
لم يكن أحدٌ ليكترث باجتماعاتٍ للمجلس المركزي الفلسطيني الأسبوع الماضي في رام الله، لولا أن فائض الرثاثة في كلمة محمود عبّاس الافتتاحية نبّه إليها. وخطب الرئيس وكلماته في القمم العربية والأمم المتحدة وفي مؤتمراتٍ وملتقياتٍ فلسطينية تصلحُ لقياس التدهور الذي ما انفكّت الحالة السياسية الفلسطينية تُسرع إليه. وساهم في بعض الاكتراث الطارئ بهذه الاجتماعات أن نتيجتها المعلومة مسبقاً كشف عنها الغرضُ المُعلن لها، وهو تفويض اللجنة التنفيذية لمنظمّة التحرير بتعيين نائبٍ لرئيسها ونائبٍ لرئيس دولة فلسطين. ولم ننتشل، نحن في “العربي الجديد”، “الزير من البير” عندما نشرنا أن أمين سر اللجنة هذه، حسين الشيخ، هو من سيكون هذا الرجل، وهذا ما صار لمّا صودق على تعيين المذكور في المنصبيْن، فالمكتوب يُقرأ من عنوانِه، فضلاً عن أن تفاصيل المكتوب، المتحدّث عنه هنا، مفضوحة.
ولم يتزيّد من اعتبروا هذا القرار تاريخياً، فهو كذلك، ليس لتصعيد الأسير السابق في سجون الاحتلال، والفتحاوي الذي اشتُهر عنواناً لكل أشكال التنسيق الرسمي الفلسطيني مع السلطات الإسرائيلية، إلى منزلةٍ تهيّئُه لأن يرث رئاسة الفلسطينيين، بعد عبّاس (إلا إذا شاءت الأقدار وإرادة ربّ البريّة غير هذا)، وإنما هو تاريخيٌّ لأنه محطّة متقدّمةٌ في مسار ملهاةٍ فلسطينيةٍ لم تعد تثير الغضب والحنق، بعد أن استُهلكا، بل تشيع إحساساً بأن الفئة التي تختطف القرار الفلسطيني، ومنظمّة التحرير، لم يعُد لها همٌّ تَشغَل نفسها به سوى إهانة العموم الفلسطيني، فتلك الاجتماعات التي خرجت بذلك التفويض ثم مصادقة اللجنة التنفيذية على التعيين أعلاه أوحتا بأن ثمّة مساطر قانونية، وإجراءاتٍ تتّبع نظاماً مأخوذاً به، جرى الاهتداء بها، لتحصين وراثة حسين الشيخ هذه من أي قيلٍ وقال بشأن القوانين والأنظمة والمؤسّساتية والشرعية… إلخ، فليس لفردٍ أو تجمّعٍ أو فصيلٍ أن يُجرّح في الآلية الديمقراطية والتصويتية والتمثيلية والتنظيمية… التي مشت عليها عملية اختيار الشيخ للموقعيْن اللذيْن تأهّل لهما. أما لو اعتدّ أحدٌ بأن فصائل وتكويناتٍ وشخصياتٍ قاطعت اجتماعات المجلس المركزي، وأخرى انسحبت منها، للقول بنقصان “شرعيّة” ما صار عليه صاحبُنا هذا، فذلك يُعقَّبُ عليه بأن هؤلاء مارسوا حقّهم الديمقراطي في الاعتراض، الأمر الذي لم يؤثّر على “اللعبة” الديمقراطية كلها. أما الذين أنفقوا جهداً كثيراً في التنقيب في مرجعياتٍ وموادّ قانونية لا تعطي المجلس المركزي (وسيط بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمّة التحرير) الحقّ في تفويض اللجنة التنفيذية بالقرار الذي اتّخذته، فمع كل الاحترام لذواتهم، يبعث كلامُهم على التعاطف معهم، وهم يحملون على أكتافهم أرطالاً من البراءة، عندما يفترضون لزوماً للمجرى القانوني، المحض، في طبخ أهل السلطة والنفوذ في غير بلد عربي قراراتهم. أما الذين استهلكوا وقتاً وفيراً في رمي محمود عبّاس بكلامٍ عن تجاوزه اللجنة المركزية لحركة فتح، وعن استئثاره وتفرّده بالقرار، فمع احترامٍ مماثلٍ لذواتهم، لقد فضفضوا بما يريُحهم نفسياً، وأدّوا فعلاً طيّباً، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
… إنها الركاكة البالغة البؤس في الحال الفلسطيني. وليس من تشخيصٍ لمشهد تنصيب حسين الشيخ نائباً لرئيس دولة فلسطين ولرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمّة التحرير غير هذا. والركاكة هذه، بعد الرثاثة التي عوينت في كلمة محمود عبّاس إيّاها، معطوفة على انكشاف مؤسّسة صناعة القرار الفلسطيني (المستقلّ؟ هل تذكرون؟) أمام أجندات الخارج الإقليمي، بعض العربي، والأميركي والإسرائيلي، ليس فقط بحديث عبّاس عن “إصلاحٍ” في البيت الفلسطيني أمام قمّةٍ عربيةٍ في القاهرة، بعفو عن بعضِهم، وبتعيين نائبٍ له، وإنما أيضاً بالرضى الغزير الذي يحظى به الشيخ من الخارج، فيما سمعتُه بين عموم الفلسطينيين غير محمودة، وهو أحد خاطفي منظمّة التحرير الثلاثة (مع محمود عبّاس وماجد فرج). وليس المقام هنا التجريح بالرجل، أو إثارة الشبهات بشأنه، وإنما هو تأكيد المؤكّد، أن خراب المؤسّسة الرسمية الفلسطينية مريع، وأن شناعة أداء الرئاسة (ثمّة من يناقش شرعيّتها ولا شرعيّتها!) مخجلة، قبل محنة أهل غزّة الواقعة وفي غضونها… وأفقُ الخلاص الفلسطيني بعيد.
المصدر: العربي الجديد