. واعتبر أنه “من مصلحة روسيا أيضاً عدم إشعار الفصائل في إدلب بالاستقرار، ولذلك فهي تقوم بعمليات محدودة في كل فترة”.
المصدر: العربي الجديد