
تشير تقارير متعددة إلى أن رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، جاء على خلفية توتر العلاقات والخلافات المتصاعدة بين الرجلين.
وكان ترامب قد أعلن أنه لا يخطط لزيارة إسرائيل ضمن جولته في الشرق الأوسط، مما أثار استياء الجانب الإسرائيلي. ورغم محاولات إسرائيلية لإدراج زيارة قصيرة لترامب، إلا أن الرئيس الأميركي أكد عدم وجود خطط لذلك، مشيرًا إلى إمكانية زيارة مستقبلية.
وفي الملف السوري، تشير تقديرات إلى خلافات واضحة، لا سيما بعد قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل بشأن تعزيز النفوذ التركي في المنطقة، فسارعت إلى اتخاذ خطوات أحادية، مثل إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف تعتبرها تهديدًا لأمنها.
ونقل موقع أكسيوس عن مصدر إسرائيلي قوله إن “إدارة ترامب لم تخطر إسرائيل مسبقًا بلقائه مع الشرع ورفع العقوبات عن سوريا”، وأكد المصدر أن نتنياهو كان “طلب من ترامب عدم رفع العقوبات وأعرب عن قلقه من دور تركيا”.
بالمقابل، بدا أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد حقق خطوات ملموسة على طريق بناء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وحتى قبل اللقاء كان قد أبدى استعداده للتعاون مع واشنطن في قضايا مثل مكافحة الإرهاب والتخلص من الأسلحة الكيميائية. ويرى مراقبون أن الحكومة السورية سوف تستثمر في التناقض الأميركي الإسرائيلي، فيما يقول البعض أن فرصتها في ذلك لا تزال محدودة.
تحاول الحكومة السورية توظيف هشاشة العلاقة بين ترامب ونتنياهو لبناء مسار تفاوضي غير مسبوق مع واشنطن
يقول الكاتب والصحفي السوري أحمد مظهر سعدو في حديث لـ”الترا سوريا” إن التنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا يمكن أن يغيب بأي حال من الأحوال، مؤكدًا أن “السياسات الإسرائيلية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستراتيجيات الأميركية الخاصة بالمنطقة برمتها”.
وأضاف أن “الخلافات التي قد تطرأ بين واشنطن وتل أبيب ليست سوى خلافات تكتيكية ومرحلية، سرعان ما تعود العلاقات بين الطرفين إلى سابق عهدها، نتيجة تداخل المصالح وتشابكها”.
وفي سياق حديثه عن الفرصة التي منحت للرئيس السوري أحمد الشرع، اعتبر أن “الفرصة لم تأت من الخلافات التكتيكية بين أميركا وإسرائيل، بل من قدرة الشرع على الاستثمار في المصالح التجارية الأميركية، لا سيما أن ترامب معروف بكونه رجل أعمال”.
وأوضح أن “مشاريع إعادة إعمار سوريا، التي قد تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار، تمثل مصلحة كبرى لترامب، وهو ما دفعه لرفع العقوبات وللقاء الرئيس الشرع”.
وحول استقلالية القرار السوري، أكد أنها باتت “نسبية فقط، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد المهيمن على القرار الدولي”، مضيفًا أن قدرة سوريا على الاستثمار في أي خلاف إقليمي أو دولي “تعتمد على مدى قدرتها على الانخراط في اللعبة الإقليمية، وصياغة سياسات تحقق مصالحها الوطنية”.
أما بخصوص “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فرأى أنها “لا تزال تعتمد كليًا على الدعم الأميركي في وجودها”، مشيرًا إلى أن “أي انسحاب أميركي، سواء كان جزئيًا أو كليًا، سيؤدي إلى انهيارات كبيرة في مشروع الدويلة الانفصالية التي تسعى إليها قسد، رغم نفيها لذلك”.
وختم بالقول: “التصعيد العسكري في المنطقة يبقى احتمالًا قائمًا، ما لم تُنجز تفاهمات جديدة قد تشكل تحديثًا لاتفاقيات فك الاشتباك التي عُقدت بين حافظ الأسد وإسرائيل”، معتبرًا أن “سياسة الفوضى الخلاقة قد تبقى مستمرة في ظل الإدارة الأميركية الجديدة”.
في ظل هذه التغيرات، يواجه الملف السوري تحديات كبيرة. الحكومة السورية تسعى للحصول على دعم دولي لإعادة إعمار سوريا، بينما تحاول إسرائيل ضمان أمنها من خلال إجراءات أحادية. الخلاف بين ترامب ونتنياهو يعقّد جهود التنسيق بين الحلفاء التقليديين، مما يفتح المجال أمام قوى إقليمية ودولية أخرى للتأثير في مستقبل سوريا.
يقول الخبير السياسي السوري، د. وليد حلبي، لـ”الترا سوريا”، إن “الرئيس السوري أحمد الشرع تمكن من استغلال قرارات ترامب المفاجئة والحصول على اختراق سياسي من خلال التواصل مع الدول الخليجية التي تدعم حكومته وتمكنت من إقناع ترامب باللقاء ورفع كل العقوبات”.
وأضاف: “إسرائيل كان لها دور كبير في منع الولايات المتحدة أو على الأقل زيادة التردد في البيت الأبيض في التعاون مع حكومة الشرع، ولكن الخلاف الأخير مع إسرائيل وقناعة ترامب بأن نتنياهو يريد إطالة أمد الحروب غير هذه المعادلة وحصل اللقاء التاريخي في الرياض بين ترامب والشرع”.
ولفت إلى أن “الشرع كان لديه مقترحات مغرية لترامب تشمل بناء برج “ترامب” في العاصمة دمشق، والانخراط في مسار سلام مع إسرائيل، ومنح الولايات المتحدة وصولًا مباشرًا إلى موارد الطاقة السورية، كجزء من استراتيجية أعدّها لمحاولة لقاء ترامب خلال زيارته الحالية إلى الخليج”.
وعقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، 14 أيار/مايو، في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسي البلدين منذ 25 عامًا.
ويؤكد الباحث السوري في العلاقات الدولية، عبد الله الخير، أن “ترامب يطمح لأن يكون رجل السلام في العالم وينال جائزة نوبل، ولذلك يريد إطفاء الحرائق، وخصوصًا بعد إعلانه عن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان دون علم الحكومة الهندية، ما أثار غضباً لدى حليفه التقليدي”.
وأضاف: “ترامب رجل المفاجآت، لذلك فإن نتنياهو لا يستطيع الضغط عليه، وربما سنشهد خلال الفترة المقبلة تحجيمًا لدوره وإجباره على وقف إطلاق النار في غزة وتوقيع اتفاق مع إيران، كما سيتم وقف الحرب في أوكرانيا، وبالتالي سيكون الملف السوري حاضرًا مع تواصل الدعم الخليجي لاستقرار الحكومة السورية والضغط على إدارة ترامب للانخراط في هذه العملية وخصوصًا أن ترامب رفع العقوبات عن سوريا رغم معارضة نتنياهو”.
المشهد الإقليمي يدخل مرحلة إعادة تشكيل دقيقة، حيث تقاطع المصالح وتراجع التحالفات التقليدية يصنعان فرصًا جديدة للّاعبين الجدد. الحكومة السورية تحاول توظيف هشاشة العلاقة بين ترامب ونتنياهو لبناء مسار تفاوضي غير مسبوق مع واشنطن. ومع وجود رئيس أميركي مستعد لكسر قواعد اللعبة، فإن احتمال حدوث اختراق سياسي يظل قائمًا، رغم الشكوك الكبيرة حول مدى استدامة هذا الاختراق أو قدرته على تجاوز التوازنات القديمة في المنطقة.
المصدر: ألترا سوريا