لا حياء في إيرانية “حزب الله”

  مهند الحاج علي

لافت في التصريحات المباشرة لـ”حزب الله” والتقارير الواردة عنه، المنسوب المرتفع للدور الإيراني فيه، والحاجة الدورية المفرطة للتأكيد على الولاء المطلق لمرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي. على سبيل المثال، لا الحصر، لا يكاد يمر خطاب واحد للأمين العام لحزب الله نعيم قاسم إلا ويأتي فيه على ذكر الدور الريادي لإيران. والمميز في خطابات قاسم أنها خالية من أي محاولة للتهذيب السياسي، بل تُشبه المحاضرات الدينية أو الحصص الدراسية التي من الصعب حضورها كاملة الا إذا كان المشاهد مرغماً على ذلك.

في حفل إطلاق كتاب “الغناء والموسيقى” لخامنئي قبل أيام، تحدث الأمين العام للحزب بإسهاب عن الدور القيادي للمرشد. ربط في الخطاب بشكل صريح بين الالتزام الديني، من جهة، وتطبيق أوامر المرشد: “نحن في حزب الله نعمل في الحقيقة على قاعدة الاستفادة من توجيهات وقناعات وأوامر الإمام الخامنئي (دام ظله) ‏في المنهجية العامة لحياتنا، في المنهجية العامة التي تُبرئ ذمّتنا أمام الله تعالى”. وإذا كان هذا الكلام يحتمل الالتباس، يُسهب قاسم بلا قفازات في شرح معانيه: “نحن جماعة متدينين، المتدين ‏هو من ينظر إلى آخرته، ومن ينظر إلى آخرته، ينظر إلى مرجعه، وقائده، ووليّه، هل يُجيز له هذا الأمر أم لا؟ … من هنا، فإن ارتباطنا بالولي الفقيه الإمام الخامنئي (دام ظله) هو ارتباط الإسلام، ارتباط العقيدة، ارتباط الإيمان، ‏ارتباط العقل والروح، ارتباط الحق المشروع لكل إنسان في أن يتخذ خياراته”.

لا يلجأ قاسم الى تهذيب الكلام ومصالحته مع الخطاب السياسي، لا يتحدث عن خامنئي كقيادي ديني مثلاً على غرار البابا، كما يُحاول غالباً سياسيون في الحزب. قدراته السياسية محدودة بدليل التناقض بين هذا الوضوح في شرح الولاء لخامنئي، من جهة، وبين ذم الدولة اللبنانية لعدم حفاظها على سيادة البلاد. في الخطاب عينه، يُلفت “نظر الحكومة اللبنانية: هناك وظيفة أساسية ملقاة على عاتقكم، أنتم مسؤولون عن السيادة، ‏فاعملوا بطريقة صحيحة لحماية السيادة”، من دون أن يُظهر أدنى وعي سياسي للتناقض بين إعلانه ولاء مطلقاً لقائد إيراني وبين مطالبة دولته اللبنانية بالسيادة.

لكن الفارق في الخطاب بين قاسم ونصرالله لا يقتصر على فقدان الأول سمات الثاني في الكلام والوعي السياسي، بل يتعداه على الأرجح الى واقع جديد على المستوى التنظيمي، تضطلع فيه إيران بأدوار أكبر وتُقلص الهامش المتاح للقيادات اللبنانية في الحزب.

والواقع، أن السنة الماضية من القتال، كشفت دوراً إيرانياً مباشراً في التنظيم لم يكن معلناً. مثلاً حين اغتيل محمد رضا زاهدي في الأول من نيسان (أبريل) العام الماضي في قصف السفارة الإيرانية في دمشق، نشرت وكالة “رويترز” تقريراً يؤكد مسؤول في الحزب أن زاهدي كان عضواً في مجلس شورى الحزب الذي ينتخب الأمين العام ويضع السياسات العامة للتنظيم. لكن زاهدي كان أيضاً أحد قادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي أكبر من أن يكون مستشاراً فحسب.

وهذا حال الجنرال عباس نيلفروشان الذي قضى مع نصرالله في عملية اغتياله العام الماضي. تنقل نيلفروشان في مواقع قيادية بالحرس شملت نائب قائد عمليات القوات البرية (بين عامي 2005 و2007)، وقائد كلية القيادة والأركان (بين عامي 2010 و2014)، ونائب قائد العمليات (من عام 2019 وحتى اغتياله).

الدور الإيراني ليس جديداً، لكن اغتيال نصرالله وقادة الرعيل الأول معه، لا بد أن انعكس على العلاقة مع القيادة العسكرية الإيرانية. وهذا صار واضحاً مع الفروض المتكررة لإعلان الطاعة والولاء للقيادة الإيرانية، ومنها ما جاء في كلمة على لسان ابنة نصرالله في مؤتمر في طهران قبل أسابيع، نقلها موقع خامنئي كالآتي: “وخاطبت كريمة الشهيد نصر الله قائد الثورة الإسلامية قائلة: «يا سيّدنا! جئنا مفعمين بمحبّتك من عيون سيّدنا (الشهيد السيّد حسن نصرالله) الذي ذاب في عشقك، والذي رغم مكانته الاجتماعية بين شعبه لم يرَ نفسه سوى جنديًّا … يا سيّدنا ومولانا! جئنا اليوم لنجدّد العهد معك. نحن أبناء السيّد حسن جئنا لنقول لك إنّنا جنودك المخلصون والسائرون على هذا الطريق”.

في تأكيد ابنة نصرالله على أن أهمية والدها بين قومه لم تغيّب حقيقة كونه مؤتمراً من مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، إشارة الى اعتقاد كان سائداً باستقلالية للأمين العام السابق وقدرة لديه على وضع سياسات والتفاوض مع القيادة الإيرانية في سياق الهامش المتاح. ولكن اختيار الكلمات أيضاً واهتمام القيادة الإيرانية بنشرها، يكشف صنف العلاقة المطلوبة وخطابها في المرحلة المقبلة. حتى الأموات باتوا مطالبين بفروض الطاعة.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى