المعابر بوابة للسيادة.. قيود “المصنع” تضاعف كلفة السفر وتضيّق على السوريين

وفاء عبيدو

يعد معبر المصنع – جديدة يابوس، أحد أبرز المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، ويشهد حركة عبور نشطة يوميًا لسيارات النقل العمومي والخاصة، إذ يربط بين بلدة جديدة يابوس في ريف دمشق وبلدة المصنع اللبنانية، إلى جانب معبر جوسية الذي يصل بين محافظة حمص ومنطقة القاع في البقاع اللبناني.

وفي إطار تنظيم مشترك بين الجانبين، أصدرت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا قرارًا يحدّد الحالات المسموح بها لعبور المواطنين اللبنانيين إلى الأراضي السورية.

وبموجب القرار، يُسمح بدخول السيارات العمومية اللبنانية إلى سوريا حتى الساعة الرابعة عصرًا، على أن يُمنح بالمقابل للسيارات العمومية السورية الحق في دخول الأراضي اللبنانية ضمن نفس التوقيت، مع السماح لكلا الطرفين بالعودة إلى بلدهم حتى الساعة الثانية عشرة ليلًا.

إلا أن الواقع العملي على المعبر أدى إلى تفاوت في التطبيق، لا سيما فيما يتعلق بالسماح للسيارات الخاصة اللبنانية بالدخول إلى سوريا خارج الأوقات الرسمية، وفي بعض الحالات بوجود ركّاب لا تربطهم صلة قرابة بالسائق، ما ينعكس سلبًا على عمل السائقين السوريين، الذين يلتزمون بجدول زمني صارم لا يتيح لهم المرونة الكافية لتلبية الطلبات المتأخرة، خصوصًا للمسافرين المرتبطين بمواعيد دقيقة عبر مطار بيروت.

قرارات تكبل السائقين السوريين

بالرغْم من التحسن النسبي في التعامل على المعابر السورية بعد سقوط النظام، إلا أن قرارات تنظيم حركة المرور الجديدة، وخصوصًا فيما يتعلق بالساعات المسموح بها لعبور السيارات العمومية، تضع سائقي الخط الحدودي بين سوريا ولبنان أمام واقع مرير، تُختبر فيه قدرتهم على الثَّبات، في ظل تفاوت المعاملة بين الجانبين وتضييق الفرص الاقتصادية أمامهم.

علاء، سائق سيارة عمومي يبلغ من العمر 60 عامًا، يعمل على خط دمشق – بيروت منذ 25 عامًا، ويمتلك سيارته الخاصة التي تشكل مصدر رزقه الوحيد، تحدّث إلى موقع تلفزيون سوريا قائلًا إن الوضع على الطريق تحسّن نسبيًا بعد سقوط النظام، إلا أن التحديات الحالية ترتبط بقرارات تنظيم المعابر الأخيرة، والتي انعكست سلبًا على حركة عملهم ودخلهم اليومي.

ويؤكد أن القرار الذي يقيّد حركة السيارات السورية ضمن أوقات محددة، في حين يتيح مرونة أكبر للسيارات الخاصة اللبنانية، ما تسبب له بضرر في مصدر رزقه، إذ بات المسافرون يفضّلون السيارات الخاصة اللبنانية رغم ارتفاع أجورها، بسبب قدرتها على التنقل في أي وقت.

كما أشار إلى أنه لم يتمكن من السفر خلال شهر رمضان الماضي سوى ثلاث مرات فقط، برغْم الالتزامات الكثيرة في هذا الشهر، وقال “فكرت مرارًا بتغيير مهنتي، لكنني لا أملك خيارًا آخر، فمن سيأخذني عاملًا في هذا العمر، هذه مهنتي وهذا مصدر رزقي الوحيد لي ولعائلتي الصغيرة”.

موضحًا أنه لم يتجاوز الوقت المحدد للعودة من قبل تخوفًا من ردة فعل الأمن العام اللبناني، مشيرًا إلى سوء في التعامل من قبلهم في معظم الأحيان، وقال “في الجانب السوري، يختلف التعامل ويكون الكل سواسية بغض النظر عن الجنسية، بينما في الجانب اللبناني العكس تمامًا يُعامل السائق السوري أنه ذليل”.

وختم علاء مناشدًا الجهات المعنية بإعادة النظر في تنظيم المعابر، مؤكدًا أن المتضرر الأول منه هو السائق السوري، في حين يستفيد منها السائق اللبناني، وخاصة من لديه سيارات خاصة بحيث تمكنه من التلاعب على القرار.

ومن الجدير بالذكر، أن “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” في سوريا، اتخذت قراراً بتحديد الحالات التي يحق بموجبها للمواطنين اللبنانيين دخول أراضي الجمهورية العربية السورية، على إثر اشتباكات بين إدارة العمليات العسكرية والجيش اللبناني في منطقة “معربون – بعلبك” على الحدود السورية اللبنانية.

وجاء سبب المنع من جرّاءِ الاعتداء على السوريين في لبنان، وردًا على إجراءات لبنانية مماثلة تمنع دخول السوريين غير المستوفين للشروط اللبنانية، وأبرزها إقامة لبنانية سارية المفعول بوجود كفيل، وتصريف مبلغ ألفي دولار أميركي، بالإضافة إلى الاعتداء المستمر على السوريين والتضييق الأمني عليهم.

“كرامة مهدورة ولقمة صعبة”

يصف أبو سليمان (48 عامًا)، معاناته في العمل كسائق على الخط منذ أكثر من عامين مقابل نسبة من الأجور، قائلًا “قالوا إن المعاملة ستكون بالمثل، لكن لا مثيل لما نتعرض له، لا تزل كرامة السائق السوري على المعبر اللبناني مهدورة، ومصدر رزقنا مباح”.

مشيرًا إلى أن العاملين في المعبر السوري يظهرون تعاونًا وتفهمًا، على عكس ما يواجهه في الجانب اللبناني، حيث يُلاحظ، حَسَبَ تعبيره، تعاملًا قاسيًا وتعمدًا في البحث عن المخالفات بحق السائقين السوريين.

يرى أبو سليمان، أن القرار المنظم لحركة الدخول والخروج بعد استئناف العمل على المعبر شكّل في البداية خطوة إيجابية باتجاه عودة حركة العمل، غير أن المعاناة تفاقمت بسبب صرامة توقيت الدخول والخروج، ما يضعهم تحت ضغط دائم، لا سيما عند حصول أي تأخير خارج عن إرادتهم.

ويضيف أنه تعرض لموقف خلال نقل ركّاب من مطار بيروت، وتأخر بسبب تساقط الثلوج في منطقة ظهر البيدر، فوصل إلى المعبر متأخرًا 6 دقائق فقط، إلا أن الجانب اللبناني رفض ختم الوثائق، ما اضطره إلى البقاء ليلته مع الركاب في السيارة حتى صباح اليوم التالي.

كما أكد أن السيارات العمومية السورية واللبنانية تخضع للأنظمة ذاتها، لكن المشكلة تكمن في السيارات الخاصة اللبنانية التي يُسمح لها بالدخول والخروج في أي وقت، التي تنقل ركاب على أنهم أقارب.

مضيفًا أن هذه الإجراءات أثّرت على دخله بنسبة تفوق 70%، وقال“هذه مهنتي، لا أملك غيرها، لكنني كثيرًا ما فكرت بالعمل في الأردن أو تركيا أو حتى السعودية، فالذل على المعبر اللبناني بات يشاركنا طعامنا وجزءاً من يومنا”.

وختم أبو سليمان حديثه بمناشدة الجهات السورية المعنية لتقديم تسهيلات تخفف من معاناة السائقين وإعادة النظر بقرار تحديد وقت للعمل، داعيًا السلطات اللبنانية إلى دفع عناصرها للعمل على تحسين طريقة التعامل عند المعبر، وقال “ما اخترنا هذا الطريق إلا لأنه مصدر رزقنا الوحيد، وعلينا أن نتعايش”.

مسافرون عالقون بين القرار والزمن

تفرض صرامة تحديد توقيت الدخول والخروج عبر المعبر، واقعًا صعبًا على المسافرين السوريين القادمين عبر مطار بيروت، حيث يجد كثيرون أنفسهم مجبرين على دفع مبالغ كبيرة مقابل سيارات لبنانية خاصة، لتجاوز فجوة الوقت ومع غياب بدائل عملية، يتحول قرار تنظيمي هدفه ضبط العبور إلى عبء مالي ونفسي إضافي، في ظل عدم الأخذ بعين الاعتبار توقيت الرحلات واحتياجات المسافرين، العائدين من الغربة.

فرح شابة سورية تقيم في ألمانيا، اختارت السفر إلى دمشق عبر مطار بيروت لتجنب الترانزيت الطويل والمُرهق في مطارات أخرى، غير أنها فوجئت بقيود زمنية مفروضة على حركة السيارات العمومية السورية، تمنعها من الدخول بعد وقت محدد، ما وضعها أمام خيارين إمّا الانتظار نحو ثماني ساعات في صالة المطار، أو السفر مع سيارة خاصة لبنانية مقابل أجرة مضاعفة.

تقول فرح في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، إن القرار شكّل عائقًا لم تكن تتوقعه، خاصة مع التحسّن الملحوظ الذي لمسته في ظروف السفر والمعاملة على الحدود، وأضافت “الأمور تسير بمحبة وهدوء، لا ابتزاز، لا تعقيدات، لكن تقييد الوقت يربكنا كمسافرين، ويدفعنا أحيانًا لتحمّل تكاليف إضافية فقط لتلافي الانتظار الطويل”.

وتُعد تجربة فرح واحدة من بين العديد من الحالات التي تُظهر كيف تؤثر قرارات تنظيم المعابر البرية، بالرغْم من انتظامها، على خيارات السفر وتكاليفه، خاصة في ظل عدم تكافؤ المرونة الزمنية بين السيارات السورية واللبنانية الخاصة.

سبق وأجرى الرئيس السوري أحمد الشرع، مباحثات مع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، خلال زيارته لدمشق، تناولت أمن الحدود واللاجئين.

وأضح الشرع أن سوريا تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات السورية- اللبنانية “مبنية على الاحترام المتبادل”.

مشيرا إلى أنه اتفق مع سلام على وجود لجان متخصصة بشأن الحدود وملفات التهريب والقضايا الاقتصادية، مؤكدا أن “أولويتنا الآن هي أمن سوريا وحصر السلاح بيد الدولة السورية”.

ضبط للفوضى وتعزيز للرقابة

تواصل موقع تلفزيون سوريا مع الجهات الرسمية المعنية للاستفسار حول قرار تحديد توقيت عبور السيارات العمومية السورية واللبنانية عبر معبر “جديدة يابوس – المصنع”.

حيث أوضح مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش، أن الإجراء جاء نتيجة لاتفاق مشترك بين الجانبين السوري واللبناني، ويهدف إلى ضبط حركة المرور والحد من الفوضى والتجاوزات، بما في ذلك عمليات نقل الركاب غير النظامية ومحاولات التهرب الجمركي.

وبحسب علوش، فقد تم اعتماد توقيت دخول السيارات العمومية من الساعة السادسة صباحًا حتى الرابعة عصرًا كمرحلة أولى قابلة للتقييم والمراجعة وفق المستجدات، مع مراعاة احتياجات السائقين والمسافرين، خاصة القادمين عبر مطار بيروت.

أما السيارات الخاصة، فهي تخضع لنظام مختلف وتُمنح تسهيلات أوسع، في حين تتم متابعة محاولات التحايل، كإدخال ركاب غير أقارب على أنهم من العائلة، وقد وُجّهت المعابر للتدقيق في هذه الحالات واتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين.

وأشار علوش إلى وجود تنسيق دائم مع الجانب اللبناني لبحث إمكانية تمديد ساعات العمل وفق ظروف السفر، لافتًا إلى أن مبدأ “المعاملة بالمثل” يُطبّق بدقة في كل ما يتعلق بحركة العبور. وأكد استقبال الشكاوى ومعالجتها عبر قنوات رسمية، إضافة إلى رصد التجاوزات المتكررة والتعامل معها بالتعاون مع السلطات اللبنانية.

وأوضح أن الهيئة تعمل حاليًا على تطوير آلية رقابية أكثر دقة لضبط المخالفات، خصوصًا تلك التي تتعلق بتحويل السيارات الخاصة إلى وسائل نقل مأجورة بطرق غير قانونية، مشددًا على أن الغاية ليست فرض العقوبات، بل ضمان احترام القانون وتعزيز سيادة الدولة على المعابر الحدودية.

تحاول سوريا إعادة ترميم مؤسساتها وحدودها بعد سقوط النظام، وتبدو المعابر بوابة اختبار حقيقية لسيادتها، ولسياسة التعامل بالمثل التي أعلنتها في وجه التجاوزات.

وبين طموحات الاستقرار وحاجة السائقين إلى لقمة العيش، يبقى الأمل قائمًا بأن تنتصر الإجراءات المشتركة للعدالة لا للتمييز، وأن تتحول المعابر من نقاط توتر إلى بوابات كرامة، تكفل للجميع حق التنقل بكرامة ووضوح قانوني.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى