السويداء.. مقاربة من زاوية مختلفة

محمد صبرا

ملأت الأخبار القادمة من السويداء ومن جرمانا وصحنايا في ريف دمشق، الفضاءات الإعلامية والشاشات، التي خصصت أوقاتاً طويلة لتغطية الحوادث اليومية التي تجري في هذه المناطق، واستضافت الكثير من المحللين والاستراتيجيين والخبراء العسكريين إلى حد الإرهاق، ورافق ذلك سعار طائفي متبادل وبغيض، على وسائل صفحات التواصل الاجتماعي، واتهامات بالخيانة والعمالة، واتهامات مقابلة بالتكفير والتطرف والإرهاب

كل هذا المشهد ستكنسه الأيام، وستبقى الحقيقة المؤلمة أن هناك دماء سالت وأن هناك أمهات سوريات انتظرن أبناءهن الذي عادوا إليهن مضرجين بدمائهم، ولا يهم هوية هؤلاء الضحايا، لأن الألم في قلوب الأمهات والآباء والأبناء هو واحد من دون لون أو نكهة طائفية، وبعيداً عن الغرق في تفاصيل الحوادث وأسبابها وسياقها الذي تطورت فيه، فإن العودة للوراء قليلاً والابتعاد قدر المستطاع عن التفاصيل المؤلمة، ربما يسمح لنا أن نرى الأمور من زاوية مختلفة، وأن نضع ما حدث في سياقه الأكبر باعتباره جزءا من الصراع الإقليمي بين قوى متوسطة ناهضة، تريد طرح مشاريعها الخاصة، عبر استخدام أدوات “متدنية الكلفة” لتحقيق طموحاتها وإعادة تموضعها الجيوسياسي في المنطقة، ولذلك ستغفل هذه القراءة عن عمد، كل ما يتعلق بالراهن اليومي وبالمحلي السوري، لنستطيع أن نرى جزءا مختلفاً من المشهد بعيداً عن ركام الصراعات الصغيرة البائسة، لقوى محلية مرهقة وتفتقد للبصر والبصيرة في آن.

صراع القوى المتوسطة والإقليمية في إقليم مضطرب

يُستخدم مصطلحا “القوى المتوسطة” و”القوى الإقليمية” بشكل متزايد في الأوساط السياسية والأكاديمية، رغم غموض تعريفاتهما واختلاف الآراء حولهما، تشير “القوة المتوسطة” إلى دولة تحتل موقعاً بين القوى العظمى والدول الأضعف، وتمتلك نفوذاً دولياً مؤثراً، وإن لم يكن مطلقاً، تعود جذور المفهوم إلى القرن السادس عشر، لكن استخدامه الرسمي بدأ مع مؤتمر باريس عام 1815، يُعرّف هذا النوع من القوى تقليدياً بناءً على القدرات العسكرية والاقتصادية والموقع الجيوستراتيجي، بينما يركز نهج أحدث على مدى تأثير الدولة وشرعيتها القيادية.

برزت أهمية القوى المتوسطة خلال الحرب الباردة، حيث مثلت دول مثل كندا وأستراليا أطرافاً فاعلة رغم افتقارها للقوة العظمى، بعد الحرب الباردة، صعدت دول مثل البرازيل والهند والصين ضمن مجموعة “البريكس”، ما أدى إلى التمييز بين القوى المتوسطة التقليدية والناشئة.

أما “القوة الإقليمية” فهي دولة تملك تأثيراً بارزاً في منطقة معينة، وقد تصبح مهيمنة إقليمياً إذا تفوقت على جيرانها، ويشكّل التفاعل المحلي والدولي عاملاً حاسماً في تحديد النفوذ الحقيقي لكل من القوى المتوسطة والإقليمية.

تلعب القوى المتوسطة والإقليمية دوراً متزايد الأهمية في إعادة تشكيل تقسيم العمل الدولي، خاصة مع تراجع الهيمنة المطلقة للقوى العظمى وتعدد مراكز التأثير العالمي، فبفضل قدراتها الاقتصادية المتنامية ومواقعها الجيوسياسية الحيوية، أصبحت هذه القوى طرفاً فاعلاً في المبادرات العابرة للحدود، مثل مشروع “الحزام والطريق” الذي تقوده الصين، وتسهم القوى المتوسطة، كتركيا وإندونيسيا والبرازيل، في ربط الأسواق الإقليمية، وتوفير بيئات مستقرة نسبياً للنقل والتجارة، مما يمنحها نفوذاً في تصميم شبكات الإنتاج وسلاسل الإمداد العالمية، من جانب آخر، تسعى القوى الإقليمية مثل إيران وجنوب إفريقيا وإسرائيل، إلى استخدام موقعها ومكانتها لتعزيز مصالحها الاستراتيجية، سواء عبر الانخراط في هذه المشاريع أو طرح بدائل تنافسية، في هذا السياق، لم تعد القوى العظمى قادرة على تنفيذ مشاريع كبرى بمعزل عن شركاء إقليميين ومتوسطي القوة، بل أصبحت بحاجة للتنسيق معهم لضمان الاستقرار والقبول المحلي، ويعكس هذا التحول تعقيد النظام الدولي اليوم، حيث تلعب هذه القوى دوراً مزدوجاً كمساهمين في التنمية العالمية من جهة، وكحراس لمصالحهم الوطنية والإقليمية من جهة أخرى، مما يمنحهم وزناً سياسياً واقتصادياً متزايداً في رسم مستقبل النظام الدولي.

ويشهد الشرق الأوسط تنافساً محتدماً بين ثلاث قوى إقليمية رئيسية: إيران، وتركيا، وإسرائيل، حيث تسعى كل منها لتعزيز نفوذها في المجال الحيوي الإقليمي والتأثير على السياسات الدولية، والاستحواذ على دور فاعل في شبكات سلاسل التوريد وفي التقسيم الدولي للعمل، تستند هذه القوى إلى مزيج من المقومات الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية، وتختلف استراتيجياتها بحسب أولوياتها وأدواتها.

اعتمدت إيران على تحالفات أيديولوجية وشبكات نفوذ تمتد عبر العراق وسوريا ولبنان واليمن، مدعومة بقدرات عسكرية غير تقليدية مثل الميليشيات المسلحة، العابرة للحدود، وذلك بهدف ضمان عمق استراتيجي يربط الخليج العربي بالبحر المتوسط، ما يتيح لها الضغط في قضايا الطاقة والملاحة الدولية، ويعطيها دورا في سلاسل التوريد العابرة من آسيا إلى أوروبا، ولذلك كان مشروعها الأساسي هو خلق مجال نفوذ خالص لها في ما بات يعرف “بالهلال الشيعي”، ووضعت خططا طموحة لبناء شبكات سكك حديدية من الأراضي الإيرانية إلى المتوسط عبر العراق وسوريا، وربط إيران بالبحر الأحمر عبر سكة حديد تمتد من إيران إلى البصرة ومنها إلى ميناء العقبة عبر الأردن، فضلا عن خططها حول شبكات أنابيب الطاقة.

في مقابل المشروع الإيراني، تسعى تركيا لاستعادة دورها كقوة أوراسية من خلال تعزيز وجودها في القوقاز وشرق المتوسط وأفريقيا، وتُراهن على موقعها كممر حيوي في سلاسل التوريد بين أوروبا وآسيا، وربط شبه الجزيرة العربية بتركيا عبر شبكات سكك حديد إما من السعودية إلى الأردن وسوريا أو عبر مشروع ممر “القناة الجافة” والذي يهدف لربط ميناء الفاو على شط العرب بميناء مرسين عبر شبكة معقدة من الطرق السريعة والسكك الحديدية، ووظفت تركيا صناعاتها الدفاعية المتقدمة والدبلوماسية النشطة لتعزيز نفوذها في الإقليم.

إسرائيل، من جهتها، تعتمد على تفوقها التكنولوجي والعسكري، وتوسع علاقاتها مع دول الخليج وأفريقيا، ما يجعلها لاعبا محوريا في الأمن الإقليمي، وساعياً للاندماج في مشاريع الطاقة وسلاسل التوريد العالمية، وقد سبق أن طرح إسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي، عام 2017 ما يعرف بمشروع ” سكك السلام الإقليمية”، لربط السكك الحديدية في الجزيرة العربية من ميناء الدقم في بحر العرب، إلى ميناء حيفا على المتوسط، وقد عزز الطموح الإسرائيلي، المبادرة التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن لإنشاء ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي  في 9 سبتمبر 2023، وتهدف المبادرة إلى إنشاء ممر تجاري وسككي ضخم يربط الهند عبر الشرق الأوسط (الإمارات، السعودية، الأردن، وإسرائيل) وصولاً إلى أوروبا، تشمل المبادرة تطوير البنية التحتية، مثل السكك الحديدية والموانئ، إلى جانب خطوط الطاقة والاتصالات الرقمية.

هذا التنافس المحموم بين القوى الإقليمية الثلاث قد يكون هو العامل المؤثر الأبرز على السياسات الدولية في المنطقة، حيث تنخرط القوى الكبرى مع هذه الدول لتحقيق توازنات إقليمية تخدم مصالحها في الطاقة، والأمن، والتجارة العالمية.

أين سوريا

منذ صعود المشروع الإيراني مثّلت سوريا، حلقة أساسية في هذا المشروع، وبعيداً عن المبررات الأيديولوجية التي يتم التركيز عليها عادة، فإن تعقيد الواقع الجيوسياسي المحيط بإيران، يجعل من سوريا المنفذ الوحيد لها من مأزق الجغرافيا، فإيران محشورة بين شبه القارة الهندية في شرقها وفيها قوتان نوويتان الهند وباكستان، وفي شمالها  دول آسيا الوسطى وهي الحديقة الخلفية لروسيا والتي لا تستطيع إيران اللعب بها، وفي غربها تركيا الناهضة والتي تنافس على موقع إقليمي مركزي، وبالتالي لم يبق أمام إيران إلا النفاذ عبر العراق وسوريا للوصول إلى المتوسط، ومن هنا شكلت خسارة سوريا بالنسبة لإيران كارثة جيوسياسية وأحد العوامل الأساسية لانكفاء المشروع الإيراني، ولذلك تحاول إيران استعادة هذا الدور بأي ثمن كان.

في المقابل بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية فإن سوريا لا تشكل أهمية في حلقات الوصل الجيوسياسي التي تريدها، لكنها أيضا تعتبر ساحة إعاقة باقي المشاريع، فالمشروع التركي مثلاً الساعي لربط شبه الجزيرة العربية بتركيا لا بد أن يمر بسوريا، لأن العراق بات بإقرار تركيا منطقة هشة أمنيا تسيطر عليه قوى موالية لإيران، ولذلك فإن إبقاء سوريا في حالة عدم استقرار يسمح لإسرائيل بإعاقة المشروع التركي، وذلك من أجل تهيئة الظروف لتنفيذ المشروع الإسرائيلي.

إثر سقوط بشار الأسد وهروبه إلى موسكو، بدأت إسرائيل حملة جوية هي الأكبر والأعنف في تاريخها، حيث دمرت كل الأصول العسكرية للجيش السوري، وحطمت كل القواعد والمطارات والموانئ العسكرية، والمنظومات القتالية باختلاف أنواعها، وهذا لا يدل على الصدمة التي شعرت بها إسرائيل نتيجة السقوط المدوي والسريع وغير المتوقع للمجرم بشار الأسد وحسب، بل يدل أيضاً على الارتباك الاستراتيجي الذي وقعت به

متغيرات المنطقة وخلط الأوراق

في 23/سبتمبر 2023 وقف بنيامين نتنياهو في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، منتشياً بأوهامه، ورفع خريطتين للمنطقة واحدة خضراء تضم إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر والسودان، وسماها منطقة الازدهار، والثانية سوداء تضم إيران والعراق وسوريا ولبنان، وسماها منطقة التطرف، وبشّر في هذا الخطاب أن فجر ولادة مرحلة جديدة في الشرق الأوسط قد بدأ وأن المتغيرات طوت القضية الفلسطينية، وأن السلام العربي الإسرائيلي قد أصبح حقيقة واقعية وأن إسرائيل قد استطاعت إعادة تشكيل المنطقة، وتحدث بإسهاب أيضا عن مشروع الممر الاقتصادي الرابط بين الهند وأوروبا عبر الجزيرة العربية وإسرائيل مبشرا باقتراب السلام مع السعودية، وبعد هذا الخطاب بأسبوعين وقع هجوم 7/أكتوبر ما أدى لخلط الأوراق جميعها، ودخلت إسرائيل مرحلة حرب متعددة الجبهات ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان والميليشيات الإيرانية في سوريا، ووصل الصراع إلى حد الصدام المباشر بين إيران وإسرائيل للمرة الأولى في تاريخهما، عبر تبادل القصف الصاروخي.

بعد هذه التطورات انهار محور المقاومة وسقط نظام بشار الأسد وسُحق حزب الله، وتراجعت إيران إلى داخل حدودها في محاولة منها لحماية ما تبقى من نفوذها الإقليمي، حيث لم يبق لها سوى الجماعات الموالية لها في العراق واليمن، ولذلك يشعر نتنياهو أن انتصاره العسكري ضمن الحرب متعددة الجبهات، وضرب استراتيجية إيران التي كانت تعتمد على مبدأ وحدة الساحات، يجب أن يقابله انتصار سياسي يحصد نتائجه بشكل مباشر عبر تحول إسرائيل إلى الدولة الإقليمية المركزية في المنطقة التي توزع الأدوار وتُقسم المنافع.

أدوات الإشغال متدنية الكلفة

إثر سقوط بشار الأسد وهروبه إلى موسكو، بدأت إسرائيل حملة جوية هي الأكبر والأعنف في تاريخها، حيث دمرت كل الأصول العسكرية للجيش السوري، وحطمت كل القواعد والمطارات والموانئ العسكرية، والمنظومات القتالية باختلاف أنواعها، وهذا لا يدل على الصدمة التي شعرت بها إسرائيل نتيجة السقوط المدوي والسريع وغير المتوقع للمجرم بشار الأسد وحسب، بل يدل أيضاً على الارتباك الاستراتيجي الذي وقعت به إسرائيل، فسقوط بشار تم على أيدي قوى حليفة لتركيا، وبالتالي فإن إسرائيل شعرت أن كل ما قامت به من حروب خلال العام ونصف الماضية، والتي أدت لإضعاف محور إيران، ومهد لسقوط بشار الأسد، قد جنت ثماره تركيا على المستوى الإقليمي، ولذلك بعد تحطيم القوة العسكرية السورية، بدأت إسرائيل التسويق لقضية حماية الأقليات، ثم اختصرتها لحماية الدروز، وهذا الاختصار له مبرراته ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية وسنأتي على ذكرها لاحقا.

للأسف باتت التصريحات الإسرائيلية عن حماية الدروز ومنع انتشار القوات السورية في الجنوب السوري، الخبز اليومي لمسؤولي الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وصدق بعض الواهمين والذين لا يعرفون أنهم باتوا أداة “منخفضة الكلفة” لإبقاء الوضع الأمني مضطربا وغير مستقر في جنوبي سوريا، صدقوا أنهم قادرون على الانخراط في لعبة إقليمية ودولية أكبر وأبعد من ساحة مضافاتهم، فالهدف الإسرائيلي لم يكن في يوم من الأيام ولن يكون حماية الدروز أو سواهم، لأن المشروع الإقليمي الدولي الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه أبعد كثيراً من حارات وشوارع الجنوب السوري وصراعاته المحلية.

كل ما نسمعه في الإعلام وكل هذا الصخب حول موضوع الصراع في السويداء، يجب أن يتم قراءته ضمن المعطيات الحقيقية لمصالح الدول الإقليمية التي تبحث دوماً لتحقيق سياساتها على “أدوات متدنية الكلفة”

السويداء وجنوبي سوريا في تقاطع المصالح

في خطبة نتنياهو في سبتمبر عام 2016 في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحدث عن أن إسرائيل تخوض صراعها مع إيران بالنيابة عن “الدول العربية السنية”، وتتالت تصريحات إسرائيل حول هذه السردية بالذات، من أن إسرائيل تواجه إيران ” الشيعية” لمصلحة الدول العربية ” السنية”، وبشر نتنياهو كثيراً في السنوات الماضية لوحدة الهدف وأن الدول العربية وإسرائيل يواجهون مخاطر واحدة تتمثل في إيران والتطرف الإسلامي وأن التحالف العربي الإسرائيلي ضروري لاستقرار المنطقة، وبعد اتفاقيات إبراهيم وتوسيع دائرة السلام الإسرائيلية العربية ظنت إسرائيل أن مشروعها الإقليمي قد انتصر، ولا سيما بعد أن تراجع المشروع التركي اعتبارا من عام 2014 وانكفأ إلى حد مواجهة الصراعات الداخلية في تركيا والتي تجلت في محاولة الانقلاب في يونيو عام 2016، ومن ثم سقوط حلب في ديسمبر من نفس العام، وما يعني ذلك من تراجع كبير للمشروع التركي، في ذلك الوقت ظنت إسرائيل أن مهمتها الوحيدة المتبقية لها تتمثل في إزاحة المشروع الإيراني حتى تخلو لها المنطقة بالكامل.

لكن تطورات الأوضاع السريعة في سوريا وسقوط بشار الأسد الذي مثل الحلقة الأهم في حلقات المشروع الإيراني، وإعادة تموضع تركيا إقليميا بعد تعزيز علاقاتها مع الدول العربية ولا سيما دول الخليج ومصر، وبعد صياغة تفاهمات جديدة بينها وبين هذه الدول، أجبرت إسرائيل على إعادة النظر في واقعية تحقيق مشروعها، ولذلك فإن مسألة إبقاء سوريا تحت وقع النيران وضمن حالة من الاضطراب هو الهدف الذي تعمل عليه إسرائيل، لأن أي مشروع إقليمي عابر للحدود يربط بين الخليج العربي وتركيا لابد أن يمر بجنوبي سوريا، ولذلك كان تركيز إسرائيل على موضوع الجنوب، وليس الساحل أو المنطقة الشرقية مثلا.

ولذلك فإن كل ما نسمعه في الإعلام وكل هذا الصخب حول موضوع الصراع في السويداء، يجب أن تتم قراءته ضمن المعطيات الحقيقية لمصالح الدول الإقليمية التي تبحث دوماً لتحقيق سياساتها على “أدوات متدنية الكلفة”، فإسرائيل تستطيع ببضع تصريحات إعلامية حول حماية الدروز، وبمساعدات لا تتجاوز كلفتها عشرات آلاف من الدولارات، أن تدفع بكثير من الحمقى للرهان على إسرائيل، أو بكثير من الحمقى للقول” “ألا ترون أن الدروز عملاء لإسرائيل”، والدليل هو تصريح نتنياهو وقوله كذا وكذا، والدليل هو تحركات الجيش الإسرائيلي، وكذا كذا….، ثم تبدأ حفلات الجنون على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تنتهي بسقوط قتلى وجرحى في الشارع من الأمن العام أو من المجموعات الدرزية المسلحة أو من المدنيين، والعرب قديما قالت أول الحرب الكلام، وفعلا فإن إسرائيل بقدرتها التقنية وإمكانياتها على مستوى الذكاء الصناعي وإدارة منظومات التواصل الإلكتروني، قادرة على خلق حرب عاصفة في فنجان قهوة بإحدى مضافات مدينة قنوات أو في اللجاة أو سواها، وستجد للأسف الكثير من الآذان الصاغية ومن الملتاثين طائفياً الذين ينفذون سياساتها من دون أن يعلموا، وهم يظنون أنهم حملوا سلاحهم غيرة للدين أو انتصاراً للرسول الكريم.

ملاحظة منهجية: التحليل السابق يتعمد إغفال كل فواعل الصراع المحلية، وذلك لصالح إبراز العامل الإقليمي كعامل “إفضاء” وفق تعبير ابن خلدون، وهو العامل الذي يطلق مجموعة ديناميات تتفاعل مع بعضها لخلق واقع معقد وصراعات متعددة المستويات منها هوياتي ومنها ديني ومنها سياسي ومنها اقتصادي اجتماعي.

أما ما هو الحل للوضع في السويداء، فهذا ما سأفصله في مقال لاحق يتضمن رؤية متكاملة لتصور أولي لحل سياسي في السويداء وفي الجنوب السوري عموما، وفي باقي المحافظات السورية.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى